المشكلة اليمنية .. ثورة أم أزمة ؟؟
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 9 أيام
الخميس 08 ديسمبر-كانون الأول 2011 10:14 م

شهدت اليمن تطورات هامة ومشكلات متعددة ولّدت غضبة جماهيرية عارمة بلغت ذروتها بالمطالبة بإسقاط رموز النظام الحاكم ممثلة بعائلة الاستبداد والفساد بقيادة المجرم السفاح (علي عبد الله صاح).

وقد اختلفت التوصيفات لهذه الغضبة الشعبية وتعددت الرؤى تجاهها ، وتبعاً لهذا الاختلاف اختلفت الاتجاهات والمواقف الداعمة والمضادة ، واختلفت الطرق والوسائل المستخدمة في إطار الحلول والمعالجات التي تبنّتها مختلف الجهات المباشرة وغير المباشرة في هذه الإشكالية المعقدة ، فالنظام الحاكم ومن يستفيدون منه يسمونها انقلاب على الشرعية الدستورية ويواجهونها بالحديد والنار ، والعالم الخارجي يسميها أزمة سياسية وتعاملوا معها بنفس طويل وفق خطوات مدروسة أتت ثمارها بعد حين ، والمعارضة ومن يؤيدها من جماهير الشعب يسمونها ثورة شعبية وتعاملوا معها بطرق واعية وحكيمة جنبتها الكثير من المزالق والانحدارات التي خُطط لها أن ترتكس فيها .

 وقبل الدخول في تفاصيل هذه المسميات استسمح القراء الأعزاء في العودة إلى الوراء قليلاً لنبدأ من حيث نعتقد بداية هذه المشكلة ، وكما هو معروف فإن أساس مشاكل اليمن ـــــ كغيرها من بلدان العالم ـــــ نابعة من قاعدة التملك في مصير الأرض والإنسان ، وفي اعتقادي أن ظاهرة التملك هذه بدأت منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشطر الشمالي ثم بعد مرحلة استقلال الشطر الجنوبي في 30 نوفمبر 1967م وبعد أن تغيرت الأنظمة في شطري اليمن ـــــ الملكية الإمامية والاستعمار البريطاني ـــــ إلى أنظمة جمهورية وقيادات محلية تدعي خدمة الجماهير والعمل من أجل تحقيق مصالحها ، وهنا بداية المشكلة كما أعتقد ، وما الحروب التي شهدتها شطري اليمن في عامي 1972م و1979م إلاّ مظهر من مظاهرها ، كما أن الخلافات والأزمات السياسية والانقلابات والاغتيالات والحروب الداخلية في كل شطر مظهر آخر من مظاهرها.

ثم جاءت الوحدة اليمنية لتضفي على هذه المظاهر المتأزمة عبر المراحل الشطرية المختلفة ، الصبغة العامة للأزمة على مستوى الإقليم اليمني كله ، الأمر الذي عمّق الجروح وزاد الشروخ والتصدّع في صرح علاقات المجتمع فيما بينه البين ، وذلك انطلاقاً من روح الأنانية التي تسلحت بها الأنظمة الحاكمة في مواجهة جماهير الشعب رغبة في الاستئثار بالسلطة والثروة وهذا بيت القصيد في هذه القضية الشائكة.

وعوداً على بدء فإن التسمية التي نراها لهذه المشكلة أنها ثورة شعبية عارمة ولّدت أزمة سياسية حادة أفقدت الدولة هيبتها وقوتها الداخلية والخارجية ، وعلى اعتبار أن اليمن من الدول ذات الأهمية الكبيرة في التأثير الإقليمي والدولي بحكم الموقع الجغرافي ذو الأهمية الاقتصادية والسياسية التي اكتسبتها على مر العصور ، فقد كان من الطبيعي أن تتحرك الأطراف الإقليمية والدولية لكي تنقذ اليمن من مصيرها المجهول الذي يقودها إليه النظام العائلي الاستبدادي ، وقد تزامن هذا التحرك مع رغبة جامحة لدى رأس النظام في تدويل المشكلة وإعطائها الصبغة الأممية لكي يجد له مبرراً دولياً في هروبه عن حكم بلاد ثارت جماهيرها مطالبة بتسليم السلطة رغم أنف هذا النظام الاستبدادي ، واتخذ من هذا المنحى طريقاً تمكنه من الاحتفاظ بشئ من مساحيق التجميل لكي يستر بها وجهه القبيح الذي تكشف للعالم أجمع عن وحش مفترس أراد افتراس الإنسان بعد أن قضاء على كل مقومات الحياة في الأرض وحوّلها إلى مزرعة خاصة لتسمين عجوله وأبقاره وخيوله التي يركب عليها ويذبح منها ويحتلبها طوال ثلاثة وثلاثين عاماً.

وعلى هذا الأساس تم التعاطي مع هذه الثورة ومخرجاتها ، وكان الانتصار للإرادة الشعبية التي مثلتها ساحات الحرية وميادين التغيير وما نفذته من أنشطة ثورية سلمية ، كما تم الانتصار لهذه الإرادة الثورية بالعمل السياسي الداعم لجهود الثورة والملبي لمتطلباتها الأساسية في القضاء على رأس النظام وعائلته وانتزاع السلطة المغتصبة منذ قترة طويلة ، وذلك عن طريق الإزاحة التدريجية لهذا الكابوس الذي جثم على صدر الوطن والشعب عقود من الزمن.

وبهذا تكون الثورة الشعبية السلمية قد آتت ثمارها وبدأت نتائجها تطل على الوطن والشعب بداءً بتشكيل حكومة الوفاق الوطني مناصفة بين الشعب وقواه الحية من جهة وحزب المؤتمر الشعبي العام من جهة ثانية معلنة بذلك بداية النهاية لحكم العائلة المتسلطة وزوالها إلى غير رجعة ، ولا يفوتني أن أشير إلى أنه يتوجب على من يعتبرون أنفسهم أعضاء في حزب سياسي يسمى (المؤتمر الشعبي العام) أن يقبّلوا تراب الأرض التي احتضنت الثورة والثوار الذين كانوا سبباً في تحريرهم من ربقة الاستبداد العائلي الذي تحكم في مصيرهم عشرات السنين ، وأنه يتوجب عليهم أيضاً التخلي التام عن هذه العائلة الطاغية ، وليكن لهم موقفاً إيجابياً من ممارساتها المشينة ، من القتل والتدمير والتخريب المتعمد للممتلكات العامة التي بدأت تمارسها هذه الأيام والمتمثلة في نهب ومصادرت ممتلكات الوزارات والهيئات الحكومية بعد أن أفلسوا ويئسوا من مواصلة استغلالهم لمقدرات الوطن والشعب ، وهم بذلك إنما يضعون المؤتمر الشعبي العام في مواجهة الشعب عند أول استحقاق انتخابي ، ومما يؤسف له أن يسكت المؤتمر عن هذه الجرائم لا سيما والرئيس بالإنابة من أعلى قيادات المؤتمر وهم شركاء في السلطة الجديدة ، وما هذه الممارسات إلاّ دليل واضح على الغيض والحقد الذي تميزت به هذه العائلة المستبدة ضد الشعب والوطن وكل القوى الفاعلة في الساحة اليمنية بما فيها المؤتمر الشعبي العام.