الأكراد شعب تائه ومصير مجهول
بقلم/ موقع محيط
نشر منذ: 17 سنة و 4 أسابيع
الأربعاء 31 أكتوبر-تشرين الأول 2007 08:26 ص

 الأكراد .. جزء عزيز من الأمة الإسلامية يتوزعون في عدة دول إسلامية بوسط وغرب آسيا، عاشوا طوال عهود الخلافة الإسلامية مع إخوانهم المسلمين من مختلف الأعراق كالجسد الواحد.. وما إن تفسخت دولة الخلافة حتى ظهر للسطح ما يسمي بالقضية الكردية ،وما يسمّي بكردستان الكبرى و (إسرائيل الثانية)، وأتاح احتلال العراق من قبل أمريكا الفرصة لاستبعاد هذا الجزء من نسيجه العربي والإسلامي .. فمن المسئول ؟ وهل الأكراد أصبحوا خطراً حليفا للاحتلال حقا ؟ وإلي أين يسيرون بأنفسهم وبأمتهم ؟

الأكراد : اختلاف حول الأصل .. والهوية

 كلمة "أكراد" أو " كرد " تطلق علي تجمع من العشائر الجبلية منتشر علي أطراف متقابلة لعدد من الدو ل الإسلامية المتجاورة خاصة إيران وسوريا والعراق وتركيا إضافة إلي أرمينيا، وتعد هذه العشائر نفسها مختلفة في الأصل والقومية عن بقية أبناء هذه البلاد رغم أنها تحمل جنسيتها ويجمعها مع كل هذه الدول – عدا أرمينيا – الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية .

 تتخلق هذه العشائر بأخلاق الجبل لأنه موطن معيشتها الأصلي الذي لم تبتعد عنه إلا في العقود الأخيرة ، وهي صفات متعددة ومختلفة جعلت الباحثين يختلفون في توصيفهم ، ما بين وصفهم بأنهم قساة ، يتميزون بسمات قطاع الطرق واللصوص ، وما بين أنهم طيبو القلب ، ذوو مروءة وصبر علي القتال ، وهناك اختلافات في تقدير عدد الأكراد وما هو شائع أنهم حوالي من 24 إلى 27 مليون نسمة . وعدد الأكراد الذين يعيشون في تركيا يتراوح ما بين 12 إلى 15 مليون نسمة . ويعيش منهم 5،7 ملايين نسمة في إيران و أربعة ملايين في العراق و مليون واحد في سوريا و 700 ألف نسمة أوروبا الغربية و 400 ألف نسمة في دول الإتحاد السوفييتي السابق . كما يعيش عدد قليل من الأكراد في لبنان و فلسطين المحتلة .

 ورغم نشاط عدد من زعماء الأكراد ومثقفيهم في الحديث عن الأصل الواحد والحضارة التليدة ، والقومية الواحدة و "المميزة " لهذه العشائر عن بقية القوميات التي تعيش بين ظهرانيها بغية العمل علي انفصالها وتجمعها في دولة واحدة، إلا أن أكثر الباحثين من عرب وغربيين وحتى أكراد اختلفوا في أصل الأكراد ، فمنهم من ذكر أنهم ذوو أصول مختلفة ، أي أنهم نزحوا إلي هذه البلاد من مناطق جبلية متفرقة لا يجمعهم تاريخ أو عرق واحد، ومنهم من قال أنهم أبناء الميديين الذين استوطنوا في جبال زاجروس بإيران، قبل 2000 سنة.

وعندما سمع بعض المثقفين الكرد ، الذين يسعون إلي التأكيد علي أن جذور الكرد هي في العراق ، بهذه المقولة نقلوا الكلام بصورة أخرى فزعموا أن الباحث الذي قال بهذا يقصد أن الكرد سكنوا العراق قبل 2000 سنة وليس إيران.. وتتناثر علي صفحات الكتب التاريخية للكرد وغيرهم معلومات متناقضة حول أصول وتاريخ الكرد خاصة أكراد العراق .

 و مما يكشف كذب هذا الزعم أن السومريين والبابليين والآشوريين من الأقوام السامية، ومعلوم أن السومريين هم أقوام عربية نزحت من شبه الجزيرة العربية واستوطنت جنوب العراق منذ حوالي 6000 سنة، وهذا يعنى أن هؤلاء الأقوام جذورها عربي الأصل.

