إجراءات عاجلة لاصلاح السياسه النقدية والمالية
بقلم/ أ.د.محمد السعيدي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 09 مارس - آذار 2012 08:30 م

طالما نبهنا في السنوات الماضية الى خطورة المنحى الذي يتجه إليه الاقتصاد اليمني وخصوصا في العشر السنوات الأخيرة من خلال مقابلات صحفيه ومقالات وندوات أكدنا حينها على ضرورة اتخاذ إجراءات فاعله لإصلاح الاقتصاد الوطني و كبح جماح الفساد ولكن لاحياة لمن تنادي 0 ولكننا اليوم في بداية عصر جديد نتتطلع الى ان يكون عصر إنصاف الشعب اليمني وانتشاله من حالة البؤس التي أوصلوه اليها وهو أمر لن يتم بدون ألمساهمه الفاعلة من الجميع وأملنا كبير أن نجد أذان صاغية

و في الدراسة الأخيرة قد بينت باختصار كيف أن الاقتصاد اليمني صار اكبر ضحايا الفساد ،حيث ان اليمن رغم أنها صارت تمتلك العديد من الكفاءات والأيادي العاملة الماهرة بالمقارنه مع الماضي كما أنها أصبحت منتجة للنفط والغاز إلا ان الفساد وصل الى حد أعاد اقتصادها الى حاله من التردي جعل ترتيبها بالنسبة لدول العالم يتراجع عما كان عليه قبل ثورة 26سبتمبر عام 1962م ، بحسب مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة

ما نرمي إليه في هذه الدراسة هو إلقاء الضوء على جوانب أخرى مكمله وصولا الى إجراءات عاجله مطلوب من حكومة الوفاق الوطني اتخاذها لوقف النزيف الذي يعاني منه الاقتصاد اليمني ويعيد الأمور الى نصابها وتحقيق الاستقرار .تمهيدا للانطلاق نحو تنميه مستدامة وبأسرع وتيرة ممكنه .

فالمتتبع عندما يسمع أن حكومة ما تبيع أذون الخزانة وترفع سعر الفائدة يتوقع أنها تعمل على تقليل عرض النقود وسحبها من المستهلكين العاديين بغرض تخفيض الضغوط الاستهلاكية وبالتالي تحافظ على سعر صرف مستقر بتخفيض الضغوط عليه وهو بدوره يؤدي الى تشجيع الاستثمار ، ولكن الحقيقة في اليمن لاتقترب من هذا المنطق من أي ناحية .

فقد ظلوا يطبعوا نقود بكل ما يمتلكون من قوه حتى وصل العرض النقدي في أكتوبر سنه 2011الى حوالي ( 2215 ) الفين وماتين وخمسه عشر مليار ريال منها ( 963 ـ 1000 ) حوالي الف مليار ريال نقود مطبوعه ( cash  ) بالمقارنة مع (201 ) ماتين وواحد مليار في عام 2000 . . . ماذا يعني ذلك ؟

هذا يعني أن الحكومة في التسع السنوات الأخيرة طبعت خمسه أضعاف النقود التي طبعت في إحدى عشر سنه قبلها منذ قيام دوله الوحدة عام 1990 رغم الفارق 

( حيث ان الاحدى عشر ألسنه الأولى تم فيها بناء دوله جديدة تحتاج لطبع النقود ومرت بحرب طاحنه باهضة التكاليف ) .

كما يوضح بجلاء مقاصد النظام السابق ويبين عدم مصداقيته .

إذ كيف يمكن أن نطبع هذا الكم الهائل من النقود ثم ندعي أننا نبيع أذون الخزينة لنقلل من العرض النقدي . إن ذلك كمن يوجه أنبوب بقطر عشرون هنش الى خزان ماء ويسحب من ذات الخزان باستخدام أنبوب بقطر نصف هنش ثم يشتكي عندما يرى فيضان الماء من الخزان يجرف كل شيئ أمامه. فاقرب تفسير لما يحدث لن يخرج عن كون الحكومة تطبع النقود لتصب هذه النقود في جيوب فئة مترفة بالمجتمع بأشكال مختلفة!!! ثم تعود وتقترضها منهم بأسعار فائدة عاليه جدا لتزيدهم غنى على حساب إفقار خزينة ألدوله، وكل هذه الأعباء يتحملها في النهاية المواطن الفقير . 

والأغرب من ذلك أن أذون الخزينة والتي يفترض بيعها للمستهلكين الأفراد بغرض امتصاص ألسيوله منهم لأنها لو بقيت لديهم ستصرف في الاستهلاك ( نظرا لضئالة الأموال التي بحوزتهم ولنقص الخبرة الإستثمارية لديهم) والذي يعني الاستيراد وهو أمر يزيد الضغط على العملة الصعبة ويزيد من قيمتها . أذون الخزانة هذه بدلا من أن تؤدي هذه الوظيفة الحيوية جدواها من ميزانيتها وحولوها إلى سرطان ينهش في جسم الاقتصاد الوطني .

