السلفيون... هزمتهم النساء
بقلم/ منى صفوان
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 23 يوماً
الأحد 01 مايو 2011 07:01 م

العلاقة بين المرأة والسلفي، علاقة مركبة، فهي معركته، وسلاحه، وهي سر عقدته السياسية، وعقيدته الاجتماعية. وان تمردت عليه، فقد تأثيره، ومعركته.

و التيار السلفي يحمل مظلتين يحتمي بهما، مظلة السياسية "حزب الإصلاح"، ومظلة الدين "الإسلام" وبهذا يروج لفكرة أنهم مطبقي الشريعة.

وإن تم نزع المظلتين، بغطاء نسائي، من داخل الاصلاح، ومن داخل الدين، فهذا سيعني، أن التيار المتطرف الذي زاول نشاطه التاريخي منذ وقبل احرق كتب ابن رشد، والى زمن التكفير لأي صوت مخالف، سيعود لحجمه الطبيعي، وستعود للنساء حقوقهن المغيبة.

ولكن، لا يمكن أن ينتهي، لأنه لا توجد حركة تحديث دون حركة مضادة، وإلا لما كان هناك نهضة مسرحية ومتطرفون انجليز، على أبواب مسرح شكسبير يحثون الناس على عدم ارتكاب المعاصي بالدخول للعرض "لان الفن حرام". وان كان لهذا التيار تأثير لما استمر المسرح وأنتج كل هذه الفنون.

إذا، هذا التيار التاريخي المتأصل ضعيف، إن ترك منفردا، وهذا يفسر لما حمل مظلة الدين، وفي نسخته الإسلامية، وفي اليمنية، يفسر لما حمل مظلة حزب سياسي "الإصلاح".

ولإضعافه، يجب تجريده من مظلتيه، لأننا مقبلون على فرصة جديدة لبناء المدنية. ونحتاج لهزيمته في عقر داره، أي سياسيا ودينيا..

1- سياسيا

حزب الإصلاح ليس هو التيار السلفي، والأخير احد مكوناته، وهناك مكونات أخرى تسير بهذا الحزب لطريق الحزب السياسي- المدني، وليس كحزب ديني، لأنه لا معنى لوجود حزب إسلامي في بلد مسلم، فكل الأحزاب إسلامية، حتى لو كانت يسارية.

ومكونات الإصلاح الأخرى لا تتفق ووجهة النظر الدينية المتطرفة، نتحدث عن التيار القبلي، الاخواني، والليبرالي، وهو الذي يقول مثلا بجواز ولاية المرأة لرئاسة الجمهورية لأنها وظيفة عامة.

مفكري وباحثي هذا الركن الإصلاحي، يقوضون الأساس الذي يحتمي به السلفيون، فلا يستطيعون الاستعانة بالإصلاح سياسيا، وهذا الاختلاف الفكري يفسر لماذا في كل انتخابات يقف التيار السلفي مع الرئيس، بينما يكون الإصلاح كله معارضا. فطبيعي أن تتحالف كلا السلطتين الاستبداديتين في معركة سياسية واحدة.

وحين تخرج من الاصلاح نساء يشاركن في الحياة العامة، ويقدنها، ويحظين بشعبية العامة، فان هذا يكتم أنفاس المتشددين، خاصة حين يظهرن للعامة متعمدات خلع النقاب كاشفات للوجه.

هذا من داخل الحزب، فماذا عن خارجه؟

في الخارج هناك قوة عظمى تتحرك بهدوء اسمها "القاعدة الشعبية" التي ترتكز على النساء، وهنا يظهر أي تأثير أقوى لأركان الاصلاح في الشارع.

فبين صفوف تتسم بالعفوية والعاطفة، تكون الأكثرية للنساء العاديات، اللواتي احترمن الفتوى الدينية، ولكنهن هذه المرة لم يستشرن الشيوخ للخروج، مما يؤكد أن المجتمع اليمني لا يتقبل فكرة الوصاية الدينية، ولا يمكن أن يزايد احد عليه دينيا، لأنه متدين بطبيعته، فجاءت الفتوى بعد خروج النساء مؤيدة لخروجهن، واعتبرته فرض واجب، وليس هذا اعترف بأهمية المشاركة النسائية، بل جاء حتى لا تخسر الفتوى موقعها، فتبعت الشارع هذه المرة لتجد لها مكانا ولا يتم نسيانها.

