من الوفاق إلى الفراق.. الرئيس والإصلاح من خسر الآخر؟
بقلم/ الأهالي
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر
الأربعاء 23 يناير-كانون الثاني 2008 07:53 م

تختزل الحقبة التاريخية التي قضاها الرئيس على عبدالله صالح في الحكم طيلة ثلاثة عقود الماضية، الكثير من المواق ف المثيرة والتجاذب السياسي الذي لا يخلو من الطرافة، وبالذات في علاقاته الاستثنائية والمتميزة والاستراتيجية والطارئة والفاترة التي قضاها مع التيارات الوطنية وعلى رأسها الحركة الإسلامية قبل الوحدة والتجمع اليمني للإصلاح بعد الوحدة والتي نالها الكثير من هذه السياسة في إدارة علاقة نظام على عبد الله صالح والتي من إيجابيتها تجاوزها للتجارب العربية القاتمة في علاقة الحركات الإسلامية مع الأنظمة العربية والتي اتسمت بالصراع الدموي والتصدع والتآمر.. الأمر الذي يدعونا إلى التوقف مليا أمام هذه العلاقة الشائكة والمعقدة في فهم تجلياتها خاصة وأن الحركة الإسلامية لم تبدأ تدوين تاريخها بشكل جدي يعكس صيرورة نضالها الطويل وكل ما كتب لا يعد سوى انطباعات شخصية وإشارات لا تكفي الباحث استلهام حيثيات تلكم العلاقة الفريدة والمتباينة والتي تختزل سيناريوهات متعددة تقود إلى سيل من التساؤل المثير..

فمن صنع هذه العلاقة؟ ومن الذي استفاد منها: الرئيس أم الحركة الإسلامية؟ هل الإصلاح فعلا تسبب في إطالة عمر هذا النظام لوقوفه إلى جواره في كل محاولات وتحديات الإجهاض التي تعرض لها نظام على عبد الله صالح؟ وبصورة أوضح هل فعلا كان من مصلحة الحركة الإسلامية تثبيت كرسي الرئاسة لعلي عبد الله صالح في كل مرحلة تعرض لها لهزات اتسمت بعضها بالعنف وهددته بالزوال؟ وهل كان صالح قادراً على البقاء في الحكم هذه المدة الطويلة لولا تدخل الحركة الإسلامية إلى جواره في كل المنعطفات الحرجة؟ تلكم العلاقة الدافئة هل ارتفعت سخونتها اليوم لدرجة بالغة الخطورة؟ والنكايات التي تلحق اليوم بالإصلاح ومحاولة تقليصه في الساحة والذي بدأ التخطيط لها منذ انتهاء حرب صيف 94م، هل هي علامة ارتفاع مؤشر الخطر في ارتفاع درجة حرارة هده العلاقة؟ وهل يحس الرئيس ببداية الخطر نتيجة تزعزع هذه العلاقة خاصة وأنه كان على مدار بقائه في السلطة يتكئ على الإصلاح كنخبة وكقاعدة اجتماعية وشعبية يركن إليها كلما اهتز كرسي الرئاسة!؟ وأي بديل اختاره الرئيس عن الإصلاح كحليف بعد تعاظم المتهافتين على السلطة المهددة اليوم من الحاشية والأتباع وحتى الأقارب ومن داخل الحزب الذي يمثلها؟

هذه التساؤلات بحاجة إلى أن يجيب عليها المتابعون والمقربون من الرئيس والإصلاح للخروج برؤية واضحة إزاء كل هذه الاعتمالات على الساحة الوطنية؟

لاشك أن الحركة الإسلامية استفادت -من جانبها- من عدم وجود نزعة دموية لدى الرئيس وبالتالي تمكنت من بلوغ مراحل متقدمة في تقديم نفسها كحزب سياسي له برامجه وأفكاره وأهدافه المعلنة التي تتسم بالعقلانية والوسطية والاعتدال.. والسؤال الذي لم يسأل حتى الآن بصورة علنية: هل فعلا استفاد الطرفان من هذه الأجواء الدافئة التي عاشوا في ظلها؟ وهل ندمت الحركة الإسلامية على علاقتها بنظام الرئيس الذي اتسم دوما بخلط الأوراق والتنصلات والتبييت وتحين الفرص لوأد منافسيه وإقصائهم بطرق سياسية ودبلوماسية حتى ولو كان يعلن ويشيد بتجربته ويشيد ببعض رموزه فيما يوعز لحاشيته وأركان نظامه بإقصائهم وتجاوزهم سرا على غير ما يعلنه من مواقف!؟ وتصلب الإصلاح في السنوات الأخيرة بعدم مداهنة الرئيس والسكوت عن سياسته التي بات يخشاها الإصلاح بصورة جدية بعد أن ابتلع الإصلاح الكثير من الغصص في سبيل الحفاظ على مكتسبات الوطن مضحيا باستحقاقاته الحزبية، والتي تكاد تنهي كل أواصر التقارب بين النظام الحاكم والحركة خاصة بعد وفاة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي كان يمثل عاملاً مهماً في التوازن والحفاظ على العلاقة التقليدية بين النظام الحاكم والحركة الإسلامية، ويحسب له تأجيل نشوب خلافات جادة في أكثر من مرحلة بينهما في تلطيف الأجواء بمواقف وتصريحات تعمل على تهدئة النفوس وخواطر الجهتين..

