دور "الاصلاح " في لحظة فارقه وإستثنائيه !!
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 18 يوماً
الثلاثاء 24 يناير-كانون الثاني 2012 01:09 ص

قدرة الحركة الاسلاميه على أداء دورها التاريخي مرهون بتطور تحالفها البرجماتي المدني مع قوى اليسار

الحرب الكبرى ضد الإرهاب ، والحصار الأكثر فعاليه ضد التطرف خلا ال15 عاماً الماضيه كان وجود حزب الإصلاح ذو المرجعيه الإسلاميه ، بما مثله من كيان حزبي مدني ببرنامج سياسي وتحالفات برجماتيه سياسيه مع احزاب الاشتراكي ، الناصري ، البعثي ، الحق ، القوى الشعبيه ، تحالفات قائمه على الرؤى المشتركه والإلتقاء حول أولويات سياسيه بمنأى عن التفتيش في المذهب والمنطلقات الفكريه ، والثقافيه التي يصدر عنها كل حزب من مكونات التحالف

كان هذا التوجه واضحاً وجلياً بعين زرقاء اليمامه الشهيد جار الله عمر الذي أدرك قبل مراكز صنع القرار الأمريكي ، الأوروبي ، وقبل تبلور تجربة حزب العداله والتنميه كنموذج ناجح لحزب إسلامي في الحكم ، وقبل ثورات الربيع العربي ، أدرك أن التواصل والحوار مع الحركه الاسلاميه وكيانها السياسي وبناء مشترك وطني معها ، إستناداً إلى الرؤى السياسيه هو التوجه الصحيح الذي ينبغي على قوى اليسار أن تمضي فيه

وفي مقابل هذه الرؤيه التي تنظر للواقع بعين صقر من علو مرتفع يدرك مداه وممكناته ، كان رفعت السعيد يعظ بأظافره وأسنانه على خطاب إقصائي عدمي متهالك يساوي بين التكوينات الإسلاميه ماراً بكل تنوعاتها ليضعها في سلة واحدة ، واصماً إياها بسلسلة من الأحكام تحولها إلى شيطان رجيم 

إذاً لدينا في اليمن تجربة سياسية فريده عنوانها اللقاء المشترك ، تتأسس على الإعتراف المتبادل بكل الرؤى السياسية وإمكانية إقامة التحالفات بينها ، وتقلص بالضرورة من نوازع الإقصاء المتبادل سواءاً بإدعاءات تتوخى السيطرة على المجتمع وإخضاعه لرؤى الأصولية الدينيه وكهنتها ، أو إحتكار تمثيل الحداثه والمدنيه وقيم العصر من قبل الأصوليه الحداثيه ووكلائها

لقد أثبتت عشر سنوات من الحرب العالميه ضد الإرهاب أن الإستراتيجيه الناجعه تتضمن حزمه من السياسات الاقتصادية والإجتماعية وإشراك القوى السياسية الإسلامية ذات الحضور الواسع في الشارع العربي ، إشراكها والإعتراف بها لا أن تقصى وتعزل . وهذا التعاطي لا يعمل شيئاً سوى الإعتراف بأمر واقع ، الإعتراف بحركات سياسية نالت أصلاً الإعتراف والثقة من الشارع العربي . أما التعاطي الأمني مع ظاهرة الإرهاب والتطرف وإتباع سياسات الإقصاء والعزل إزاء التيار الإسلامي فلا يؤدي سوى لانتشار العنف والإرهاب وتمكين سدنة السلفيه الوعظيه المتطرفه من فرض سيطرتهم على التيار بمجمله

الآن ومع المناخ الجديد للربيع العربي تظاعفت ممكنات الخروج من حالة الاستقطاب القديمه وسجالات الضجيج بين شعارات تطبيق الشريعة وشعارات الحداثه والمدنيه وهي سجالات أزدهرت في سياقات ساد ت فيها القطيعة والتعصب والديكتاتورية التي صادرت السياسه من المجتمع واحتكرت المبادرة ووظفت كل العناوين كأوراق بيدها : الدين والجامع وجمعيات العلماء والاحزاب والنقابات وأحكمت سيطرتها الأمنيه على كل فضاأءات المجتمع . الان تترسخ ممكنات تأسيس حالة سياسيه ديمقراطية يمثل الاسلاميين جزءاً محورياً في مشهدها الجديد ، ودورهم المتنامي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن أكثر من واضح . هذا الصعود يدعم توجهات التحول المدني الديمقراطي ويحاصر التطرف والارهاب والعنف .