بينما الأكراد هم من العنصر الآري الذي تنتمي إليه إيران. فالعراق عربي الموطن منذ آلاف السنين بينما بداية تكوين أول الأقوام الهندوآرية التى ينتمي إليها الكرد كان في إيران بحدود 2500 سنة. كما ذكر المستشرق كارل بروكلمان فى كتابه "تاريخ الشعوب".

 ويقول الباحث العراقي إياد محمود حسين في هذا: أنه " لم ترد في تاريخ العراق القديم منذ وجود الحضارة الأولى في بلاد الرافدين "إمبراطورية بابل والسومريين والآشوريين " كلمة "كرد" بتاتاً أو أي أثر يعبّر عن وجود مجموعة عرقية وأقوام أو قبائل تحمل اسم "كرد".

 والباحثون والمنقّبون الأثريون لم يكتشفوا في أي جزء من العراق وخاصة المناطق الشمالية الجبلية – التي يتركز فيها "الكرد" الآن ويريدون إعلان دولة فيها ـ أية مخطوطات كردية، وحتى متاحف العالم مليئة بالآثار البابلية والآكّادية والآشورية والعربية والعثمانية ولا أثر فيها "كردي" ، والسبب أنه ليس لديهم تاريخ حضاري مطلقا، خاصة قبل الإسلام ، وأن دخولهم شمال العراق كان حديث العهد.. فنسبة "الكرد" في العراق حوالي 17 %، وعشائرهم ليس لها خصوصية لغوية وقبلية، بل تختلف الواحدة عن الأخرى، فعشائر السورانيون لا يلتقون مع عشائر البهدنانيين، وحتى القبائل الكردية الأخرى لا تتفق مع بعضها البعض . 

 ويدعمه الرأي الدكتور الكردى عمر ميران الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون ، والمتخصص في تاريخ شعوب الشرق الأوسط ، وأستاذ التاريخ في جامعات مختلفة ـ والذي تم اغتياله ومتهم في ذلك بعض الساسة الأكراد – يحذّر الأكراد من تصديق أساطير زعمائهم حول الأصل الواحد والقومية المميزة عن بقية أبناء بلدانهم التي يعيشون فيها ، فيقول : " إن معالم الحضارة الآشورية ما تزال قائمه هناك، و لم يصل إلى علمنا وجود أي مَعلم من المعالم الحضارية للشعب الكردي (أنا أتكلم هنا إلى ما قبل وصول الإسلام إلى المنطقة ) .

 ثم يفسّر الدكتور ميران – استنادا لخبراته العلمية – أسباب انتشار الكرد في بعض المناطق العربية والتركية وغيرها بالحرية التي أتاحها عدم وجود حدود بين الأقاليم الإسلامية تحت ظل الدولة الإسلامية الواحدة فيقول :

" ومن هذه النقطة بدا الشعب الكردي يتداخل مع شعوب المنطق’ الأخرى وبدأ يتأثر بها ثم بدا الأكراد ينطلقون نحو مناطق الإسلام بحريه ويسر بحكم انتماءهم لنفس الأمة (الإسلامية) ولم تكن هناك من معوقات بهذا الخصوص لأن الإسلام يحرم التمييز بين القوميات. ومع هذا كله فلم نسمع او نجد أي اثر يمكن لنا ككرد ان نقول انه تراث حضاري كردي خالص. واستمر هذا الحال إلى يومنا هذا فيما عدا بعض قصائد شعرية تنسب لأحد الشعراء الأكراد وذلك في وقت متأخر جدا " .

 أما في شأن نسب الأكراد لأنفسهم وجود حضارة بعد الإسلام تحت مسمي الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين فيقول الدكتور ميران : " إن البعض يحاول أن يقنع نفسه بحضارة كردية وهمية كانت في زمن من الأزمان وأقصد هنا الدولة الأيوبية. وهنا أقول إنها لم تكن كردية ولكنها إسلامية ، وإن كان قادتها ومؤسسيها من الأكراد, إلا أنهم عملوا كمسلمين وليس باسم قوميتهم الكردية, وكان هذا عامل يضاف ويحسب للإسلام لأنه كان لا يفرق بين العرب وباقي القوميات الأخرى ".

 ويستدل الدكتور ميران علي فضل الإسلام علي الكرد في تحضرهم الحالي وخروجهم من طور البداوة القحة إلي المدنية بأن الكرد لم يكن لهم لغة مكتوبة حتى دخل إليهم الإسلام فبدأوا بتعلم الحروف العربية و أخذوها ليكتبوا بها لغتهم وليحموا تراثهم .

