قاعدة اليمن.. هل تضع حدا لمستقبل الوجود الأمريكي في الخليج؟
بقلم/ عبد الرزاق الجمل
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين
الأربعاء 09 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:53 م

لا يبدو أن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، ومقره اليمن، سيتراجع خطوة واحدة إلى الخلف بعد أن تقدم أميالا إلى الأمام خلال الأشهر الماضية، فالواضح حتى اللحظة أنه يواصل تقدمه، وقد ساعدته الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها البلد، على ذلك، بالإضافة إلى أن التنظيم، كما تقول حروبه، بارع في الاحتفاظ بمكاسبه.

وإذا كان التنظيم قد أثبت، من خلال المواجهات العسكرية الأخيرة، أنه عند مستوى القرار الجريء الذي اتخذه بخصوص تغيير الإستراتيجية العسكرية من أسلوب حرب العصابات إلى أسلوب الحروب التقليدية على طريقة الجيوش النظامية، فسيكون أقدر على الاحتفاظ بمكتسباته.

والإستراتيجية الجديدة لا تلغي القديمة، بل أصبح تنظيم اليمن في ظلها أقدر على إدارة حروب العصابات خارج المناطق التي يسيطر عليها، وهو ما يؤكده مجموع العمليات التي قام بها خلال الأشهر الماضية خارج محافظة أبين التي تقع تحت سيطرته.

وامتلاك التنظيم لمساحات كبيرة من الأرض أتاح له التحرك بحرية أكثر، كما سهل عليه من مهمة الإعداد لعمليات خارج محافظة أبين، مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق، في ظل الإستراتيجية القديمة، إستراتيجية حرب العصابات.

وفي ظل هذا المستجد يصعب التعامل مع التنظيم، فمحاولة تكثيف العمل العسكري ضده تعني المناورة بعمليات من العيار الثقيل خارج ميدان المعركة، لغرض تخفيف الضغط، خصوصا وأنه بات أكثر قدرة من ذي قبل على الوصول إلى حيث يريد وبالشكل الذي يريد.

فحين اشتد القتال ضده في الأسابيع التي تلت سيطرته على محافظة أبين، خفف الضغط عن نفسه بعمل لا يقل في مستواه عن السيطرة على أبين، حين تمكن من السيطرة على عاصمة محافظة لحج القريبة خلال ست ساعات فقط، قبل أن يخرج منها بإرادته، لأنه لم يدخلها ليبقى فيها، بل ليبقى في محافظة أبين.

ولأجل البــــقاء في تلك المحافظــــة، أو إبقائها تحــت سيطرته، سيقوم التنظيم بالكثير من العمل، كما تقول عملياته الأخيرة في مدينة عدن القريبة من أبين، والتي قد تكون هدفا قادما له.

ويساعد التنظيم على القيام بعمليات من هذا النوع، إلى جانب سيطرته على محافظة أبين، أنه محاط بمجموعة من المحافظات التي لا تسيطر عليها حكومة صنعاء أو على معظمها، وكذا قرب تلك المحافظات من محافظات أخرى يتواجد النظام فيها بشكل هش، أي أنه محصن من النظام أكثر مما النظام في صنعاء محصن منه.

وعلى ما يبدو فإن التنظيم لا يفكر حاليا بعمليات داخل العاصمة صنعاء، على خلاف ما كان عليه الحال في السابق، حين كان يرد على استهداف النظام له، بعمليات داخل العاصمة، كرده على ما قام به النظام في وادي عبيدة في محافظة مأرب، بعملية كبيرة استهدفت حافلة ركاب تقل عددا من ضباط جهاز الأمن السياسي بصنعاء، وقُـتل في العملية كثير من الضباط.

وربما لا يريد فرع التنظيم في اليمن، في ظل الثورة الشعبية القائمة، أن يقوم بأي عمل في صنعاء، ليس للاعتبار الذي يعطيه للثورة فقط، ولكن لأن لديه أيضا ما هو أهم من الانشغال بنظام مشغول بأموره الخاصة، وأهم ما يقوم به الآن هو تعزيز وجوده في المناطق التي يمكن أن يعزز وجودها فيها، تحسبا لما قد ينتظره مستقبـلا.

