وضع عبد ربه منصور هادي الصعب
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 5 سنوات و 6 أشهر و 10 أيام
الأربعاء 27 مارس - آذار 2019 09:31 م
 

لا أحد يتمنى أن يكون في هذا الموقع الآن، لكن الرجل لا يـُــبدي ما يفيد أنه سئم منه أو يعتزم تركه. إنه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي يجد نفسه اليوم بعد أربع سنوات من استنجاده بالسعودية في «عاصفة الحزم» في وضع أعقد وأسوأ من الذي أراد أن تخرجه منه.

بعد أربع سنوات كان هو من يفترض أن يتوجه بكلمة إلى شعبه لا عبد الملك الحوثي زعيم جماعة «أنصار الله، خاصة عندما ترى آلاف اليمنيين المتظاهرين في مدن عدة ضد هذا التحالف العسكري السعودي الإماراتي الذي تحول إلى عفن للجرح اليمني عوض أن يكون بلسما كما تمنى الجميع وعلقوا الآمال.

لم يتحدث هادي وتحدث الحوثي. حتى لو تركنا جانبا الفرق الشاسع بين مستوى الرجلين على صعيد قوة الحضور ووضوح الطرح وفصاحة الحديث، فإن تعثر «التحالف العربي» في اليمن وعجزه عن الحسم رغم تفوقه العسكري والتقني الكبير وتعدد تجاوزاته في حق المواطنين وسيادة البلاد وثرواتها وضبابية توجهاته ومدى الاختلاف الحقيقي أو الوهمي بين الرياض وأبوظبي، كل ذلك يجعل من أي خطاب للحوثي أكثر تماسكا وربما إقناعا من أي خطاب لهادي رغم أن الحوثيين كمجموعة انقلابية عنيفة هي من تتحمل المسؤولية في إدخال البلد في نفق صراعات داخلية مسلحة قبل أن تجره إلى هذا التدخل العسكري الخارجي العقيم الذي زاد الطين بلة.

مشكلة هادي الحالية متعددة الأبعاد لكن الأبرز فيها بلا جدال ضعفه الشخصي وعدم قدرته على أن يلعب بشكل كامل دور زعيم يتحمل وزر الكثير مما حصل بدءا من تسامحه وخضوعه لجماعة الحوثي، حتى اجتياح العاصمة وأسره قبل تمكنه من الهرب، إلى طلب التدخل العسكري السعودي، إلى سلبيته المستفزة الراهنة تجاه الضياع شبه الكامل للقرار الوطني بعد خضوعه الكامل للرياض وعدم قدرته على الإصداع بأي تحفظ على ما آلت إليه الأمور بعد أربع سنوات جعلت البلد المأساة الانسانية الأكبر في العالم.

لا أحد يمكن أن يتجاهل أو يستهين بالاكراهات التي يعيشها هادي القابع في الرياض، غير أن مبالغته في الاستكانة لها، وكأنها قدر محتوم، عمـّـق مأساته الشخصية والوطنية. هو لا يستطيع طبعا تجاهل وجود مليوني يمني يعملون في المملكة العربية السعودية ولا أن الرياض هي سنده السياسي والمادي الوحيد تقريبا غير أن ذلك ما كان يجب أن يتحول إلى تبعية واضحة رهن فيها هادي كل البلاد تقريبا إلى أجندة لم تعد تكترث كثيرا بتحرير البلاد من عبث الحوثيين أو استعادة الشرعية بقدر ما أصبحت تحاول جاهدة الاستفادة من حالة الوهن الحالية لتثبيت وقائع ومنافع لا علاقة لها بما جاء التحالف من أجله، لاسيما أبوظبي، التي باتت تتصرف في البلد وكأنه مستعمرة.

تحدث عدد من الوزراء والمسؤولين اليمنيين عن هذا النزق الإماراتي في التصرف مع اليمن واليمنيين وتشكيل عصابات مسلحة خارج الأطر الشرعية تستخدمها في حساباتها الخاصة في نزوات غريبة في الموانئ وجزيرة سقطرة، لكن هادي لم ينبس ببنت شفة. تحدث هؤلاء عن ضرورة حسم معضلة المشاركة الإماراتية التي زاغت عن كل هدف له علاقة بما قالت إنها جاءت من أجله، لكن هادي ما زال يفضل الصمت، مع أن كلمة واحدة منه قادرة على سحب البساط من أقدام أبوظبي إن هو طالبها بالانسحاب من اليمن أو إن هو طالب الرياض علنا بتقويم هذا السلوك.

هادي هو الذي أضفى الشرعية على هذا التدخل العسكري الأجنبي في بلاده بل هو من طلبه، رسميا على الأقل، وإليه تعود الآن مسؤولية إبقاء هذا الغطاء الشرعي أو سحبه أو على الأقل تعرية الإمارات من التدثر به طالما أن الشكوى الأمرّ تأتي من تصرفاتها تحديدا، وليس من تصرفات السعودية. صمت هادي في هذا المقام خذلان لشعبه بل وتواطؤ مع المتآمرين ضد مصلحته العليا، خاصة مع هذا الاحتضان الإماراتي لدعوة انفصال الجنوب مرة أخرى رغم التوافق اليمني الواسع على وحدة البلد بنظام أقاليم واضح المعالم كما أقر ذلك الحوار الوطني الواسع الذي شارك فيه الجميع ووقعوا عليه بمن في ذلك الحوثيون.

ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر إلى حد التحرش الشخصي به وبالقوات التابعة له وتقرير ما إذا كان مسموحا له أم لا البقاء في عدن، عاصمة البلاد المؤقتة، مع إهانات إماراتية أخرى مختلفة لم تنجح في إخراجه عن صمته المستفز.

يبدو أن هادي لم يستطع بعد أن يخرج من جلباب نائب الرئيس علي عبد الله صالح الذي ارتداه لسبعة عشر عاما، وبالتالي فهو يتهيب وربما يخاف أن يلعب الدور الأول الذي تفرضه الرئاسة التي يتحمل أمانتها منذ 2012. هذه معضلة لا شفاء منها، إلا إذا قرر هادي نفسه، ولا أحد سواه، غير ذلك.

كاتب وإعلامي تونسي