وإذا ماقدر لهذا التحول أن يمضي إلى نهايته فسوف يؤسس لدولة مدنيه وقواعد اللعبة السياسية لعقود قادمه . 

 *** *** 

كان واضحاً عقب 11 أيلول أن المطلوب للنظام هو رأس الهامش الديمقراطي أولاً ورأس حزب الاصلاح واللقاء المشترك ثانياً ، وليس رأس عبد المجيد الزنداني الذي أوهم بالحق أو بالباطل أن رأسه مطلوب وفي مرتبة عليا للقائمة الامريكيه . وقد نجح هذا التهويل أو التكتيك في تمديد استثمار النظام لمكانة الرجل في الحركة والحزب والهيئة الدينية ، وهكذا كان حيث أنزوى في الظلام وعطلت فعاليته كلها ، الا ماتعلق منها بتعطيل فعالية حزب الاصلاح والخصم منه لا الاضافة اليه .

  هنا كان للقاء المشترك دوراً رئيسياً في إنقاذ حزب الإصلاح من موجة الاستهداف العشوائي التي أعقبت 11سبتمبر 201 ، وفوت على النظام إقناع الحليف الدولي ضم التجمع الى قائمة المشمولين بالحرب على الارهاب . ومندون هذا التحالف كان النظام سيضع حليفه السابق في بؤرة الحرب ضد الإرهاب خصوصاً أن الحدث الزلزالي حينها توافق مع تحول في مسار حزب الاصلاح من المراهنة على التحالف مع النظام إلى المراهنة على الرأي العام والارادة الشعبيه كطرف جديد في صنع السياسة في اليمن التي أحتكرتها النخب في الحكم ومراكز النفوذ القبلي والمشيخي والديني .وصمد الهامش الديمقراطي وترسخ تحالف اللقاء المشترك معززين بهذه التحولات .

كما أن هذا المؤثر الدولي الجذري آنذاك جاء في لحظة استكمال النظام ماسمي حينها بإعادة ترتيب البيت الداخلي ، لتوريث الحكم للنجل الصاعد حينها

هذا الإستيعاب ، الذي قام به المشترك حينها لم يكن فقط من أجل الإصلاح ، وإنما من أجل اليمن . ذلك أن ما أفشله التحالف الفريد من نوعه والاول في المنطقة العربية بين الاسلاميين وقوى اليسار ، لم يكن الحرب على الارهاب ولكنه منع استخدام النظام التوريثي المستبد لعنوان الحرب ضد الارهاب وتوظيفها لاستهداف الهامش الديمقراطي بمبررات أمنيه تتوسل السياق الجديد للعلاقات الدوليه لإدامة حكمه والتخلص من معلرضيه  

وما يلاحظ على هذه السنوات التي أعقبت 11 سبتمبر ، أن النظام بالقدر الذي سعى فيه لتفكيك الحزب السياسي المدني المعبر عن التيار الاسلامي ، بالقدر نفسه أفرط في دعمه للتكوينات الدينيه المتطرفة والمنغلقة داخل الاصلاح وخارحه ذوي الذهنيه الوعظية السلفية التي تنصب نفسها رقيباً على المجتمع وسلوكيات أفراده وحياتهم الخاصة ، وتختزل الدين كله الى نوع من السيطرة على المجتمع لفرض الالتزام برؤاهم للدين بقوة السلطة التي سيطرت على الدين عبر التحالف مع مايسمى بالعلماء والجماعات السلفيه .