 ويحذر الباحث الكردي من تداول الأساطير والمزاعم التي يروج لها أصحاب المصالح السياسية من زعماء الأكراد دون سند علمي يتحلى بالصدق والأمانة ، مبررا ذلك بخوفه علي الكرد أنفسهم في قوله : " وخوفي هنا أنهم سيجعلون من الشعب الكردي شعبا كاليهود في فلسطين وسيجعلون عليهم قيادات تسير بهم نحو الهاوية ، وكل ذلك على حساب الشعب الكردي البسيط والمغلوب على أمره. وكما قال الزعيم الكردي التركي – المختلف في كثير من طموحاته وتفكيره عن بقية الزعماء الأكراد – عبد الله أوجلان: ( دولة كردية كـ "إسرائيل" مرفوضة نهائيا ، ولنا أن نتصور لماذا يودع أوجلان السجن ويستقبل الأخرون في البيت الأسود . "!!

هل للكرد تاريخ في شمال العراق ؟

 ونركز هنا علي أكراد العراق بالذات لتأثيرهم المباشر علي مستقبل العراق بل وعلي كل الأمة العربية في ظل مساعي زعمائهم ( جلال الطالباني ومسعود البارزاني ) لفصل شمال العراق الذي يسكنه كثير من الكرد . و تواصلاً مع آراء عدد من الباحثين الأكراد المستقلين أيضا و في هذا الشأن وتحت عنوان ( هل للأكراد تاريخ فى شمال العراق؟ ) يقول خالد الجاف فيما نشره موقع ( البصرة نت ) يطرح بداية عددا من الأسئلة التي تدور في الأذهان مثل: هل حقا الشعب الكردي عاش وتواجد منذ آلاف السنين على وجه المعمورة ؟ و ما هو الدليل على ذلك ، وهل حقا أن للأكراد تاريخا متواصلا منذ قرون بعيدة في شمال العراق ؟ وما الدليل على ذلك ؟. وهل للشعب الكردي تأثير مباشر أو غير مباشر على الأقوام المجاورين وعلى الشعوب والأمم الأخرى ؟ وهل كانت لهم معالم حضارية في تاريخ المنطقة التي سكنوها كالعمارة أو الثقافة أو التراث الشعبي ؟

 و يجيب الباحث علي ذلك فيما يمكن اختصاره بالقول أن الأكراد الذين يرددون وجود حضارة كردية قديمة لم يقدموا أي دليل تاريخي أو علمي علي ذلك ولا يوجد علي ارض شمال العراق أي أثر لهذه الحضارة المزعومة ، وأن القيادات الكردية تحاول جر الأكراد إلي حرب أهلية مع العراق العربي تحت عناوين الفيدرالية والاستقلال بما يعني أنه خيانة للشعب العراقي الذي أصبح الأكراد تحت ظل الخلافة الإسلامية الواحدة جزء منه ، وإنه لمن المستغرب أن تقوم أقلية بفرض شروطها علي الأكثرية عندما تكون هذه الشروط هي الانفصال وتقسيم الوطن الواحد . ويضيف الباحث الكردي خالد الجاف أن زعماء الأكراد بالتعاون مع الاحتلال الأمريكي و بتزوير الاستفتاء على الدستور الطائفي البغيض استطاعوا أن يصلوا إلي منصب رئيس الدولة بل وأن يتم تعزيز الفيدرالية ويستبيحوا العراق والقبض علي شماله لدرجة أن العراقي لا يستطيع الدخول بسهولة إلي الشمال الذي يسكنه أغلبية الأكراد ويتم منعه من التدخل في شؤونه الداخلية .

متي إذن جاء الأكراد للعراق ؟

 ويري الجاف أيضا أن مجئ الأكراد إلى العراق جديد ، بل هم آخر الأقوام التي نزحت إلى العراق ، وكان نزوحهم مستمر من طرف الحدود والجبال الإيرانية و من الشريط الحدودي ما بين تركيا وإيران باتجاه قرى المسيحيين والتركمان و العرب في شمال العراق ، وكان هذا في منتصف القرن التاسع عشر ، واستوطنوا هناك ، ومن حسن حظهم أن الشعب العراقي من الشعوب المسالمة لذلك عاش الأكراد وقبائلهم جنبا إلى جنب مع إخوانهم العرب والتركمان والآشوريين بسلام وبدون تميز عرقي أو طائفي أو عدوان حتى عهد قريب .

