الظلم والظلم الآخر في اليمن
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر
الأربعاء 13 مارس - آذار 2013 04:52 مفي الندوة التي نظمها المعهد الملكي البريطاني يوم 6 مارس، على هامش مؤتمر أصدقاء اليمن الذي شهدته العاصمة البريطانية لندن، يوم 7 مارس، قال د أبوبكر القربي وزير خارجية اليمن، وهو يرد على تساؤلات الناشط البريطاني من أصول يمنية المحامي صالح علي النود: كيف ينعقد مؤتمر الحوار في غياب الجنوبيين وماذا عن المظالم التي عانى منها الجنوب؟ قال أنه لا يحق لأحد أن يدعي أنه يمثل الجنوب، وأردف أنه وإذا كنا نقر بمعاناة أبناء المحافظات الجنوبية، لكن هناك محافظات أخرى تعاني من الظلم المتواصل واستشهد بمحافظته البيضاء ومحافظة وزير المالية ( النائب صخر الوجيه الذي كان حاضرا الندوة)، اللتان قال وزير الخارجية أنهما تعانيان من ظلم تاريخي على مر الزمن.
الحقيقة أن هذا القول لا يخلو من الكثير من الصواب، لكن هذا الصواب يأتي في مكان آخر لا صلة له بما يقصده السيد الوزير الذي أراد أن يقول أنه لا يحق لأبناء محافظات الجنوب الحديث عن المظلومية طالما بقية المحافظات مظلومة، وهو للأسف الشديد توظيف قبيح للممارسات السياسية لسلطة ظل معالي الوزير جزءا منها لعقود، لكن دعونا نعود للحدث منذ البداية، وهو من يحق له الحديث باسم الجنوب؟
لقد كان طارح السؤال على معالي الوزير مواطنا جنوبيا ما يزال له أهل وأقارب يعانون من الإبعاد من أعمالهم دون وجه حق، وممتلكاتهم ما تزال منهوبة، وهو شخصيا لا يستطيع الحصول على قطعة أرض في عدن أو لحج، من تلك التي حصل بعض أبطال حرب 1994م على مئات آلاف الأمتار منها مجانا، ومثل المحامي النود مئات الآلاف من الضحايا منذ 1994م، مع ذلك يقر المحامي النود أنه قد لا يكون هو المتحدث الوحيد باسم الجنوب، لكن إذا كان لا يحق للمحامي صالح النود أن يدعي تمثيله للجنوب فمن باب أولى لا يحق لناهبي الجنوب والمدافعين عنهم ادعاء تمثيله ناهيك عن ادعاء الحرص على مصالح أبنائه، لأن الناهب لا يحق له ادعاء الحرص على مصالح المنهوبين، ومن هنا يأتي الحديث عن أن شعب الجنوب هو المرجعية وإذا أردتم أخذ رأيه فاعملوا استفتاء يعلن فيه الشعب موقفه، وإذا ما قرر الشعب القبول باستمرار نهب حقوقه وقتل أبنائه ومصادرة ثروته وتزوير تاريخه فسيكون على الجميع القبول برأيه ولن يتردد أحد عن احترام قراره.
أما حكاية المحافظات المظلومة، فاقتصار الحديث عن مظلومية الحديدة والبيضاء وحتى لو أضيفت إليهما عشر أو 12 محافظة فإن الأمر ينبئ عن عدم معرفة بما يعانيه اليمنيون منذ نصف قرن ظلوا يحلمون فيه بدولة تحمي كرامتهم وتعبر عن تطلعاتهم وتنتقل بهم من عصور الراعي والرعية إلى عصر المواطنة، وهو ما فشلوا فيه ليس بسبب عدم قدرتهم على التكيف مع وجود دولة كما يحاول أن يسوق لنا منظرو الاستبداد ومروجو ثقافة الهمجية وسلوك ما قبل الدولة، بل بسبب عجز السياسيين عن قراءة تطلعات الشعب وانصرافهم إلى تسخير وجودهم في السلطة لبناء مشاريعهم العائلية والجهوية الصغيرة على حساب المشروع الوطني الكبير، الذي كان يمكنهم أن ينالوا منه نصيبهم كمواطنين، لكن بناء المشروعات العائلية قد حول الدولة إلى مشروع استثماري كبير ينتفع منه القلة ممن يديرون شئون هذه الدولة المفترضة.
لا بد أولا من الإقرار بأن الأمر الوحيد الذي نجح فيه النظام اليمني هو تأبيد الظلم وتوزيعه بين كل المواطنين اليمنيين لكن ما لا بد من الإقرار به أيضا هو أن هذا التوزيع للظلم لم يكن (عادلا) فهناك ظلم مطلق وهناك ظلم نسبي، وهناك ظلم كلي وهناك ظلم جزئي، وهنا لا بد من إعلان كامل الإدانة لكل أشكال الظلم والإقصاء والتعسف الذي أدمنه الحكام ضد هذا الشعب اليمني أينما كانوا وكان الظلم لكن هذه الإدانة لا تكفي إذ من المفترض على الحكام أن يعلنوا عن اعتذارهم لهذا الشعب على ما ألحقوا به من مظالم لا أن يتباهوا في المؤتمرات والفعاليات الدولية بأنهم قد كانوا عادلين في توزيع الظلم على مواطني بلادهم، وتنبغي ملاحظة أن الحديث عن محافظات مظلومة وأخرى أقل ظلما لا يعني أن أبناء المحافظات الأخيرة (غير المظلومة) يرفلون في نعيم العيش، ذلك إن الظلمة المحسوبين على هذه المحافظة أو تلك لم يفعلوا شيئا لأبناء محافظاتهم وإن نجحوا في بناء مشروع خدمي معين فبعد أن يكونوا قد نهبوا نصف المخصصات أو أكثر بأشكال مختلفة، ويظل الغالبية العظمى من السكان ضحايا مثلهم مثل غيرهم من أبناء المحافظات المظلومة.