ومن باب التذكير فقد كان الدعم السخي للجماعات السلفيه واطلاق العنان لنشاطاتها يهدف الى حصار الاخوان المسلمين وتجمع الاصلاح تحديدا ، وليس التيار السياسي الزيدي الذي لم يرتقي حينها الى درجة تشكيل خطر على النظام ، بل تم دعمه بالتزامن مع دعم السلفيين لتكتمل لعبة الاوراق السوداء في الزوايا المظلمة .

عودة الى الاصلاح والتكوين السلفي المسنود بجامعة وعظيه تعبويه غير مؤهلة لانجاز بحث أكاديمي بالحد الادنى لمعايير البحث العلمي ، كان ماحدث : كلما تقدم الخطاب السياسي للاصلاح وزادت وتيرة إلتحامه بقضايا المجتمع الفعلية وإنفتاحه على القوى السياسيه ، والعالم والمجتمع الدولي ،كلما أندفع النظام لتحفيز القوى المتزمته ضده من داخله ومن خارجه ، وسمعنا عضواً نيابياً يهدد زميله في الاصلاح قبل عامين بالخطبة ضده من فوق منبر الجمعة

وقد مثل إذعان القوى المتزمته داخل الاصلاح لرغبات النظام والانخراط في تكتيكاته ، عائقاً لحزب الاصلاح اولاً وعبئاً عليه ، قبل أن تكون الرؤى الجامده والمتطرفه عبئاً على المجتمع وكابحاً لمساره 

********  

يبدو جلياً الآن أن الثورة السلميه الشعبيه كانت الفرصة الأخيرة للتيار السلفي المنضوي في حزب الاصلاح وتحدياً حقيقياً وضعه في مفترق طرق ليخرج من بوتقته وجموده ويخطو الى الأمام . وقد فعل وذهب الزنداني بنفسه وطلابه وجامعته وقضه وقضيضه الى المجرى العام الاكثر وضوحاً للقضيه الوطنيه وإرادة الامه المنتجه لها .

وضعت كل التحفظات المتقادمه إزاء التيار السياسي للاصلاح جانباً، وتم الاقرار بالارادة الشعبية والتسليم بأولويتها . لم يذهب الزنداني وطلاب جامعته الى السبعين للدفاع عن ولي االأمر ، بل انضموا لشعبهم في لحظة العسرة ، المنعطف الاستثنائي الفارق الذي لا يتكرر كل يوم بل تحتاج دوريته الى عشرات السنين. وهذا هو التطور الأهم الذي تتضاءل بجانبه الاخطاء المتوقعه من اعتصام الساحات الذي أمتد لعام كامل . وملخص هذا التحول الذي ينبغي ألا يغفل عنه حزب الإصلاح هو : ان مشاركة التيار الدعوي في الثورة السلميه تعني الإقرار بالنهج السياسي البرجماتي المعتدل لحزب الاصلاح ، ولا ينبغي ان يأخذ أي توهمات عن فرض التيار المذكور نفسه على الاصلاح واليمن كسادن لتطبيق شريعته الخاصة على اليمنيين . لقد نزل شباب جامعة الايمان الى الساحة ، واعتصموا ، واستشهد وا ، وجرحوا ، وصمدوا بجانب اخوانهم اليمنيين من كافة الاتجاهات وبدونها ، من أجل القضيه الوطنيه اليمنيه : الحريه والكرامه والانعتاق من الاستبداد وحكم الفرد والعائلة . ولم يستشهدوا عمياناً بموجب فتوى دينيه فوقيه من " عالم " . وهذا مسار جديد ينبغي تأصيله في التعليم والثقافة الدينيه عن الحرية والاختيار والتفكير كمرتكزات اساسيه في تكوين الفرد المسلم .

التحدي الثاني للاصلاح هو تذويب الكيانات الصغيرة وبناها النافذة المنتميه لمشروعه السياسي في مجرى هذا المشروع الوطني الذي يساهم في توحيد البلد في انتماء جديد يتجاوز المذهب والمنطقة والقبيلة والشطر الى رحاب الرؤى المشتركة والبرنامج السياسي كمعيار للالتقاء والاصطفاف والتنافس مع الاخرين بموجبه ومدى اقترابه من أولويات المجتمع وخيارات أفراده .