 ويستدل الجاف علي ذلك بما جاء في كتاب لباحث كردي آخر هو فيدو الكوراني عنوانه (الأكراد ) : "إن كردستان العراق لم تعرف إلا في القرن التاسع عشر الميلادي، فقد كانت هذه المنطقة الشمالية للعراق خاضعة لحكم الدولة العربية الإسلامية التي توزعت إلى إمارات ودول صغيرة بعد الانهيار الذي أصاب عاصمتها وخلافتها في بغداد " .

جذور الاسم 

 وأول من أطلق كلمة كردستان – أي أرض الكرد - وخاصة في مناطق سكناهم في إيران هو السلطان السلجوقى سنجر. فقد ذكر الباحث الغربي لى سترينج – وأكثر من مصدر عراقي غيره - فى كتابه ( الأراضي في شرق عصر الخلافات ) الصادر عام 1930 : أن (في وسط القرن السادس للهجرة، الثالث عشر ميلادي قسم السلطان السلجوقى سنجر مقاطعة الجبال إلي قسمين، وأعطى للقسم الغربي وبالتحديد المناطق الخاضعة لكرمنشاه اسم كردستان، وعين ابن أخيه سليمان شاه حاكما عليها).

 ويقول المؤرخ الكردي المستقل الدكتور عمر ميران في هذا الشأن في مقالة نشرها علي موقع ( البصرة نت ) لكشف عدد مما وصفها بالادعاءات التي يروج لها زعماء الأكراد لتضليل قومهم والعالم لأهداف توسعية : " أريد أن أتطرق إلى نقطه مهمة أخرى وهي التسمية التي يطلقونها على المنطقة (كردستان) والتي كلما ذكرت أمامي وأنا ابن تلك المنطقة, اشعر بالغثيان والاشمئزاز لما تحمله هذه التسمية من عنصرية بغيضة فلماذا يتم اختيار هذا الاسم علما انه يلغي الوجود الفعلي للكثير من القوميات المتواجدة هنا من الآشوريين واليزيديين والكلدان والعرب والتركمان وغيرهم , فهل هذا هو العدل الذي يعدون به شعوبنا ؟ إن هذا وجه آخر من أوجه الشبه مع الكيان الصهيوني الذي أنشا دولة عنصريه قائمه على التمييز العنصري من اسمها إلى أفعالها ".

 ويصف بعض الباحثين الأكراد المستقلين هذه التسمية ( كردستان ) بأنها شبيهة بكلمة إسرائيل التي غلَّبت العنصر اليهودي علي الأغلبية العربية في الأراضي التي تحتلها من فلسطين .

هل حقاً الأكراد أمة واحدة ؟

 لم يتفق الباحثون بما فيهم الأكراد أنفسهم علي كون الأكراد أمة واحدة ، وإن اتفقوا علي أنهم من أعراق دخيلة علي الأرض العربية ، دخلتها تحت ظلال الأمة الإسلامية الواحدة التي لم تكن تفرق بين الأعراق وإنما تعتمد فقط علي العقيدة . و يستدل الباحث العراقي إياد محمود حسين علي هذا بأن الغرب روُّج في بداية القرن الماضي لكلمة الكرد والشعور القومي الكردي عندما نشر الاستعمار البريطاني الأفكار القومية بين الشعوب الإسلامية وذلك بهدف خلخلة أركان الإمبراطورية العثمانية،ومحاربتها في نهاية الأمر. فظهر الشعور القومي عند العرب ، كما ظهر عند الكرد، والغريب أنهم بالغوا كثيرا في تفسير وتعميم هذه القومية الكردية، رغم أنه لا يوجد لهذه القومية المزعومة أي لغة توحدها ولا تاريخ و أعراق ولا ثقافة موحدة ولا يجمعها إلا الدين فمن أين أتت بالقومية ؟!، ويقول في شأن اللغة مثلا أن الأكراد يتكلمون اللغة السورانية القريبة من الفارسية ، واللغة الكرمانجية والزازاكى الكورانية والفيلية، ويقول ماكدويل أن الكرد ظهروا كقومية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر ، و أنه من المشكوك فيه جدا أن يكون للأكراد مجتمع عرقي مترابط من ناحية النسب. وعدم وجود ثقافة مدنية كردية وأدب قومي كردى في بدايات القرن العشرين كانت تعتبر من العوائق القاتلة في تعريف الكرد كقومية .