اللجوء إلى التباهي بالفشل عند الحديث عن القضية الجنوبية لا يظهر تفوق هؤلاء الفاشلين، بل أنه يبين محاولة الهروب من المسئولية التاريخية تجاه قضية يقر بعدالتها ومشروعيتها الحكام أنفسهم، والمقصود هنا القضية الجنوبية.
القضية الجنوبية تتميز بأمرين لا يتوفران في بقية المحافظات المظلومة التي لا بد من التضامن معها وهذان الأمران لن ينفع التملص من الاعتراف بهما أو محاولة الالتفاف عليهما، وهذان الأمران هما:
1. أن الجنوب كان دولة ذات سيادة معترف بها دوليا دخلت في شراكة مع شقيقتها في الشمال، وجرى الانقضاض على هذه الشراكة بطريقة يعرفها القاصي والداني، والقول أن القضية قد حلت بإسقاط رأس الحكم هو قول خالي من المعنى لأن ما ترتب على هذا الانقضاض ما يزال قائما، ويبدو أنه سيظل طويلا بعد التحاق بعض الناهبين وزعماء الحرب بالثورة واستمرارهم في التحكم بصناعة القرار السياسي ليمن يراد له أن يظل موحدا على أسس معوجة، وغير قابلة للحياة.
2. أن الجنوب تعرض لحرب واجتياح ترتب عليها أن تحول هذا الجنوب إلى طرف مهزوم ألحق به كل ما يلحق بالمهزومين من ممارسات جائرة، بدءا بإسقاط كل مداميك النظام وسحق الهوية وتزوير التاريخ وتزييف الوعي وانتهاء بنهب الثروة وإقصاء السكان على أساس شطري، ثم مواصلة سياسة القتل والقمع والتنكيل تجاه أبنائه الرافضين لتلك السياسات الغاشمة، وهذا هو الانفصال بعينه وما ترتب عليه من تداعيات ليس سوى نتائج لا يمكن معالجتها في ظل بقاء الأسباب وبالمناسبة فإن الشمال لم يكن هو المنتصر في تلك الحرب العبثية بل كان المنتصرون هم مجموعة السلب والنهب والاستحواذ التي حولت الجنوب إلى غنيمة حرب تقاسمته كما يتقاسم الورثة ما ترك لهم آباؤهم وأجدادهم.
معالجة القضية الجنوبية لا يتأتى من خلال الطبطبة على الظهور أو إعطاء الجنوب نصف مندوبي مؤتمر الحوار، ولا بادعاء المحبة والتودد، الذي لا يلغي السياسات الجائرة التي عانى منها أبناء الجنوب منذ 7/7 بل إنه يتم من خلال إزالة المظالم وإعادة حق الجنوبيين المنهوب إلى أصحابه، بدءا بالحق الكبير وهو استعادة الشراكة الوطنية في الثروة والتنمية والممارسة السياسية، وانتهاء بحقوق الأفراد الكثيرة والتي لا تقتصر على عودة المبعدين إلى أعمالهم وإعادة ما نهبه الناهبون، والاعتراف بخطيئة الحرب وما ترتب عليها من نتائج مدمرة.
أرجو أن لا يقول لي قائل بأن الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس مجلس القضاء ووزير الاتصالات ومحافظ المحويت وغيرهم هم من الجنوب وأنه بهذا صار الحكم بيد الجنوبيين، لأن أحد من هؤلاء ولا هؤلاء مجتمعون لا يستطيعون إعادة منزل واحد من المنازل المنهوبة ولا معالجة جريح من جرحى الحراك السلمي ولا إعادة مبعد واحد إلى عمله ، فكيف لهم أنه يعيدوا مؤسسات دولة دمرت وثروة نهبت وهوية مسخت، وكل ما تركته الحرب اللعينة من نتائج مدمرة ما يزال أصحابها مصرين على تكريسها؟ ؟ ؟ ؟
برقيات:
* أطرف ما تسرب هذا الاسبوع أن السلطات اليمنية تدرس التقدم بطلب إلى الإنتربول الدولي للقبض على علي سالم البيض، واتهامه بالخيانة الوطنية، . . . المضحك المبكي هو أن اليمنيين يمنحون الحصانة للقتلة والمجرمين وناهبي الأموال وبائعي السيادة الوطنية، الذين يواصلون تعطيل كل شيء في اليمن، وتطالب بالقبض على سياسي مبعد من الوطن منذ 17 عاما.
* انتقل إلى رحمة الله الأستاذ الجامعي د. محمد سالمين برقة، أستاذ التاريخ في كلية الآداب جامعة عدن، نسأل الله له الرحمة والغفران وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، . . ."إنا لله وإنا إليه راجعون"
* يقول الشاعر الجاهلي ثابت بن جابر:
ولا أتمنى الشر والشر تاركي ولكن متى أحمل على الشر أركبِ
ولست بمفراحٍ إذا الدهر سرَّني ولا جازعٍ من صرفه المـــــــتقلبِ