فبالرجوع إلى البيانات الصادرة عن البنك المركزي نجد أن البنوك قد استحوذت على أذون الخزانة حيث ارتفع نصيب البنوك في أذون الخزانه من 15% في عام 2003 إلى 87% في نوفمبر الماضي .أما النسبة المتبقية وهي 13% فقد ذهبت اغلبها لمؤسسات وشركات يفترض بها أن تستثمر أموالها بدلا من أن تكون عاله على المجتمع منها ( مؤسسات التامين ) .

والحقيقة أنني أمام هذا الهول أقف عاجزاً عن اختيار التعبير المناسب وساترك للقارئ الكريم تقدير مايراه . فأدوات السياسة النقدية يفترض بها سحب النقود من القطاع الاستهلاكي بشكل عادل عبر عدة حوافز منها بيعهم أذون خزانه بسعر فائدة مجدِ وهو يؤدي الى السيطرة على التضخم وبالتالي استقرار أسعار السلع والخدمات وسعر الصرف وتسهيل او تحفيز ضخ هذه النقود الى القطاعات الإنتاجية عبر البنوك وغيرها من مؤسسات التمويل وبفوائد معقولة تشجع الاستثمار نجد أنها في بلادنا تعمل العكس تماما فقد رفعوا الفوائد الى معدلات تجعل الاستثمار مستحيل وسحبوا الأموال من البنوك والمؤسسات التي يفترض بها أن تصب في الاستثمار الذي يعد الطريق الوحيد لتشغيل اليد العاملة وبناء اقتصاد قوي يوفر العيش الكريم . 

باختصار لقد ظل المشهد يتكرر على نفس الوتيرة خلال العشر السنوات الأخيرة مزيد من طبع النقود او إغراق السوق بالنقود ،يؤدي إلى رفع سعر صرف العملات الأجنبية والذي يؤدي بالطبع الى رفع أسعار السلع والخدمات ،فتزداد معدلات التظخم فيخفضوا سعر الصرف لفتره ولا يعملون شيء يذكر لتخفيض الأسعار الى ما كانت عليه قبل ذلك, ثم يرفعوا سعر الصرف من جديد و ........الخ .وفي كل مره تجني مؤسسة الفساد أموال طائلة. والنتيجة تفاقم معدلات التضخم وتزعزع الثقة بالاقتصاد اليمن فيزيد الفقير فقرا والغني غنى ، وأما بيئة الاستثمار فحدث ولا حرج ، وأكثر من ذلك فمع الزمن أخذت الطبقة الوسطى بالتلاشي ونمت طبقه من المترفين الذين حصلوا على أموال طائلة تتعاظم بشكل كبير بدون أي جهد يذكر من قبلهم .

إصلاح عاجل للسياسة النقدية والمالية : 

مما سبق واستناداً للوضع الراهن أضع بين يدي حكومة الوفاق الوطني الجديدة على عجل المقترحات التالية كدفعه أولى:

1ـ الإيقاف الفوري لبيع أذون خزانه للبنوك والمؤسسات والشركات القادرة على الاستثمار وعمل خطه لاستعادة ما تم بيعه لهم بشكل متدرج وبأسرع ما يمكن ، بما لا يترك أثار سلبيه على تلك البنوك.

2ـ عمل دراسة لإمكانات الإيقاف النهائي لسياسة بيع أذون خزانه إلا في حالة احتياجها لمشاريع استثمارية تقوم بها الحكومة او لتمويل نصيب الحكومة في الاستثمارات المختلفة والتي أتوقع أن تتزايد في المستقبل القريب .

3ـ باعتبار أن رفع سعر الفائدة وبيع أذون خزانه الغرض منها امتصاص ألسيوله من المستهلكين وباعتبار الاقتصاد الوطني قد مر بالسنوات الأخيرة بحاله إفقار شديد للطبقات الوسطى والدنيا فان المال قد سحب من (65-70 )% من الشعب لصالح الفساد بحسب الإحصاءات الدولية كما رأينا 0واكبر دليل على ذلك ان البنوك والشركات والمؤسسات هي التي أصبحت المشتري الوحيد لأذون الخزانة فلم نعد بحاجه الى استمرار هذه السياسة بل العكس صار من الملح أن نوفر عمل لتشغيل العاطلين وذلك يتأتي بتخفيض سعر الفائدة إلى الحد الذي يشجع ويحفز الاستثمار .

ويفضل أن يستخدم البنك المركزي بقيه أدوات السياسة النقدية كسعر الخصم والاحتياطي الإلزامي للبنوك للدفع بهذا الاتجاه ،طبعا يتم هذا الإجراء بالتزامن مع خطه استثماريه فاعله .