 ويري الباحث العراقي أن مبالغة الغرب في رسم ( الأمة الكردية ) أوجد في عقلية بعض المثقفين والزعماء الأكراد تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم وعظمته، وأن وطنهم التاريخي الخيالي احتله العرب والفرس والأتراك حتى وظفوا الشعب الكردي البسيط ليندفع وراء هذه المزاعم في محاربة الدول التي يتواجدون فيها لإرجاع مجدهم الضائع و يورثون أطفالهم هذه التخيلات ويُؤسسونهم علي أن لهم وطنا مسلوبا جزء منه تحتله إيران وجزء تحتله سوريا وجزء تحتله تركيا وجزء يحتله العراق ، وأن واجبهم الوطني هو استعادة هذا المسلوب حتى وإن وصل الأمر إلي حد التحالف في بعض الأحيان مع أعداء هذه البلدان – التي يقيمون علي أرضها ويتجنسون بجنسيتها – إذا ما تلقوا أي وعود – حقيقية أو كاذبة – بمساعدتهم علي إقامة دولتهم ".

 ويري الباحث العراقي إياد أن هؤلاء الغلاة من الأكراد بقيادة كل من مصطفي البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني – و هو والد مسعود البرزاني - وجلال طالباني زعيم حزب الإتحاد الوطني الكردستاني لم يكتفوا بنشر أساطير عن دولتهم الغاربة في أذهان العامة ولكن زادوا علي ذلك أنهم الآن يحاولون الانتقاص من العنصر العربي، ويستخدمون أسلوبا متغطرساً في إذلال العرب، والحط من كرامتهم، والاستعلاء عليهم، وإطلاق الألقاب بأنهم يلبسون الدشداشة والعقال ، وجاءوا من الصحراء وهم يركبون الجمال لاحتلال العراق. ويرد الباحث إياد محمود حسين علي ذلك بقوله : " أن هذا التفكير الفاسد والمتعجرف والطرح الكردي الشوفيني المتعصب يأتي بمفعول معاكس ضدهم، لان الأكراد هم أيضا يلبسون الشروال والجمدانى ويركبون البغال في قمم الجبال، فهم ليسوا بأحسن حالا من راكبي الجمال ".

جذور الأزمة

 بعد أن اُفتتحت فصول هذه الأزمة فيما يسمي بإقليم كردستان العراق بغرس مفاهيم ( الأمة الكردية ) ، و( القومية الكردية ) ، و ( حق تقرير المصير ) في عقول الأكراد علي يد الاحتلال البريطاني في بداية القرن الماضي ، تسارعت وتيرتها كلما ازداد زحف العشائر الكردية من الجبال هبوطاً إلي القرى ثم إلي داخل المدن كأربيل و كركوك والموصل وغيرها ، وأدي سهولة دخول وإقامة هؤلاء في هذه المدن إضافة إلي هذه الأساطير البريطانية إلي إغراء عدد من قادة كبري العشائر الكردية إلي استثمار كل هذا في أن يكون لهم نفوذا يفوق نفوذ أي عرقية أخري في هذه المدن ولو استلزم هذا استخدام سلاح القوة أو التحالف مع الطامعين في العراق كإيران وبريطانيا ، وكان علي رأس هؤلاء القادة الملا مصطفي البرزاني زعيم عشيرة برزان والذي يخلفه الآن في زعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني ابنه مسعود البرزاني ، وجلال الطالباني زعيم قبيلة طالبان والذي ما زال يقود حزب الإتحاد الوطني الكردستاني وسنحت له فرصة الاحتلال الأمريكي أن يصبح أول رئيس كردي لكل العراق .

 وعلي هذا استثمر هؤلاء القادة أنهم أصبحوا أكثرية في بعض مدن شمال العراق - بعد خلخلة التركيبة السكانية في هذه المدن و ترسيخ نفوذهم في بعض مناطقها – في التلويح بسيف العصيان للحكومات العراقية المتعاقبة مدعوما بورقة التعامل مع أعداء العراق لمساعدتهم – كما يتوهمون – في نيل حقوقهم وصولا إلي الحكم الذاتي والذي تطور الآن ليصبح ( الانفصال ) .

بعد ثورة يوليو 1958

 يقول الكاتب العراقي حسين الكناني في مقالة تحت عنوان ( مختصر عن الحركة الكردية العراقية النشأة والتطور بعد ثورة يوليو ـ تموز ) نشرها علي موقع ( البصرة نت ) : أنه بعد انتصار ثورة يوليو عام 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم استدعي الملا مصطفي البرزاني من منفاه في الاتحاد السوفيتي وأحسن استقباله وسمح له بممارسة نشاطه السياسي عبر حزبه المسمي بالديمقراطي الكردستاني والمشهور بكلمة " بارتي " ، إلا أن الود لم يدم طويلا بينهم حتى اختلف البارزاني مع حكومة الثورة في بغداد على لواء كركوك الغني بالثروات وادعائه بكردية اللواء ، فعاد الملا مع مقاتليه إلى الجبال لتبدأ حرب شرسة راح ضحيتها آلاف الشباب من الطرفين .

