خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
ترى كيف يفكر السلفيون؟ وما هي آليات التفكير لديهم؟ وإلى أين تسير السلفية؟ للإجابة على هذه الأسئلة دعونا ننظر في التالي:
يقوم التفكير السلفي على أساس نظرية الثنائية الحدية، لما تمتاز به من بساطة وبدائية، حيث يقسم الوجود بكل مظاهره وتعقيداته إلى قسمين اثنين، أحدهما صحيح وصائب، والآخر خاطئ وباطل، فالخير يقابله الشر، والصواب يقابله الخطأ، والعدل يقابله الظلم، ومن هذا التقسيم الثنائي الحدي النافي لغنى وتعقيد وتعددية الواقع، انطلقت كل التقسيمات الدينية المعروفة، من دنيا وآخرة، وجنة ونار، وإيمان وكفر، حيث أن نظرية الثنائية الحدية تقوم على الركائز التالية:
1- يقينية مطلقة
2- رفض مبدأ التعددية
3- رفض مبدأ السببية
4- رفض مبدأ النسبية
5- رفض وجود الآخر والمختلف
ومحصلة هذا النمط من التفكير هو رفض الإبداع ورفض التجديد، فالإبداع والتجديد يقوم على معايير السببية، والنسبية، والاعتراف بوجود المختلف، وهذه كلها تتعارض تعارضاً مطلقاً مع المبدأ الأول للتفكير السلفي وهو اليقينية المطلقة، وانطلاقاً من هذا التعارض وجد التيار السلفي نفسه في حالة صدام حاد مع متطلبات العصر المتغيرة والمتطورة، فمتطلبات العصر تضعه دوماً أمام وقائع جديدة، تتطلب منه التفكير واجتراح الحلول خارج إطار نظرية الثنائية الحدية بيقينيتها المطلقة، وعندما يحاول التزحزح عن مواقعه لمواجهة الوقائع والمعطيات المستجدة والمتغيرة، يجد نفسه مقيداً بقيود الموروث، المتمثل في ترسانة النصوص، المفسَرة تاريخياً طبقاً لنظرية الثنائية الحدية بمبدئها اليقيني المطلق، فالسلفي واقع في أدائه وفي حركته بين مطرقة الواقع المتغير والمتطور، وسندان الثنائية الحدية بقيمها اليقينية المطلقة المستمدة من موروث ذي طابع قدسي عصي على التطور والتغيير.
وإذا انطلقنا من النظرية إلى الواقع كي نفهم أداء التيار السلفي في المنطقة عموماً، وفي اليمن تحديداً، نجد أنه لا يخرج في أدائه عن هذين الحدين المتعارضين، ففي حرب عام 1994م والظروف التي سبقتها ولازمتها ساند رموز التيار السلفي سلطة عائلية فاسدة، تحت دعوى طاعة ونصرة ولي الأمر، وقاموا في هذا الإطار بإصدار الفتاوى، وزيارة المعسكرات للتحريض على القتل، في حرب لا هدف لها إلا تمكين نظام عائلي فاسد من إقصاء وتهميش الجميع بمن فيهم السلفيون أنفسهم، دون أن يسألوا أنفسهم عن ما هي النتيجة والمحصلة النهائية لطاعة ونصرة من يسمونه ولياً للأمر، بل إنهم تناسوا هنا النصوص التي تحرم سفك الدماء، وتحرم نهب أموال وممتلكات الناس، لأن تذكر هذه النصوص يستدعي خلق تعارض داخل المنظومة النصية نفسها، وهذا التعارض يستعدي ضرورة التفكير لاجتراح الحلول، والتفكير لا مكان له في عقلية السلفي، القائمة والمبنية على الثنائية الحدية، واليقينية المطلقة. أليست الفلسفة والمنطق قوام التفكير الموضوعي السليم من المحرمات عند السلفيين، فهم يسمون الفلاسفة والمناطقة بالزنادقة، لا لشيء إلا لقدرتهم التأويلية والتفكيكية العالية، التي تعري طبيعة الهرم النصي السلفي وتفضح ثغراته وعوراته، فالسلفيون بحكم تكوينهم الذهني يمقتون المعقول، ويقدسون المنقول.
وينطبق هذا التحليل على أداء السلفية إبان مرحلة الحرب الباردة، حيث وجدت نفسها مجرد ترس مسّير في آلة الحرب الأمريكية والغربية وتحالفاتها الإقليمية، ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، فالحرب في نظر السلفي هي جهاد، والجهاد في نظره هو فريضة، وطاعة من يرى فيهم ولاة الأمور الذين دعوا إلى الجهاد في الرياض، وصنعاء، وغيرهما واجبة، وصحيح أن هناك تعارضاً عقائدياً بين الشيوعية والسلفية، لكن وبصرف النظر عن التعارض العقائدي فالمنطق الذي ينبغي أن يبنى عليه قرار الحرب هو في مصلحة من ستكون نتيجة الحرب، وإلا تصبح المسألة عبثية، والواضح أنهم لم يسألوا أنفسهم مطلقاً، حرب من هذه؟ ولمن ستكون حصيلة ونتيجة ذلك الجهاد؟ لأن السؤال هنا يستدعي التفكير، والتفكير لا مكان له في عقلية السلفي، القائمة على نظرية الثنائية الحدية ذات اليقينية المطلقة، فالسلفي بطبعة طيّع سهل القياد، يخشى الجديد، وينتابه ذعر شديد من التغيير، وذو منزع آني، مرحلي، نفعي في التفكير، فالتفكير الإستراتيجي يحتاج إلى عقلية، وهذه العقلية لا وجود لها في عالم السلفية.