واليوم وبعد مرور ما يقارب ثلاثة عقود على هذه العلاقة التي اختزلت في سفرها العديد من المواقف المثيرة للإعجاب والتعجب في نفس الوقت.. يحق لنا تفجير العديد من الأسئلة في مثل ها الوقت بالذات وتوضيح بعض الحقائق التي لا يزال الطرفان يتجاوزها تكتيكا وربما لأن الفرصة غير مواتية ولا تسمح بكشف أوراق نظام عاش فترات حكمه مستفيدا من علاقته بحركة إصلاحية لها امتداد تاريخي في النضال الوطني ضد الاستبداد السياسي ولها حراك شعبي واجتماعي وثقافي لا يمكن تجاوزه بسهولة كما قد يتصور البعض ممن يحاولون الدفع بهذه العلاقة المهتزة اليوم إلى التشضي والتصدع حيث يستفيد منها الوصوليون والطامعون في السلطة عبر إذكاء الصراعات وممن يروق لهم ضرب الطرفين اللذين تسببا في إطالة أمد هذا النظام الذي بدأ يهدم الاستقرار والسلم الاجتماعي دون الالتفات إلى صوت العقل والنصح في تعزيز الوحدة الوطنية والابتعاد عن سياسة الفيد والنهب المنظم للثروة والثورة والوحدة بأسلوب لم يسبق لهذا النظام أن أقدم عليها بصورة مكشوفة بمثل هذا الواقع المشين الذي بات فيه الجميع محاصرين بغوغائية السلطة والمتسلطين الذين حولوا حياة اليمنيين إلى جحيم لا تطاق وبما ينذر بكارثة اجتماعية وسياسية يكون حطبها الجميع، من هم في رأس السلطة أو في قاع المجتمع اليمني..

ولا يزال هذا النظام الذي يحفر بأظافر فساده قبر نهايته فيما يقف الإصلاح ومعه أحزاب المشترك أمام تحدٍّ حقيقي إزاء معضلة التمادي السلطوي في إلحاق دعوات صيحات الإنذار ومبادرات الإنقاذ الوطني إلى خانة المماحكة السياسية والتخوف من استبدال شعبي لهذا النظام الفاسد.. ورغم محاولات رئيس الجمهورية اتخاذ مبادرات متعددة من شأنها خلط الأوراق وإحداث شرخ في جدار المعارضة ومحاولة إثارة أدخنة الصراع والاحتراب واستدعاء ذاكرتها الأليمة لتوسيع دائرة الخلاف وافتعاله وتعزيزه بأسلوب يعيد إنتاج الأزمات والعيش على موائدها المتعفنة.. فلجأ النظام إلى مغازلة البعض من أحزاب المشترك ومحاولة كسب ودها المؤقت نكاية بالأخرى.. هذه السياسة غدت لعبة مكشوفة تمكن الرئيس من إدارتها بشكل ممتاز في مراحل لا تشبه المرحلة الراهنة الأمر الذي مكنه من الحفاظ على كرسيه ردحا من الزمن.. بيد أن تكرار هذه السيناريوهات اليوم لم تعد تتحملها المرحلة الراهنة الغاصة بالعديد من المشاكل والتحديات خاصة وان معظم هذه الأحزاب المعارضة سبق وان تلقت دروسا كبيرة في البقاء كضحية لهذه السياسة.. وخاصة التجمع اليمني للإصلاح الذي تجرع كؤوسا مريرة على يد هذا النظام الذي استنفد خططه لوأد منافسيه في الساحة الوطنية، مما جعل الإصلاح -ومعه أحزاب المشترك اليوم- يستفيق مما يسميه البعض (بغفلة الصالحين) (فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ) رغم أن الإصلاح لدغ من أكثر من جحر وهو صابر في سبيل الحفاظ على مكتسبات الوطن والحفاظ على السلم الاجتماعي ومتشبث بالقاعدة الفقهية المشهورة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) مضحياً في أكثر من موقف بمصالحه الحزبية واستحقاقاته الانتخابية لصالح أن يستجيب النظام برمته إلى صوت العقل والحكمة ويستفيق من غفوته..