 استمرت هذه الحرب حتى بعد سقوط قاسم ومجيء حزب البعث عام 1963 وفي عام 1964 ــ 1965 انشق الشاب الماركسي جلال الطالباني على زعيمه في الحزب البارتي الملا مصطفى البرزاني وكون حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ونشبت بين أعضاء ومناصري الحزبين معارك طاحنة بين الفينة والفينة لأنّ اعتماد كليهما في إثبات الزعامة والسيطرة في شمال العراق كان يعتمد علي ميليشيات عسكرية قاسية مشبعة بالتعصب العشائري فالحزب الديمقراطي تحت لواء عشيرة البارزاني والاتحاد الوطني تحت لواء عشيرة الطالبان اللتان كانتا تتنازعان الوصاية ، أو القيادة على زعامة المنطقة الكردية في شمال العراق حتى وإن دفعهما هذا إلي أن يذيقا المواطنين الأكراد من التعسف والاضطهاد ما لا يقل عن الاتهامات التي كانا يرميان بها الحكومات العراقية السابقة .

الحكم الذاتي عام 1970

 شهدت هذه الفترة أحد أشد صفحات الصراع السياسي بين العراق وإيران حيث كان الشاه يخشي دائما من أن يقوي نفوذ النظام العراقي الثوري فتنتقل عدواه إلي إيران ويحرك ضد نظام ملكه الوراثي الانقلابات ، ولهذا سعي لاستخدام ورقة أكراد العراق لإضعاف النظام العراقي بدعمها بالمال والسلاح ، حتى اضطر العراق إلي إعطاء القادة الأكراد ميزة الحكم الذاتي تحت ظل دولة العراق الموحدة كي يجذبهم إلي وطنهم بعيدا عن مؤامرات الشاه .

الحصار علي العراق في عام 1991

 كفلت لهم منطقة الحظر الشمالية ، التي فرضتها أمريكا وبريطانيا علي العراق في ظل الحصار الذي فُرِض منذ حرب الخليج الثانية ، منع أنشطة وسيطرة الحكومة المركزية في بغداد في شمال العراق قدرا كبيرا من الاستقلال الذاتي، فقسمت المنطقة بين البارزاني والطالباني ، وتدفقت الأموال بكثرة علي القبيلتين إما من فوائض البترول أو من دعم خارجي ، ونشط زعماء الأكراد في " تكريد "الشمال سواء في اللغة أو في إدارة الحكم .

 و يصف تقرير قدمه برنامج ( مراسلو الجزيرة ) وتم نشره في عام 2002 منطقة الأكراد في شمال العراق آنذاك بأنها تتجه بسرعة إلي الاستكراد ومحاولة طمس أي وجود عراقي أو عربي وذلك بدعم أميركي وبريطاني كبير، بحجة حماية الأكراد من بطش السلطة العراقية، بينما يؤكد متابعون أن أميركا وبريطانيا إنما فعلتا ذلك تمهيداً لتقسيم العراق وإسقاط نظام الحكم فيه والسيطرة على مقدراته وثرواته، و أصبحت المنطقة المناطق التي يقال إنها باتت مرتعاً لأجهزة استخبارات دول عديدة من بينها " إسرائيل" بسبب تنافس الزعماء علي النفوذ والزعامة والمال.

 ويقول المراسل في إشارة إلي مظاهر إزالة أي وجود عربي بالمنطقة : أن كلمة العراق ليست موجودة علي اللوحة التي ترحب بالزائر الداخل إلي هذه المنطقة بل وتقوم حكومة أربيل – عاصمة الحكم الذاتي الكردي - بإحصاء الزوار والمغادرين، ورصد بياناتهم، و تحصيل رسوم دخول تبلغ خمسين دولاراً، بحجة ضمان أمن الإقليم، بينما يري البعض أن هذا من أجل عدم دخول عراقيين كثر ولتحصيل المزيد من المال . كما أن اللغة العربية أصبحت لغة ثانوية حتي أن الكثير من أبناء الأجيال الجديدة لا يعرفونها !!