بوادر أزمة سياسية بين السلطة والمشترك
بقلم/ عادل أمين
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 10 أيام
الثلاثاء 18 مارس - آذار 2008 11:03 م

لم يكن المشترك بعيداً عما يحدث من حراك سياسي في المحافظات الجنوبية ،ولم يكن موقفه سلبياً تجاه مطالب حركة الاحتجاجات الشعبية بقيادة جمعيات المتقاعدين, حتى لقد نشأ ما يمكن تسميته بالتحالف السياسي الشعبي بين المشترك وحركة الاحتجاجات الجنوبية ، وقام بينهما تنسيق مشترك في كثير من الفعاليات ، وخلال العام 2007م نظم اللقاء المشترك أكثر من خمسين فعالية جماهيرية كان معظهما في المحافظات الجنوبية ،فلماذا فشل مؤخرا في أقامة مهرجانه الأخير في محافظة الضالع( الخميس 6/3)؟.

يمكن القول ابتداء بأن أول افتراق (وليس صدام) حصل بين المشترك والمتقاعدين كان أثناء تلك التظاهرة الشعبية غير المسبوقة في 10/12/2007م والتي شارك فيها الآلاف من النشطاء والمعارضين والمتقاعدين في تشييع جنازة قتلى منصة الحبيلين في مدينة الحوطه (لحج)،وهم أربعة شهداء سقطوا برصاص قوات الأمن يوم 13/أكتوبر 2007م أثناء احتفال جمعيات المتقاعدين بذكري ثورة 14أكتوبر ،وكانت جنازة أولئك الشهداء قد شهدت أكبر تظاهرة جماهيرية عرفتها المحافظات الجنوبية منذ أنظلاق فعاليات المتقاعدين أواخر مارس من العام نفسه .

ذلك الحشد الهائل من المتظاهرين (المشيعين )أغرى البعض لأن يرفع شعارات ضد المشترك من قبيل يانوبه يا باعوم لامشترك بعد اليوم . ولم يتأخر النوبة في استثمار المشهد وذهب يحذر الجماهير ممن يحاولون ركوب الموجه حد زعمه، ووصف ذلك المهرجان والحشد الذي لم تشهد مثله المحافظات الجنوبية من قبل بأنه استفتاء ضد الوحدة.

(1)

من المسلم به أن هناك جناح متطرف في قيادة الحراك الشعبي الجنوبي يرفض صراحة وجود المشترك في فعاليات المتقاعدين وأنشطة هيئات التسامح والتصالح ، ولكن ماحصل في مهرجان المشترك بمدينة الضالع الخميس (6/3) من إفشال للمهرجان وافتعال أعمال شغب في محاوله لجر الجماهير المحتشدة إلى مواجهات وصدامات بقصد صرف مثل هذه الفعاليات عن أهدافها وتحويلها إلى ساحات عنف وصراعات دامية كمقد مة لزرع بذور الفتنة والاقتتال بين أبناء البلد الواحد,هذا الذي حدث ـ وهو متوقع حدوثه ـ لايمكن فهمه بعيداً عن مؤشرات وبدايات تلك الأزمة القائمة اليوم بين السلطة الحاكمة وأحزاب اللقاء المشترك .

الأزمة التي نشبت بين الجانبين وظلت تتفاعل وتتسع منذ توقف جولات الحوار بينهما وصلت إلى ذروتها في خطاب رئيس الجمهورية في مهرجان الحسينية في مدينه الحديدة السبت 8/3/2008م والذي اتهم فيه المعارضة - تعريضاً – بالإرهاب, وأن وصولهم إلى الحكم معناه أن ُيفرض على البلاد حصار كماهو حاصل اليوم في السودان, أوان تتحول البلاد إلى صومال أخرى, أوعراق أوأفغانستان, وهي مقارنات درج الرئيس صالح على استخدامها منذ انتخابات سبتمبر 2006م حيث صار يحلو له عقد مقارنات بين نظام حكمه والمعارضة, وتصوير خصومة السياسيين بأنهم الوجه الأخر للإرهاب, وأن مجيئهم إلى السلطة معناه ضياع الأمن والاستقرار, ودخول البلاد في حرب أهلية ومحاصرتها خارجيا, وسخر الرئيس صالح من معارضيه وقال بأنهم لايعرفون في السياسة ولا في الإدارة, وأنهم يوهمون أنفسهم بان يكونوا البد يل القادم في حين أن هذا البديل سيكون الاسوأء مما هو موجود .

  (2)

وبالطبع فإن بوادر الأزمة وخيوطها بدأت في الاشتغال قبل خطاب الرئيس آنف الذكر ، وذلك حينما أعلنت أحزاب اللقاء المشترك بأن القضية الجنوبية هي بوابة الإصلاح الشامل في البلاد ، الأمر الذي عده المؤتمر اصطفاف للمشترك إلى جانب دعاة القضية الجنوبية ، وهي قضية لايعترف الحزب الحاكم بها ولا بالمحتشدين ورائها ، أضف إلى ذلك فقد وصل المشترك مؤخراً إلى نتيجة حاسمة بشأن حوارته مع المؤتمر فحواها أن استمرار تلك الحوارات على ذلك النهج الذي ظل الحزب الحاكم يتبعه طوال الفترة الماضية هو بمثابة جريمة كبري بحق الشعب ،وقال الناطق باسم اللقاء المشترك : لم يعد هناك حوار مع المؤتمر بعدما قضى على الحوار بإساءاته وخروجه عن الوثائق التي وقع عليها ، واختراعه لقضايا جديدة،وفي السياق نفسه قال أمين عام الحزب الاشتراكي إن المشترك وهو صاحب الدعوة المستمرة إلى الحوار يجد نفسه غير مستعد للمشاركة في ثرثرة من هذا النوع .