4ـ تثبيت سعر الصرف عند (240 ) او ( 250 ) ريال للدولار ، لان سعر الدولار قد ظل لفترة طويلة من حوالي عام يتراوح قريب من هذه الحدود وقد ترتب على ذلك ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسب اكبر بكثير من هذا المعدل . وتخفيض سعر الصرف في الوقت الراهن لن يقود إلى إعادة أسعار السلع والخدمات الى حالتها السابقة بل ستظل مرتفعه وستترك فرص لمنظومة الفساد لتستمر كما درجت عليه باستغلال سعر الصرف لإفقار الشعب أكثر وأكثر حيث سرعان ماسيرفعوا سعر الصرف فيرفعوا معه الأسعار من جديد .

فالظرف الآن مناسب والقوه الشرائية في حدودها الدنيا .

5ـ دفع البنوك لتشجيع الاستثمار عبر تمويل المشاريع الاستثمارية باستخدام أدوات السياسة النقدية كما أسلفنا بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات إلزامية من قبل البنك المركزي كأن تضعها ضمن معايير تقييم أداء البنوك .

كما يجب دفع البنوك الى توسيع قاعدة المشاريع التي تمولها ، لان المصارف اليمنية تقصر تسهيلاتها لجهات معينه وتتجنب المغامرة خاصة ان السماح لها بالاعتماد على أذون الخزانة لفترة طويلة قد اضعف من قدرات الإدارات المختصة فيها بتقييم المشاريع .

6- العمل على إيقاف طبع النقود إلى وفق دراسة متكاملة للاقتصاد الو طني 0 وبموافقة مجلس الوزراء0

7 – وإذا ماعرجنا على السياسة المالية فما يمكن عمله بشكل عاجل في الوقت الراهن هو إيقاف المصروفات غير الضرورية وأهمها إيقاف استيراد السلاح وغيرها من الإعتمادت الوهمية التي غذت نظام الفساد؟؟؟ .

8 - كما يجب الإسراع بتخفيض أسعار المشتقات النفطية مع رفع الدعم نهائيا عنها .

فلن تمر فرصه أفضل من هذه لان أسعار المشتقات النفطية قد ارتفعت في السوق المحلية الى معدلات عاليه بل خياليه منذ بدء الثورة الشعبية السلمية ، ورفعت معها أسعار كل السلع والخدمات ، وان إعادة تخفيض أسعار المشتقات النفطية الى ما كان عليه قبل الثوره لن يؤدي الى تخفيض أسعار السلع والخدمات الا بنسبة ضئيلة . ( وقد سبق أن اوضحنا هذه الفكرة في دراسة سابقه ) .على ان يترافق هذا الأجراء مع إجراءات مصاحبه تلزم التجار ومتعهدي النقل وملاك وسائل الإنتاج الزراعي بتخفيض الأسعار بنفس النسبة

مع مراعاة استخدام جزء من فائض السعر لصندوق دعم ألزراعه بحيث يظهر مباشره في شكل زيادة في إنتاجيه القطاع الزراعي وجزء يوجه عبر وزارة الشئون الاجتماعية لدعم الفقراء وجزء ثالث لدعم تمويل المشاريع الأصغر لخلق وظائف جديدة للعاطلين عن العمل

ملاحظة

بعد الانتهاء من كتابة هذه الورقة المتواضعة بلغني ان سعر صرف الدولار قد إنخفض من المعدل الذي كان يتراوح بين ( 235-244 ) الى ( 218)ريال ثم أرتفع الى(222 )ريال مؤخرا .بينما أسعار السلع والخدمات في تصاعد مستمر وهذا امر في غاية الخطورة .اذ انه فضلاً عن كونه عامل تخريب للاقتصاد الوطني ويفاقم الأعباء على كاهل الفقراء والطبقة الوسطى والمستثمرين كما أسلفنا فانه يساعد منظومة الفساد على تهريب الأموال إلى الخارج بأرخص ما يمكن.

ونحن إذ نهنئ فخامة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي بهذه الثقة الغير مسبوقه نناشده ان يجعل الاقتصاد أهم أولوياته, باعتبار أن الاقتصاد يعد المحرك الأساس للمدنية ألحديثه، ولان الشعب الذي قدم كل هذه التضحيات والمثل التي أذهلت العالم يستحق أن يعيش حياه كريمه في أرضه .

عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
  أحمد الجعيدي
حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
أحمد الجعيدي
كتابات
عبدالعزيز الهياجمالسفير الشيخ
عبدالعزيز الهياجم
د. محمد أمين الكماليشروط انتصار القاعدة
د. محمد أمين الكمالي
د. محمد حسين النظاريدماء وليست ماء!!
د. محمد حسين النظاري
مشاهدة المزيد