هكذا استفادت إيران من دعمها المقاومة الفلسطينية
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 3 سنوات و شهرين و 21 يوماً
الإثنين 04 أكتوبر-تشرين الأول 2021 09:02 م
 

في كتابه «الصحيح من سيرة الرسول الأعظم» خلص العالم الشيعي المقرب من القيادة الإيرانية مرتضى العاملي، إلى أن المسجد الأقصى مكانه في السماء وليس في القدس، استنادا إلى بعض المرويات الشيعية، والغريب أن هذا الكتاب حاز جائزة أفضل كتاب في إيران، وقام الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد بتكريم المؤلف شخصيا، وأحمد نجاد هو القائل في حديثه للشرق الأوسط عام 2006: إيران لا تمثل تهديدا للدول الأجنبية ولا حتى للنظام الصهيوني.

هذا الاحتفاء الرسمي بالكتاب الذي يزعم عدم وجود المسجد الأقصى على الأرض، يضع الإيرانيين موضع التناقض، إذ أن الأقصى والقضية الفلسطينية هما أيقونة الثورة الخمينية التي قامت على مبادئها الجمهورية الإيرانية. وليست هذه الصورة هي الحالة الوحيدة التي تجسد هذا التناقض، بل العلاقات الإيرانية مع المحتل الإسرائيلي التي تأخذ اتجاهين أحدهما تصعيدي ظاهر، والآخر تفاهمي باطن، تعد علامة ظاهرة على هذا التناقض بين ادعاء مركزية القضية الفلسطينية لدى إيران في العلن، وعلاقات لا عدائية وأحيانا تعاونية في السر، عبَّر عن هذه العلاقة الكاتب الأمريكي الإيراني الأصل تريتا بارسي في كتاب «التحالف الغادر» بقوله: «اعتمدت سياسة إيران مع إسرائيل على الإكثار من الصراخ، لكن مع القليل من الأفعال».

لا ريب في أن إيران لها دور كبير في دعم المقاومة الفلسطينية الممثلة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين أُوصدت في وجهيهما أبواب الدعم العربي، بل وصل الأمر إلى مشاركة دول عربية في حصار غزة معقل المقاومة، وشيطنة الفصائل الإسلامية المقاومة ونعتها بالإرهاب، ورغم تأكيدات قادة حماس بأن الدعم الإيراني غير مشروط، وأنه لا يترتب عليه أي التزامات للحركة، أو توظيفها في لعبة المحاور، أو استخدامها كأداة للقوة الناعمة في نشر التشيع، أو الترويج للسياسات الإيرانية وتعزيز نفوذها الإقليمي، رغم هذه التأكيدات المتكررة للحركة واكتفائها بعبارات الثناء والمجاملات، إلا أن إيران لا تنفك عن حرصها على دعم المقاومة الفلسطينية، فما الذي تستفيده إيران من دعم المقاومة؟ ما هي أهدافها التي لا يمكن أن تقتصر على مجرد ثناء المقاومة عليها؟

الإجابة بأن هذا الدعم يأتي في سياق عناية إيران بقضايا الأمة الإسلامية، أقل من أن توصف بأنها ساذجة، وليس هذا الكلام ادعاء أو تخرصا، بل يكفي للدلالة على انتفائه النظر إلى تحركات إيران الإقليمية، لنرصد بوضوح أنها تتناقض كليةً مع قضايا الأمة. فهناك هلال شيعي تسعى إليه إيران في العمق العربي، تزامنا مع جيوب موالية لإيران في البلاد الإسلامية، تثير القلاقل ولاؤها للولي الفقيه، وفي العراق مكّنت إيران للأمريكيين احتلاله، باعتراف القيادات الإيرانية، وتقاسمت مع أمريكا الأدوار إلى أن أصبح العراق ولاية إيرانية. وفي سوريا منعت سقوط الأسد بالدعم متعدد الأشكال، خاصة قتال الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الموالية لإيران من شتى بقاع الأرض إلى جانب نظام الأسد على حساب الشعب السوري. وأنشأت حزب الله ذراعها العسكري والسياسي في لبنان، ورأس حربتها في مشروعها في ذلك البلد، وقد اعترف حسن نصر الله بأن الحزب يمثل إيران داخل لبنان. وفي اليمن تلعب إيران دورا بارزا في الحرب المتأججة هنالك عن طريق جماعة الحوثي، حتى تحول اليمن إلى أطلال وأوبئة ومجاعات. وفي أفغانستان دعمت إيران الولايات المتحدة لاحتلال ذلك البلد، عن طريق القبائل والعشائر الموالية لها تحت مظلة ولاية الفقيه. كما يصعب القول إن اهتمام إيران بقضايا الأمة هو التبرير الصحيح لدعمها المقاومة الفلسطينية، عندما نتذكر أن إيران تحتل الأحواز العربية، وتحتل ثلاث جزر إماراتية وتوالي أرمينيا على حساب أذربيجان، رغم أن الأخيرة دولة مسلمة. ويبقى السؤال: ماذا تستفيد إيران وماذا استفادت من دعمها المقاومة الفلسطينية؟

