|
في
مهبط الوحي ومهد الرسالة، ظهرت من حماس وفتح البسالة والأصالة، فقد جمعهم خادم الحرمين، ومؤلِّف الفريقين، صاحب المواقف الرائدة، والهمم الخالدة، فتصافح الإخوان وتعانق الأقران، وسالت دموع الصفاء عند الصفا، وحرم القتال في الشهر الحرام، والبلد الحرام، وحلَّ السلام: إِذا اِحتَرَبَت يَوماً فَفاضَت دِماؤُها تَذَكَّرَتِ القُربى فَفاضَت دُموعُها ولقد شاهد العالم الإخوة الفلسطينيين من حماس وفتح وهم يتعانقون في أطهر مكان في العالم، في الأرض التي بعثت للبشرية برسالة الرحمة والعدل والسلام، في الأرض التي حرم فيها سفك الدم، وقتل النفس المعصومة، في الأرض التي أعلن فيها ميثاق حقوق الإنسان (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا). وقف قادة الشعب الفلسطيني شعب الصبّارين والجبارين: الصبارين في الفتن والمحن، والجبارين على الأعداء الألِّداء، وقفوا فوق الأرض التي وقف عليها سيد الخلق؛ ليقول للعالم: «إن دماءكم
وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا». شكراً لرجل السلام قائد الأمة، خادم الحرمين على غيرته الإسلامية، ونخوته العربية، ورحمته الإنسانية، الذي أزعجه مشهد الدم الفلسطيني وهو يسيل بسلاح فلسطيني، وشكراً لقادة الشعب الفلسطيني حينما خافوا الرحمن، واحترموا الزمان، ووقَّروا المكان، واستجابوا للملك الإنسان:
لو تقاتلنا لخطّ الدمُ في
لوحةِ الصحراءِ يروِّي حبّنا
لقد أغاض الأعداء توقيع ميثاق الشرف والصلح العظيم بين الأشقاء، وأرادوا أن يستمر التقاتل بين الإخوة، ولكن الله سلَّم وتوحّد الصف، وتصافحت الأرواح:
مُذْ بدأنا الشوط فردسنا الحصى
بالدم الغالي وجوهرنا الرمالْ
ومشينـا نكتـبُ المجدَ على
صـوت حقِّ من ترانيم بلالْ
لقد انتصر العقل على الحقد، والمنطق على الجهل، لقد أثبت قادة هذا الشعب الباسل الأبي أنهم على مستوى المسؤولية فقدّروا حرمة الشهر والمكان وأكرموا بالاستجابة صاحب الدعوة الملك الشهم والقائد الإنسان، لقد خاب ظن إسرائيل في أن شعب فلسطين سوف يتطاحن وينتحر بأيدي أبنائه، ها هم أحفاد الفاتحين تصافحوا وتعاهدوا على المحبة؛ ليكونوا صفّاً واحداً في وجه إسرائيل الأكذوبة والكيان الزائل الساقط، لقد حيّا العالم كله هذا الصلح إلا إسرائيل، وفرح به كل عاقل إلا إسرائيل ولقد نال خادم الحرمين مرتبة الريادة العالمية في سبقه، كما هي عادته في لـمّ الشمل، وجمع الصف، وتوحيد الكلمة. ما أجمل قادة الشعب الفلسطيني وهم يصلون في صف واحد بجوار الكعبة المشرفة، وحَمامُ الحرم يرفرف على رؤوسهم، حَمامُ السلام وكأن كلّ حمامة تقول لهم: حرام القتال يا أبطال، حرام الخلاف يا رجال، أنتم البواسل، أنتم الفدائيون الصادقون، أنتم صنّاع قصة التضحية:
من بحار الأسى، ولَيْل اليَتَامى
تطلعُ الآنَ، زهْرةٌ بَيْضَاءُ
من شُحوب الخريفِ، من وَجَعِ الأرضِ
تلوحُ السنابلُ الخَضْراءُ
ويُطِلُّ الفداءُ شمساً علينا
ما عسانا نكونُ لولا الفِدَاءُ
من جراح المناضلين وُلِدْنَا
ومن الجُرْح تُولَدُ الكبرياءُ
لقد شخصت أبصار أطفال فلسطين وشيوخ فلسطين ونساء فلسطين إلى مكة ينظرون بترقب نتائج هذا اللقاء التاريخي:
نساء فلسطين تكحلنا بالأسى
وفي بيت لحمٍ قاصراتٌ وقصَّرُ
وليمونُ يافا يابسٌ في حقولِه
وهل شجرٌ في قبضةِ الظلم يثمرُ
الآن سحّت دموع الفرح يوم انتصرت الإرادة الصادقة على نوازع الشر، ويوم سادت المحبة على الكُرْه، والحب على البغض، والألفة على الفرقة:
أَو يَختَلِف ماءُ الوِصالِ فَماؤُنا
عَذبٌ تَحَدَّرَ مِن غَمامٍ واحِدِ
أَو يَفتَرِق نَسَبٌ يُؤَلِّفُ بَيـنَنا
دينٌ أَقَمنـاهُ مُقـامَ الـوالِدِ
في الجمعة 16 فبراير-شباط 2007 07:17:13 ص