لكن، ومع ما يبدو أنه اقتراب من التوصل إلى حل للأزمة اليمنية، يمكن أن نتساءل عن موقع التنظيم من الإعراب في ظل النظام القادم، خصوصا إذا كان مصير المرحلة الحالية مرتبطا بالخارج الإقليمي والدولي، الذي ربط مصيرها هو الآخر بمخاوفه من تنظيم القاعدة في اليمن، بل إنه يرتب وضع المرحلة القادمة بناء على هذه المخاوف، بعد أن وصل إلى قناعة بضرورة رحيل صالح.

وتعتقد المعارضة اليمنية، وهي حكومة المستقبل البديلة، أن رحيل صالح سيساهم كثيرا في القضاء على القاعدة، لاعتقادها أيضا بأن القاعدة في اليمن مدعومة من نظام صالح، لغرض ابتزاز الخارج ماليا وخصومه سياسيا، وهو الأمر الذي لا تقرأه الولايات المتحدة الأمريكية على هذا النحو تماما، لكنها مضطرة للتعلق بطحلب المعارضة مستقبلا.

وقطعا ستكون الحرب على التنظيم من أولويات النظام القادم، وسيدخلها بثقل الدعم الدولي والإقليمي، لكنه قد يفاجأ بذات النتائج التي كانت تتحقق لنظام صالح في حربه على القاعدة، وربما بما هو أسوأ، لأن التنظيم أسس لوجود لا يمكن كسره بسهولة، كما أن هناك من سيدعم عدم استقرار الوضع للنظام الجديد، ممن يعرفون تفاصيل هذا البلد أكثر من غيرهم، بسبب ما آل إليه أمره على خلفية الثورة الشعبيـة.

لهذا أعتقد جازما أن أمريكا تعيش أزمة غير مسبوقة في قضية قاعدة اليمن، وهو ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى القول إن تنظيم القاعدة في اليمن أخطر منه في أي بلد آخر، حتى في أفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى أن الخيارات المتاحة هي ذات الخيارات التي جربتها أمريكا في بلدان أخرى وفشلت، رغم أن فرص النجاح في تلك البلدان أوفر، مقارنة باليمن، فالاحتلال المباشر لبلد كهذا انتحار، والاعتماد على نظام محلي لن يكون مجديا، فلها تجربتها الخاصة مع نظامي حامد كرازي ونوري المالكي، كما أن اللعب على الورقة الطائفية من خلال تحريك جماعة الحوثي، لن يكون أهدى سبيلا من اللعب على هذه الورقة في العراق، من خلال مليشيات الموت المدعومة من دولة مجاورة.

وهكذا يبدو أمر القاعدة في اليمن كما لو أنه مرتبط بأمور خارج الإرادة البشرية، من خلال التهيئة على أكثر من صعيد، فمن ظروف هذا البلد الراهنة، إلى تضاريسه الصعبة، إلى خصم منهك بأكثر من حرب فاشلة في هذا المجال، إلى أطراف داخلية تصفي حساباتها لحساب التنظيم، إلى قرب هذا البلد من بلد آخر لا يقل عنه من حيث تواجد التنظيم (الصومال)، وقرب هذين البلدين من أهم ممرات الملاحة الدولية 'مضيق باب المندب'.

فهل ستسلم الولايات المتحدة الأمريكية بالأمر الواقع في اليمن قبل أن تضطر للاستسلام له، أم أن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب سيفرض عليها واقعا جديدا في الخليج عندما ينقل معاركه إلى هناك، خصوصا وأن ما قام ويقوم به التنظيم في اليمن، لم يكن أكثر من استعداد لخوض معركة فاصلة هناك، كما تقول أدبياته. ويعتقد التنظيم، من خلال بعض النصوص النبوية التي تتحدث عن خروج جيش من عدن أبين ينصر الله به الدين، أنه أمر كوني حتمي التحقق، وأن هذا الأمر الكوني هو الذي سيتحقق عبره أمر شرعي يدعو إلى إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.

الجدير بالذكر أن أبا مصعب السوري، عمر عبد الحكيم، وهو من كبار منظري التنظيم، ألف كتابا عنوانه 'مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم في الجزيرة العربية'. والكتاب الذي ألف عام 1999م يتحدث عن عوامل كثيرة تؤهل اليمن للقيام بهذه المهمة.

ويبدو أن الثورة الشبابية اليمنية التي تقف على مشارف حسم بمبادرة من مجلس التعاون الخليجي، وقرار من مجلس الأمن الدولي، لن يكون لها تأثير كبير في المرحلة التالية، فالتأثير لمن يفرض نفسه كأمر واقع بقدرات ذاتية.

* القدس العربي