إن الظروف لم تعد تنطلي عليها ألاعيب زمان.. لأن الظروف تغيرت والوطن لم يعد يتسع لمثل هكذا سياسة.. وأعتقد أن صبر القوى السياسية في الساحة قد نفدت لأن السيل -كما يقولون- بلغ الزبى، فلا أعتقد أن الإصلاح ومعه بقية أحزاب المشترك ستنصاع لهذه المناورة المكشوفة والمكرورة والقديمة في خلط الأوراق والاستدراج والتلاعب بالاتفاقيات والحوارات والتنصل عنها قبل أن يجف حبرها على الورق بل يصل الأمر إلى درجة وأد الدستور وسحق القانون ورميه على الحائط.. هذا الموال غدا اسطوانة مشروخة يروج لها الحاكم ويكرسها في مناوراته بغية التلاعب بهذه الأحزاب وإفقادها مصداقيتها أمام المواطن الذي يتطلع إليها للخروج من أتون المحرقة الاقتصادية التي يدلف إليها المواطن.. والضحية في الأخير شعب برمته لا يزال يتطلع أبناؤه لمنقذ ومخلص وبديل يتجاوز به هذا الطوفان الذي تتفاقم وتتسع دوائره الجهنمية التي تعصف بحياته ومستقبله.. ولا أعتقد تأكيدا أن أحزاب المعارضة هذه المرة ستسمح للحاكم ونظامه تمرير مطالب الحاكم تحت أي ذريعة لدرجة أن يوافق على سبيل المثال على مصادرة دوائر انتخابية أعلنت لصالحة إلا أن أوامر رئاسية قضت بعدم تسليمها للإصلاح وإعلانها لصالح الحزب الحاكم ويكتفي الإصلاح بتقديم الطعون التي تموت بالتقادم كما حصل في الانتخابات النيابية السابقة وسابقاتها في مصادرة دوائر في تعز وعدن وغيرها مرارات عديدة..

ماذا لو قام الحاكم فقط بواجبه في احترام الدستور والقانون وتعزيز المواطنة المسلوبة والحفاظ على مقدرات الوحدة الوطنية التي باتت مهددة، ورعاية كل هذه القيم والحرص على الامتثال لها كما يحرص على رعاية المؤتمرات والندوات والفعاليات الصوتية التي لا هدف منها سوى إخفاء فتيل الكوارث والمعضلات!؟ ماذا لو تخلى عن إدارة البلاد بالأزمات والقلاقل وخلط الأوراق وافتعال المشاكل بين القبائل والأحزاب والنقابات والمشائخ ورجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية بل بين المسؤلين أنفسهم والوزراء الحكومات وأعضاء الحزب الحاكم وبين وسائل الإعلام نفسها واستئجار بعضها في النيل من الأشخاص والرموز والأحزاب حتى طالت المصفقين ممن هم غارقون في فساد السلطة وممن ينضوون تحت مظلة الحزب الحاكم نفسه!؟ لا أعتقد أن هذه تحتاج إلى جهد في استنطاق الشواهد والأدلة التي تبرهن وتؤكد هذه الحقائق المرة لنظام يقتات بالبلدي على (الحكولة) وتقريب هذا وإبعاد ذاك والرضى والغضب عن هذا وذاك، ودعم علان لحساب فلان وهكذا يدور اليمنيون بفعل هذا النظام على مدار تاريخهم القريب في دائرة مفخخة وملغومة بكل هذه السياسات التي تستهدف بقاء السلطة على حساب تمزيق عرى المجتمع اليمني الذي بات اليوم على مشارف احتمالات مجهولة يدلف باتجاه غامض وإلى مستقبل مجهول.. ولا شيء في ذهن الحاكم سوى استدعاء الماضي للتمترس خلفه لتعليق الأخطاء الفادحة التي يرتكبها حكام اليوم للتغطية على مشاكل وتحديات الحاضر.. لا شيء سوى البقاء على تلك السيرة السيئة السمعة والمسلك المدمر للجميع منهم في أعلى السلطة ومنهم في قاع المجتمع.. والنتيجة التي لا مفر منها ما نراه اليوم من تصدع اجتماعي يهدد الوحدة الوطنية من انهيار في منظومة الدولة من اغتيال للحياة الكريمة للمواطن ومن إهدار لآدميته وحقوقه ومن تغييب متعمد للعدالة والمساواة والمواطنة السوية ومن سحق لحقوقه ومصادرتها بصورة لم يألفها اليمنيون على امتداد تاريخهم المعاصر..