إيران حاذقة في استغلال وتوظيف الشعارات وصناعة الأيقونات التي تدمجها بخطابها الديماغوجي لزوم التعبئة، حتى أنها أطلقت على صدام حسين إبان الحرب الإيرانية العراقية اسم (صدام يزيد) إشارة إلى يزيد قاتل الحسين، رضي الله عنه. ونظرا لأن شاه إيران كان حليفا لإسرائيل وأمريكا، فقد استفادت الثورة الإيرانية من شعارات نصرة القضية الفلسطينية، والحديث عن مركزيتها للثورة ضد قوى الاستكبار، وفي ذروة شعبية الثورة، في أغسطس 1979، أعلن الخميني الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوما للقدس، ما رفع شعبية الثورة الخمينية أكثر فأكثر لدى الجماهير العربية والإسلامية، وأصبح النموذج الثوري الإيراني هو النموذج الذي تتطلع إلى تعميمه القوى الإسلامية، والحركات التحررية ضد الديكتاتورية العميلة للأمريكيين، وبعد شهور من الحرب العراقية الإيرانية أعلن الخميني تشكيل جيش القدس، الذي تحول بعدها إلى فيلق القدس الذي قاتل في عدة ميادين عربية، ليس من بينها القدس، فاستفادت إيران من القضية الفلسطينية في بداية ثورتها. استفادت إيران، ولا تزال، من دعمها المقاومة الفلسطينية في تحسين صورتها التي اهتزت في الأمة الإسلامية والعربية، بعد أن بات واضحا أن الجمهورية الإيرانية لها مشروعها التوسعي في المنطقة، إضافة إلى إثارتها القلاقل والاضطرابات في الدول العربية من خلال أذرعها وجيوبها الموالية لها، بل باتت إيران تتغنى بهذا الدعم، وتبالغ في صورته، لدرجة أنها تعتبر المقاومة في غزة أحد جيوشها، فقد نقلت وكالة مهر نيوز الإيرانية تصريحات للواء غلام علي رشيد، قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي، قال فيها إن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، أنشأ ستة جيوش خارج الأراضي الإيرانية بدعم من قيادة الحرس الثوري الإيراني، وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وهي حزب الله وقوات النظام السوري والحشد الشعبي العراقي والحوثي اليمني، ثم ذكر حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، مع أن حركة حماس قد عارضت إيران في عدة ملفات، أبرزها دعم نظام بشار ونشر التشيع في غزة، كما أن حركة الجهاد الإسلامي رغم قربها من إيران إلا أنها عقبت على التصريح بأن علاقتها بإيران هي «لمواجهة الكيان الصهيوني، وليست مرتبطة بأي هدف آخر».

استفادت إيران، ولا تزال، من دعمها المقاومة الفلسطينية، في تخطيها حاجز الطائفية، وظهورها في الأمة الإسلامية كقوة إسلامية لا قوة شيعية، حيث أنها تدعم قوى إسلامية سنية، الأمر الذي يعطي لها صفة المشروع الإسلامي العام، وهذا بلا شك كان له أثره في نفوس الجماهير المسلمة وإبداء تعاطفها مع إيران في ملفاتها الإقليمية، وتعرضها للتضييق الأمريكي والدولي. استفادت إيران، ولا تزال، من دعمها المقاومة الفلسطينية في إشغال الكيان الإسرائيلي بالشأن الداخلي، من دون إتاحة الفرصة لتمدده خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى لا يضر بالمشروع الإيراني، واستمرار المقاومة كخيار استراتيجي للفصائل الفلسطينية، يصب في هذا الجانب، ومن ثم يصبح الاحتكاك بين المشروعين في أضيق نطاق. واستفادت إيران، ولا تزال، من دعمها المقاومة الفلسطينية، في أن هذا الدعم ورقة ضغط تلوح بها إيران في وجه أمريكا الراعي الرسمي للكيان الإسرائيلي، خاصة في ما يتعلق بالملف النووي والعقوبات، ويلجئ الولايات المتحدة وداعمي الكيان الصهيوني إلى احترام السيادة الإيرانية ونظامها وموقعها الإقليمي.

وأنبه هنا إلى أنه من الخطأ التحامل على المقاومة الفلسطينية في تلقيها الدعم الإيراني، وهي تدرك أوجه استفادة طهران من هذا الدعم، طالما أنها بمنأى عن السماح باستخدامها في دعم النفوذ الإيراني في المنطقة، وتحافظ على بقاء جهودها في إطار العمل الفلسطيني ضد الاحتلال، فهي تتعاطى مع هذا الأمر على قاعدة الضرورة بعد أن تخلى العرب عن دعمها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.