|
في افتتاح مؤتمر ذروة النفط الأسبوع الماضي، والذي عقده منتدى العلاقات العربية والدولية في الدوحة، تحدث الدكتور محمد الأحمري رئيس المنتدى حديثا هاما، كان تركيزه منصبا على أهمية النفط كمصدر للطاقة في بلادنا، وكيف يمكن أن يسهم في النهضة المنشودة. كلمة الدكتور كانت مؤثرة وصادقة وصادمة أيضا، التقاطات كثيرة أوردها تستحق التوقف طويلا، منها أن الدراسات في مجتمعاتنا حول ابن تيمية، العالم الحنبلي المتوفى في سنة 728 من الهجرة، أكثر من الدراسات النفطية، وهذا ما أكده لاحقا الدكتور صبري قيس، مشرف أبحاث قسم الحسابيات والنظريات في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، إذ أورد في ورقته شاهدا على ذلك بأن أكثر من 60 بالمئة من شهادات الدكتوراه في السعودية عام 2005، كانت في مجال الدراسات الإسلامية، ونحن نتحدث عن البلد الذي يرقد فوق أكبر احتياطي للنفط في العالم، ويعد أكبر منتج له في السوق العالمية، ويشكل أكثر من 90 بالمئة من صادراتها!
نقلت عبارة الأحمري –المهمة- في صفحتي على موقع تويتر، حدث تفاعل لافت مع مضمون الفكرة، وأعيد نشرها كثيرا، أبرز الردود من الصديق العزيز فهد العجلان، والذي قال إن الدراسات حول نقد ابن تيمية أكثر من الدراسات النفطية، وهذه العبارة ليست مناكفة فكرية معتادة بين تيارين ورؤيتين في مجتمعنا، إنما رد على اتهام النخبة السلفية -وحدها- بالانشغال في التراث، فالذين يتهمونها بذلك يمارسون العمل نفسه، هم لا يبتعدون -حسب رأي العجلان- عن مسألة التراث والانشغال الزائد بها، وهم بشكل أو بآخر يعززون حالة الجدل والانهماك الفكري في مسائل تاريخية محددة، ولا يقدمون دراسات نفطية!
هل نتفق على أن الانشغال بالدراسات الإسلامية بشكل يفوق غيرها مسألة خاطئة؟ وأن تخصيص كل هذا الجهد والوقت والمال والجامعات لدراسات الفقه والعقيدة وأصول الدين، أمر لا يخدم المجتمعات ولا يسهم في تقدمها، وقبل أن يسل أحدهم سيف عباراته واتهاماته، لاحظوا أننا لا نتحدث عن عدم فائدة هذه الدراسات وأهميتها، في الغرب المتحضر والمتقدم أقسام مهمة لدراسات الأديان ومقارنتها وتاريخها، لكن الأمر يختلف في جزئيتين، دراسة الأديان هناك مسألة علمية تشهد انفتاحا كبيرا في التناول والاستنتاج، أنت تبحث من أجل الحقيقة وليس من أجل إثبات الحقيقة المعتدة وطنيا، بخلاف ما يحدث لدينا، المسألة هنا مسيسة ومؤدلجة بالكامل، أنت لا تبحث إلا فيما يسمح لك البحث به، ولا تصل إلا للاستنتاجات التي توافق الراعي السياسي لهذه الأيديولوجيا الدينية، مسارك محدد من اللحظة الأولى وحتى نيل الدرجة العلمية المنشودة، وإن خالفت ذلك تنضم لقائمة المُتقاعدين مبكرا، الأمر الآخر الذي نختلف به هو الكم، ما لدينا من جامعات دينية وأقسام أخرى دينية في الجامعات الاعتيادية يتخطى المعقول، حتى تجاوز عدد حاملي شهادة الدكتوراه في الإسلاميات النصف من الخريجين، كما ورد بداية المقال.
حدث هذا الأمر بفضل رجل السياسة ورجل الدين، وما نشأ من مصالح مشتركة كبيرة بينهما، وهذه مصيبة بحد ذاتها، والمصيبة الكبرى أنه حدث على حساب أشياء أخرى، تم تهميش كل مصالح المجتمع لحساب هذا التحالف، وفي مجتمعات نفطية لا تعرف مصدرا للحياة غيره، لا يعرف الناس ما هو النفط، ولا كيف يستخرج، وكيف يصدر، ولمن، وكيف، وبكم من الكميات، ولماذا، وما خطورة أو فائدة ذلك، لا يعرف الناس أشياء كثيرة عن مصدر قوتهم وتميزهم الوحيد في عالم اليوم، وهنا يكون التساؤل حول ابن تيمية وكل رصيد التراث من علماء وقضايا وأحكام وفتاوى وغيرها، من الأهم وما هو الأكثر فائدة؟ هل يجب علينا أن نغرق في القضايا الخلافية في التراث، ويكون انشغالنا الرئيسي في إثبات صحة هذا الموقف أو ذاك.
لا أتمنى أن يصور أحد الأمر على أنه عداء للدين، أو رغبة بتجاهل الدراسات الدينية، وأن يجعله صراعا بين الحق والباطل، وكرها للعلماء ورجال الدين، أو الادعاء الزائف بأن دراسة الدين والاهتمام به لا تكون على حساب الأشياء الأخرى، إن كل ما نفعله هو العيش في الماضي، وتجاهل كل التحديات التي تواجهنا في عالم اليوم، والميل للأسهل والأكثر إثارة، وتحويل مجتمع شاب ومتطلع إلى مجموعة حفظة ومرددين لا أكثر.
في الثلاثاء 09 إبريل-نيسان 2013 09:27:43 ص