أي أن النساء في الثورة قدن هذا التيار وليس العكس، و أيضا خلال هذه الفترة لم يسمع تأثير القوى النسائية السلفية في الشارع، الذي أظهر ترحيبا بالأصوات النسائية الإصلاحية "المنفتحة"، وهنا ظهر الشارع اليمني بسواده الأعظم متشحا السواد، يهتف وراء نساء لا ينتمين في معظمهن للإصلاح، والإصلاحيات منهن لا ينتمين للتيار السلفي، فقفز سؤال عن حقيقة تواجده وتأثيره السياسي؟

إن الساحة جلها منقبات، إلا أنهن مشاركات في كل اللجان ومتفاعلات مع النشاط العام، ومن على المنصة يهتفن لتهتف ورائهن الساحة ولم يعد صوتهن عورة، إنهن يمنيات عاديات، ربات بيوت، طالبات مدارس وجامعات ، مدرسات وطبيبات، لم يسبق لهن المشاركة في أي نشاط عام، ولسن منتميات لأحزاب سياسية، ولكنهن يشاركن في أهم حدث سياسي، ولا يستطيع المتشددون إعادتهن للبيوت.

2- دينيا

معالم سلطتهم الدينية، تقول أنهم أصحاب الأمر و النهي، دون شريك، هذه هي "الديكتاتورية الدينية"، التي يخشى منها، ونخشاها جميعا حتى الإصلاحيين، والحل لن يكون إلا دينيا، ونزع المظلة الثانية، بتطبيق تعاليم الدين.

لان الإسلام هو دين مدني -علماني. و ليس دين استبدادي، فلم ولن يجبر احد على الدخول فيه، ولم يقصي الأقليات أو المخالفين، أو حتى اللادينين.

الأساس في الإسلام المساواة، وتعاليم الدولة التي أقامها الرسول في يثرب كانت تعاليم مدنية، تثبت علمانية الإسلام، ولم تكن الدولة في يثرب دينية –سلطوية. أي أن التيار السلفي منشق عن الدين.

إذا.. إسلامية يعني مدنية، ومدنية يعني إسلامية، ويجب أن نعترف إن عدم إدراكنا لحقيقة الإسلام، ونظرنا إليه على انه متخلف، هو ما قوى هذه القوى المتشددة، وجلعها تلتقط هذه العصا لتضربنا بها، و تحمل مظلة الدين لتخفي حقيقتها الديكتاتورية- الاقصائية.

فالدولة التي نطمح لها لا تفرق بين مسلم ويهودي، أو بين من لا يؤمن بأي ديانة، والمسلم المؤمن، فلا تنتزع حق المواطنة لأي سبب، ولا تفرق بين الطوائف الدينية ولا المذاهب ، ولا تقصي الخصوم السياسيين، ولا تهمش الأقليات، ويكون للمرأة شان أعلى، وتسهم في التنوع والإثراء الثقافي ودعم الفنون، فلا نستغرب إن عرفنا أن التاريخ الإسلامي لم يرو بعد. وان الأحكام الإسلامية لم نعرفها بعد.

إن الدولة المدنية حق لنا ، لأننا بلد إسلامي، ليس في هذا تعميم للنموذج التركي، بل أن الأتراك فهمو القصة، أو ربما فهمو الدين، ربما العلة بنا نحن العرب.. لأننا نعطي للمورث الشعبي، قيمة أعلى من العقل، فلم نفرق بين العادة والعبادة.

إذا.............

هزمت النساء العاديات، التيار المتشدد بكل عفوية، وبكل نعومة، وبدون مواجهة صريحة، حين خرجن للمشاركة بغير قصد سياسي، وكان هدفهن اجتماعي، وجاءت بهن عواطفهن وحماسهن، فساهمن بما يقوم به الليبراليون منذ سنوات في داخل الاصلاح وخارجه، وأصبحت الثورة بهن ليبرالية.... وأعادت الساحة اعتبار المرأة اليمنية وكرامتها.. ...

لقد كان الرهان على العامة رهان سعى لكسبه التيار السلفي، وبالعامة تم إقصاؤهم.