كما ينطبق هذا التحليل على أداء السلفية في تعاملها مع الثورة الحالية التي تشهدها اليمن، فطاعة ولي الأمر واجبة، ولكن ولي الأمر هنا قد وصل إلى طريق مسدود، وأصبح مرفوضاً من قبل الجميع، ولكن الإطاحة به قد تِؤدي وتقود إلى التغيير، والتغيير قد يصطحب معه بالضرورة ما يمس بثوابت السلفية ذات اليقينيات المطلقة، وعليه فإن الحل بالنسبة لهم يمكن في الإحلال وليس في التغيير، بمعنى إحلال طاغية بطاغية آخر يسمونه ولياً للأمر، الإشكالية هنا أن ولي الأمر بالنسبة للسلفي يتجسد في فرد أو شخص وليس في نظام أو مؤسسة، والسلفية لا تستطيع أن تجدد فكرها بالإقدام على تغيير مفهوم ولي الأمر، لأن النظام أو المؤسسة وعاء جامع للجميع، وهذا الوعاء الجمعي سيفضي بالضرورة إلى دولة مدنية ذات مرجعية شعبية، وقيد الموروث اليقيني المطلق لا يسمح للسلفي بإحداث هذه النقلة التي تحل النظام محل الشخص والمؤسسة محل الفرد، ففي نظام الجمع والكل سيجد السلفي نفسه وقد أصبح واحداً من كل، وبالتالي سيضطر إلى الاعتراف بوجود الآخر، والدخول معه في مفاوضات ومساومات تؤدي إلى اجتراح تشريع، أو خلق حلول توافقية تعبر عن مصالح الجميع، وهذه المصالح المتوافق عليها والمعبرة عن مشارب شتى لن تتوافق دائماً مع الترسانة النصية للموروث السلفي ذات اليقينية المطلقة في نظر أتباعها، ولذا فإن عقلية السلفي هي عقلية إحلالية، ولا تقوى بحكم تركيبها أن تكون عقلية تغييرية أو إبداعية، فهي تسعى إلى إحلال فرد بآخر مع بقاء الوضع على ما هو عليه، بل إن طلاب التغيير الناجز هنا يصبحون في نظر السلفي محل مغايرة وتكفير مبطن، كون السلفي هنا يخلط بين النص وبين فهمه وتفسيره هو للنص، ويخلط بين الدين وبين ذاته، إذ يتماهى هنا الكل في شخصه، فيصبح هو المرجعية، وبالتالي هو الدين وهو النص ذاته، ومن ينتقده أو يخالفه في الرأي إنما ينتقد الدين والنص ذاته، وهو بذلك يرى في هذا المعارض أنه يستحق النفي من الوجود، وهنا تتجسد العقلية المغلقة بكل معانيها.
كما يبرهن على صحة هذا التحليل قائمة المحرمات لدى السلفي وترتيب أولوياتها، فالرقص والغناء وسماع الموسيقى تعتبر على رأس قائمة المحرمات، بينما تعتبر الحروب بكل ما يصاحبها من سفك للدماء وتشريد للناس في ذيل تلك القائمة، إن لم تكن محرمة لديهم أصلاً، وتعتبر الحدود كقطع يد السارق أو الجلد أو الرجم ذات أولوية مطلقة، بينما الحاكم الذي يسرق ويجوَّع شعباً بأكمله يعتبر في نظرهم ولياً للأمر تجب طاعته والامتثال لأوامره، إن عقلية السلفي البسيطة والمغلقة والمحدودة لا ترى في كل هذا الخلط والتناقض ما يستدعي التفكير، لأن هذه العقلية لا تقوم ولا تنهض على التفكير من حيث الأساس، فالتفكير يعني استدعاء السببية، والسببية تتعارض تعارضاً مطلقاً عندهم مع الركيزة الأساسية للعقلية السلفية وهي اليقينية القطعية المطلقة.
إن السلفية بسبب عدم قدرتها على مجارات الواقع والتعامل معه قد تجاوزها الواقع وانحسرت في معظم أقطار المنطقة، وإن بقي لها صولة في دول مثل السعودية، واليمن، وأفغانستان، والصومال، فهذه الصولة مؤقتة دون أدنى شك، فمصيرها إلى زوال، وعالم اليوم يشهد مصارعها في أكثر من قطر وأكثر من مكان، ولا أتوقع أن يطول بها المقام كثيراً، رغم أنها ستظل مصدر خطر وعامل إعاقة لبعض الوقت، كما لا أتوقع أن يستيقظ أقطابها ورموزها من غفلتهم، ويعملوا على تجديدها، فباب الاجتهاد عندهم مغلق، وإحدى ثوابتهم هي أنه لا اجتهاد مع النص، في حين أن النص يحتاج دوماً إلى تفسير وإعادة تفسير وتأويل، حتى يتواءم مع الواقع المتغير، وبالتالي فإن الاجتهاد يكون مع النص ومع غياب النص، فالسلفية غير قابلة للتجديد من حيث الأساس، وتجديدها يعني الخروج عن ثوابتها ومقدساتها ومن ثم وضع نهاية لها.
*عن صحيفة «الوسط» اليمنية, 27/7/2011.