|
إلى قافلة الكبار من الراحلين إلى كنف الرحمن، انضم القاضي علي ابو الرجال .. رجل التوثيق والارشفة والتصنيف الأول في اليمن رحمة الله تغشاه.. رحل وترك فينا جهدا كبيرا وارثا هائلا من الوثائق السياسية والمكاتبات الادارية لحقب مختلفة وهامة من تاريخ الوطن، التي كادت الذاكرة اليمنية ان تفقدها، وكاد النسيان يطويها لولا مثابرة وجهد واجتهاد علي ابو الرجال.
استحق بجدارة ان يصبح رجل التوثيق الاول في اليمن.. فهو لم يكتف بالبحث عن الوثائق بل فرز وصنف وارشف، وهو من بنى المركز الوطني للوثائق طوبة طوبة ورفافا ووثيقة وثيقة ليصبح مرجعا مهما للمؤرخين والباحثين في تاريخ اليمن السياسي وتطور المعاملات الادارية والقانونية..
لم يكن لليمن أرشيف اداري وسياسي مرتب ومنظم قبل ابو الرجال .. بدأ الرجل رحلته مع الأرشفة والتوثيق باهتماماته المبكرة بالمندثر من أمهات الكتب والمخطوطات والرقوق اليمنية القديمة، ولم يكن المكان الأكثر أمننا لاي وثيقة أو مخطوطة الا تحت يدي ابو الرجال والمركز الذي يديره ويشرف عليه ويعرف بخباياه..
اليد الأحن: في صباح احد ايام صيف العام 2002 حينما كنت معنيا بادارة العمل الثقافي، اعيدت إلى بلادنا إحدى مخطوطات "التواراة اليمنية" القديمة من لبنان بعد ان كانت قد هربت اليه، وكان الرئيس علي عبدالله صالح (رحمه الله) هو من أودعها في المركز الوطني للوثائق، الذي كنت مع القاضي علي في استقباله في ذلك الصباح المدون بأحرف حميرية مضيئة.
لم يكن غريبا أن يختار الرئيس علي ابو الرجال والمركز الوطني للوثائق مكانا لأحد اندر وأهم المخطوطة اليمنية رغم وجود "الدار اليمنية للمخطوطات" و"مكتبة الأوقاف" و "مكتبة الجامع الكبير" بصنعاء، وكلها مختصة بحفظ الرقوق والمخطوطات.. ذلك لأن يدي القاضي علي ابو الرجال (رحمه الله) كانت هي الاحن والارفق ومركزه هو الأكثر أمنا وحصانة..
عرفت القاضي علي (رحمه الله) من خلال معرفتي بشغفه بالعلم وهوسه بالتنقيب عن امهات الكتب والغوض في ثنايا المخطوطات ..
كنت ذات يوم على موعد في "دار المخطوطات" مع ثلاثة من كبار الثقافة والعلم في اليمن القاضي علي ابو الرجال والقاضي إسماعيل الاكوع واستاذ الثقافة وابي الاعلام الاستاذ احمد قاسم دهمش..
في ذلك اليوم عرضت بالتشاور مع ثلاثتهم خطة لتطوير وتوثيق وترميم وتصنيف المخطوطات في المكتبات الخاصة ببيوتات العلم والثقافة على مستوى الوطن .. كانت الفكرة تتلخص في التالي:
الاول: حث الاهالي على القيام بأحد امرين:
1. الحفاظ على مكتباتهم الخاصة واثرائها بما يمكن جمعه وحيازته من المتناثر في المحيط.
2. تسليم ملاك المكتبات الخاصة لمحتوى مكتباتهم إلى "دار المخطوطات" - ان رغبوا - على ان يخصص لكل منها حيزا باسم اصحابها أو ملاكها موثقة ومصنفة ومؤرشفة. الثاني:
- تتولى وزارة الثقافة مهمة تحديث وبناء المكتبات الخاصة في أماكنها بطريقة أكثر ملاءمة وحداثة للحفاظ عليها من التسرب والاندثار.
- 2. تتحمل وزارة الثقافة القيام على عاتقها مهمة ترميم المتهالك من المخطوطات في هذه المكتبات وفي اماكنها.
- 3. تشكل فرق خاصة للنزول الميداني والقيام بالفرز والتصنيف والفهرسة لكل مكتبة على حدة، ومنح الملاك نسخة من كتيب الثوثيق والفهرسة لمكتباتهم.
- استحسن ثلاثتهم المشروع، فتحمس له كثيرا الاستاذ احمد دهمش وكان يرى انه يحتاج الى امكانيات فقط، بينما شكك القاضي إسماعيل الاكوع في امكانية اقناع اصحاب المكتبات به فقال "ومن عيقرا لعريج خطها"، أما القاضي علي ابو الرجال فكان رأيه ان " الفكرة وجيهة لكنها صعبة التنفيذ ..
- اصحاب المكتبات يرون انهم يقفون على كنوز، وما عيسمحوش لاحد يقترب منها".
- كان القاضي علي ابو الرجال لصيقا بكتب الثقافة والتراث بصورة خاصة، وكان على دراية بمشاكلها والتعامل معها.. ولعل ذلك كان هو الطريق الذي حقق به قفزة نوعية في مجال التوثيق الوطني. عرفت القاضي علي ابو الرجال مثقفا ملما، ومجتهدا مثابرا .. دمث الاخلاق، متعاون ومتواضع ..
- ينظر للمستقبل من خلال الأخذ بيد الشباب والمراهنة عليهم، لم اشهد عليه الا سمو النفس، وطهارة السريرة، ونظافة اليد واللسان..
- رحمه الله القاضي علي ابو الرجال رحل وترك واءه مهمة كبيرة وصعبة لمن سيخلفه في المركز الوطني للوثائق الذي بناه رفا برف وورقة بورقة ووثيقة بوثيقة.
- د. عبدالوهاب الروحاني
في الأحد 14 أغسطس-آب 2022 08:33:20 م