عدن الوفية
بقلم/ فارس جمال اللحجي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 30 يوماً
الإثنين 25 إبريل-نيسان 2011 06:51 م

22 مايو 1990 قامت الوحدة اليمنية المباركة، هذا ماتعلمته في حصة التربية الوطنية في المدرسة الأساسية ،ومازال جزء من ذاكرتي كطفل يحمل صوري مع أهلي في حديقة الثورة عام 1992م كأول زيارة لعائلتي للعاصمة صنعاء بدون الحاجة إلى تاشيرة دخول أو ماشبه ذلك، والجزء الآخر تعجّ فيه ذكريات عشتها تحت مدافع حرب 1994م وعلى صوت بكاء أمي ليلاً خوفاً من آلة الحرب وصلاتها المتواصلة نهاراً لعودة والدي سالماً الذي كان حينها مسوؤلاً عن توليد الطاقة الكهربائية لجزء كبير من اليمن "الجنوبي". ويوم اشتدّ عطش أهل عدن وعلى صوت الإذاعة: " وصلت القوات الشمالية إلى حدود عدن" وبدأ حينها الحصار وقطع الماء لمدة ثلاثة أيام كان لنا فيها ماء البحر خير بديل عن الماء العذب الذي هو أبسط حقوق الانسان. فتشمّت فينا الغرب ووجه الأمين العام للأمم المتّحدة بطرس بطرس غالي نداء للإخوان "غير الأشقاء" بالتوقف عن الاقتتال وإمداد أهل عدن بالماء والدواء.

يسعدني بأني من أبناء عدن ومن مواليد 1989 بنفس الوقت، فقبل ذلك عاشت تلك المدينة مجازر دموية يشهد لها التاريخ بخزي، ويشير لها أهل عدن بفخر بأنهم لم يجتروا وراءها، ويتحاشى كبار السن أن يقصوا علينا ذلك التاريخ الأسود خوفا من تعبئة عقولنا بدموية حروب السلطة التي يروح ضحيتها رجال أوفياء ومواطنين أبرياء ولا تزيد بعدها عدن الا شيباً وهرما يشوّه جمالها الرباني.

من أجل ذلك لاأتحمل أبداً النقد اللاذع لساحات التغير في عدن، فساحة توصف بالخالية وساحة توصف بالانفصالية وساحة توصف بالماجنة أخلاقياً. على المتحدث عن عدن أن لا ينسى بأنها كانت إحدى أهم العواصم الإشتراكية في العالم وكانت مزار كبار الساسة في العالم ولها مفاصل مصممة بدهاء عسكري تفصل مديرياتها عن بعضها. دعونا نتكلم عن جفرافية عدن وسبب تأخر تكوّن ساحة موحدة لأهل عدن؛ كريتر التي لها منفذين الأول في العقبة وعرضه أقل من 10 متر والآخر أمام عدن مول وعرضه يقل عن 20 متر يستطيع الأمن إغلاقها بغضون ثواني، المعلا والتواهي يستطيع الأمن عزلها عن بقية عدن بواسطة قطع طريق الدكة ، وأما الجزء الآخر في المنصورة والبريقة تربطهم طرق صحرواية اكتسب جند المعسكرات المحيطة بعدن خبرة عالية بقطعها بسبب مظاهرات الحراك الجنوبي المندلعة منذ 2007، وساحة العروض في خورمكسر التي هي هدف ابناء عدن يحيط بها من جهة مدافع معسكر بدر ومن الجهة الأخرى رشاشات مقر الأمن العام وشرطة النجدة.

التنوع الفكري والسياسي بعدن- مابين اليسار "الإشتراكي" واليمين "الإخوان المسلمين" وبروز الحراك الجنوبي صاحب القضية الأكثر تاثيراً بأهل الجنوب- لعب دور سلبي على عدد الحضور، فجزء كبير من أهل عدن مازالوا ينفرون عن الساحات بحجة وجود الإخوان المسلمين"الإصلاح" الذي يتهمهم أبناء عدن بأنهم أصحاب فتوى حرب 1994م وشريك علي صالح بجرب "الإنقلاب على الوحدة"، وآخرون يبرّرون عدم مشاركتهم في الساحات بسبب دخول الإشتراكي صاحب التاريخ الدموي والمتهم بفشله بالقيام بوحدة عادلة تضمن لأهل الجنوب الكرامة وفشله بتحريرهم من المنقلبين على الوحدة 90 وفشلهم في المعارضة، وماتبقى من الناس يشمئزون من وجود الحراك صاحب الطابع الحقوقي مرة والمنادي بالإنفصال مرة اخرى.

خوف أبناء عدن من تكرّر سيناريو حرب 1994م جعل لهم تصرفات غريبة ومخزية لما تعرف عنهم من قبل؛ بسط الأراضي وشراء السلاح و نهب بعض المقار الحكومية، فمازال الكثيرون يتذكرون بعض متنفذي الشمال وهم يتقاسمون أراضي أهل عدن بالمتر وأهلها يتابعون بكل خوف وذل فلم يكن لهم من السلاح كما كان لإخوتهم في الشمال ولم يكونوا مستوعيبين بأن طقم معسكر بدر يتم إيجاره بوساطة و 800 ريال ليشكل لمستأجره بساط قانوني للبسط ونزع البيوت ونهب ماتشتهي له نفسه.

الوحدة اليمنية أقامها أهل اليمن كافة وأعلنت في عدن، لايحق لزعيم نسب الوحدة له، فقد كان علي سالم البيض الخائن الأول للوحدة في عام 1994 وحكم عليه بالإعدام ثم كان مصيره النفي، والآن علي صالح قد خان الوحدة من بعده لكن خيانة من العيار الثقيل تسجل له في تاريخه الأسود وسوف يحكم عليه شعبه بأقصى العقوبات.

الأخوة في كل أرباع شمال اليمن إخوانكم في الجنوب إلى جانبكم فقد قدموا من قبل الأرض والوطن وتنازلوا عن عاصمتهم ودولتهم من أجل الوحدة اليمنية لكن منذ 2007 وهم يقاوموا تسليم الوحدة لعلي وعائلته، ومرة أخرى في أيام ثورتنا المباركة ينزل أهل الجنوب كل أعلام الانفصال لكي نتوحد وحدة "ترضي الله". فالإعتراف بقضية الجنوب هي مدخل أساسي لقيام دولة يمنية مدنية موحدة.