وكان من نتائج ذلك أن ذهب المؤتمر ُيلوح بتأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة ،وهو مادفع بالمشترك إلى التهديد بقاطعتها, وعلى مايبدوا فإن اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس بقيادات المشترك زاد الهوة بين الجانبين وعمق الأزمة بينهما, الأمر الذي دفع بالرئيس إلى إطلاق تلك التصريحات النارية ضد المشترك .

و يمكن القول هنا أن حديث الرئيس عن البديل الاسوا وجهل المعارضة بالسياسة وإدارة الدولة ُينبئ عن تخوفه من إمكانية حدوث تحول في الموقف الخارجي (الأمريكي والأوروبي) لصالح المشترك واعتباره البديل الأنسب لنظام الحكم القائم.

 (3)

نعود الأن إلى مهرجان الضالع الذي أفشلته عناصر محسوبة على تيار المتقاعدين والعاطلين, ومن خلال التصريحات الأخيرة التي أطلقها الناشط السياسي أحمد ين فريد لصحيفة الأيام (9/3)والتي قال فيها إن الجماهير التي جاءت إلى المهرجان قد أتت في الأساس تلبية لنداء الجنوب الوطن الهوية والتاريخ ،ولم تأت تلبية لأي نداء أخر يحاول الالتفاف على هذه القضية ، وأشار إلى محاولات المشترك الانحراف بإرادة الجماهير عن مسارها ، وقال إننا ضد استغلال تعب وعناء الآخرين ،وأن ابن الجنوب كان دائما وعن حسن نية يُجَير لصالح الغير.

تلك التصريحات ُيشتَم منها وقوف الجناح المتطرف في الحراك الجنوبي وراء إفشال مهرجان المشترك بذريعة أن هذا الأخير كان قد فشل في امتلاك الشارع وتحريكه, وأنه تأخر عن اللحاق بركب الحركة الاحتجاجية, وأنه لم يكن يعترف أصلاً بالقضية الجنوبية ،لكنه بدا في ركوب موجة المتقاعدين عندما إنطلق هذا الحراك.

 والحقيقة أن المشترك يدفع اليوم من علاقته بالسلطة ثمن وقوفه إلى جانب المطالب الحقوقية والسياسية لأبناء الجنوب بعدما رفع القضية الجنوبية كبوابة لحل الأزمة الوطنية في البلاد.

ومايمكن أن نخلص به هنا هو أن السلطة تمكنت بطريقتها الخاصة من إختراق وتوظيف ذلك الجناح المتطرف في قيادة الحراك الجنوبي لخدمة مصالحها ودعم المشاريع الصغيرة التي تستطيع هي وبكل سهولة وأدها وإخمادها ،لكنها تحاول أولاً توظيفها واستغلالها لإجهاض المشروع الوطني لأحزاب اللقاء المشترك ومن ثم ستلتفت بعدها لتلك المشاريع الصغيرة التي يجري تهيئة الساحة لها بمثل تلك الشخصيات وتلك الممارسات, وسواً كان ذلك الجناح المتطرف ومؤيدوه على دراية (أوتنسيق )مع الجهات المستفيدة أولم يكن كذلك فإنه يخدم من حيث يشعر أولا يشعر مصالح النظام الفاسد.

 (4)

السلطة اليوم تحاول معاقبة المشترك وإفشال مشاريعه في ساحة الحراك الشعبي الذي يقوده،وهي أكبر جريمة ترتكبها بحق هذا الشعب ،فالمشترك هو بمثابة الجدار العازل والسد المنيع الذي يقف حائلاً أمام طموحات دعاة الانفصال ،فيما السلطة تريد تحطيم ذلك الجدار ليمرمن فوقه دعاة المشاريع الصغيرة, حينها تصرخ السلطة الوحدة أو الموت, في الوقت الذي يعمل المشترك جاهدا للحيلولة دون الوصول إلى تلك النقطة التي ستكون نقطة اللاعودة فيما وصلنا إليها.

مايحدث الآن هو محاولات مدروسة من قبل السلطة تهدف إلى حرف مسار الحراك الشعبي الجنوبي باتجاه إقصاء المشترك وتنحيته عن قيادة الجماهير وإفراغ الساحة الجنوبية منه واستبداله بتلك القيادات الأكثر تطرفا والتي باتت تعلن بوضوح عن رغبتها بالاستقلال وحق إعلان المصير .

وبمعنى أكثر وضوحا فإن السلطة تحاول إدارة صراع في الشارع الجنوبي بين جمهور المشترك وجمهور المتقاعدين للتخلص منهما معا ، فقد وجدت أن التقارب الحاصل بينهما وتحالفهما في مواجهة تعنت السلطة وبطشها وفسادها لايخدم بحال مصالح هذه السلطة التي باتت وشيكة الانهيار بحسب كل التقارير الدولية .

وعندما يحدث الافتراق في الشارع الجنوبي بين جمهور المشترك وجمهور حركة الاحتجاجات الشعبية بقيادة المتقاعدين ساعتها نستطيع القول بأن أولى خطوات إجهاض المشروع الوطني وإفراغ الحركة الشعبية المطلبية من مضامينها قد بدأت بالفعل, وهو ماسوف يزيد من عمر السلطة لفترة أطول ،ومالم يحذر المتقاعدون من هذا الأمر ويعملوا على الالتحام بجماهير المشترك لتوحيد الهدف وضبط حركة السير فإن نضالهم سينتهي إلى لاشئ