يردّد الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في مجالسه ولقاءاته الخاصة، أن نائبه رئيس وزرائه السابق خالد بحاح ليس خياره في المنصبين. كان تعيينه رئيس وزراء بموجب اتفاق السلم والشراكة الوطنية في سبتمبر/ أيلول 2014، ولا دخل للرئيس في ذلك. ولم يكن تعيين بحاح إلى جانب منصبه السابق نائباً لرئيس الجمهورية في إبريل/ نيسان 2015، كما يقول الرئيس، في مجالسه، خياره أيضاً. ومن هذا المنطلق، لم يكن هناك وفاق بين الرجلين، والأسباب عندي تعود إلى أن خالد بحاح شاب طموح، فصيح اللسان ومتحدّث جيد، مقنع في حواراته مع الأطراف الأخرى، له تجربة دولية، ونقطة الضعف لدى الرئيس هادي علمه شخصياً أنه جاء إلى منصب رئيس الجمهورية، لأنه كان نائب الرئيس علي عبد الله صالح، ولمّا ضعف الأخير وقلت حيلته، كان النائب هادي البديل، فخشي على مركزه ذلك، وراح يثبط عزائم نائبه بحاح ويثير حوله الشكوك والعقبات.
(2)
صدر التسريب الأول عن فشل بحّاح في إدارة الدولة عن وزير جاوز الثمانين عاماً، مقرب من كرسي الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقد تناولت الأمر في مقالةٍ نشرت في "العربي الجديد" (21/ 8/ 2015) بعنوان "الحكمة والنميمة السياسية يمانيتان"، ومقالة أخرى نشرت في 18/ 1/ 2016 "أحاديث مع قيادات يمنية"، تناولت فيها أمراض الإدارة السياسية اليمنية بقيادة الرئيس هادي، وحذره من النميمة والغيبة والتقليل من قدرات القيادات السياسية اليمنية، لأن ذلك يضعف الدولة اليمنية أمام قيادات التحالف العربي الذي يتكون عموده الفقري من دول مجلس التعاون الخليجي. بقي الخلاف والتباعد بين الرئيس ونائبه بحاح يزداد يوماً بعد يوم، وجاءت اللحظة، وأطيح نائب بحاح، وأخرج من رئاسة الوزارة، وعين مستشاراً لا يُستشار في ديوان الرئاسة.
(3)
لا جدال في أن الرئيس عبد ربه منصور هادي ارتكب خطأً سياسياً لا يغتفر في حق نائبه رئيس وزرائه خالد بحاح، في خطابه إلى الرأي العام اليمني، وقوى التحالف العربي، وإلى بحاح نفسه. يقول في ديباجة الخطاب إن الحكومة فشلت في تحقيق مهامها الوظيفية. وعلى ذلك، يقال نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء بمفرده، وتبقى الوزارة (الفاشلة) بكامل أعضائها في إدارة البلاد. والسؤال: لماذا بقي الوزراء في مناصبهم، ولماذا لم يكلف رئيس الوزراء الجديد أحمد عبيد بن داغر بتشكيل حكومةٍ، تتجاوز القصور في أداء سابقتها كما قال الرئيس هادي الذي أعتقد أنه يجهل أبسط قواعد اللياقة الدبلوماسية، وكان عليه أن يشكر رئيس وزرائه السابق، خالد بحاح، على جهوده، أياً كانت، وينحّيه بطريقةٍ تليق بمقام الرئاسة.
"اللهم وفق علي محسن الأحمر وأحمد عبيد بن داغر في مهامهما، واحمهما من تقلبات مزاج الرئاسة"
يجب أن يعلم عبد ربه منصور هادي أنه هو أول الفاشلين في إدارة الدولة اليمنية، منذ أن بدأ الحوثيون يتحرّكون نحو العاصمة من صعدة، مرورا بدماج، ثم إلى عمران، وهو القائل إن الجيش يجب أن يكون محايداً في النزاعات القبلية، إلى أن تمكن الباغون على الدولة من الاستيلاء على العاصمة صنعاء، ثم التمدد جنوباً، حتى أكملوا السيطرة على كامل أراضي الجمهورية اليمنية، وكان رئيس البلاد القائد العام للقوات المسلحة سلبياً في التعامل مع البغاة، من نقطة البدء في صعدة إلى احتجازه رهينة في منزله، وهو رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
يعلم الرئيس هادي أن الحكومة اليمنية بلا ميزانية، ولا دخل لديها يكفي لصرف مرتبات موظفي الدولة. والبلاد في حالة حرب أهلية شاملة، فماذا فعل الرئيس ليجنب البلاد هذه الحرب، وماذا فعل ليجد موارد لتمويل ميزانية الدولة. الحق أن أي رئيس وزراء سيأتي به، من دون أن يوفر له الموارد، ومن دون أن يعطيه الحق في تشكيل وزارته لا جدال في أن الفشل سيكون حليفه.
(4)
على الرغم من احترامي وتقديري خالد بحاح وقدراته السياسية والإدارية، إلا أن ذلك لا يمنعني من قول الحق إنه أخطأ في إصدار بيانه، والذي مؤداه الرفض البيّن لقرار إقالته من منصبيه. وكنت أتمنى لو أنه أصدر بيانين يهنئ فيهما خلفيه، الفريق على محسن في مركز نائب رئيس الجمهورية، وأحمد بن داغر في منصب رئيس الوزراء، ويتمنى لهما التوفيق في مهامهما، مقتدياً بقرار خالد بن الوليد عندما عزله عمر بن الخطاب، وهو في معركة اليرموك، وتولية أبي عبيدة بن الجراح قيادة جيوش المسلمين. رحب خالد بقرار الخليفة، وأعلن أنه سيعمل جندياً تحت إمرة ابن الجراح. وكنت أتمنى أن يلتقي بهما كل على انفراد، لوضعهما في صورة تجربته مع الرئيس، والمصاعب التي لاقاها في إدارة الدولة تحت قيادة الرئيس هادي.
(5)
قرار تعيين الفريق علي محسن الأحمرنائباً للرئيس أكثر القرارات الرئاسية صواباً، فهو الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الزمن المناسب. وعلى الرئيس وقوى التحالف، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، أن تعطي الرجل كل الإمكانات المادية والعسكرية والصلاحيات من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، والتي في أول قائمتها تحقيق النصر على الباغين على السلطة، وتوفير الأمن والاستقرار في ربوع اليمن وجواره الجغرافي.
ولا نشكّك في قدرات رئيس الوزراء الجديد أحمد عبيد بن داغر، ولا في خبراته ومهاراته السياسية ووطنيته، لكن سلفه خالد بحاح لم يكن أقل منه قدرة وكفاءة، وهما ينتسبان إلى حضرموت، فما الجديد الذي أتى به الرئيس، ليجعله يزيح بحاح.
تقول الروايات اليمنية إن الرئيس عبد ربه منصور هادي، بإقالته بحاح من موقع نائب رئيس الجمهورية، اطمأن على مستقبله، فالحوثيون وصالح لن يطالبا بتنحيته وتسليم الرئاسة لنائبه علي محسن الأحمر في مفاوضات الكويت المرتقبة، بينما لو بقي بحاح قد يكون طلب إزاحة الرئيس وتسليم السلطة لنائبه بحاح شرطاً لتسليم السلاح الثقيل، وإخلاء المدن اليمنية من الانقلابيين على السلطة وإنهاء الصراع المسلح.
آخر الدعاء: اللهم وفق الرجلين علي محسن الأحمر وأحمد عبيد بن داغر في مهامهما، واحمهما من تقلبات مزاج الرئاسة، إنك على كل شيء قدير.