|
إذا كتبنا عن منهج السلفية علّق علينا البعض بأن هذه تقية منا، وما الحامل لنا على التقية؟ وما الداعي لأن نتنكّر للسلفية في الباطن ونقر بها في الظاهر؟ ونحن والحمد لله عشنا على منهج السلفية من الطفولة إلى الشيخوخة اعتقادا ودراسةً وتعليما فوجدناها كالماء الزلال والعسل المصفّى ثم إن من يقرأ مذهب السلف ويقارنه بغيره يظهر له الفرق الواضح والبون الشاسع بين الحق والضلال والرشد والغي، فمذهب السلف يقوم على العلم بالحق والعدل مع الخلق وليس فيه غموض ولا التباس ولا تزوير ولا تدليس لأنه هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في المعتقد والعبادة والأخلاق والآداب، وقد تعلّمنا عدم التعصّب للأشخاص من الأئمة والعلماء، بل طلب الحق بالدليل فالحق يُعرف ببرهانه لا بالرجال وليس عندنا معصوم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام أما غيره من أفراد الأمة كائنا من كان فيؤخذ من كلامه ويُرد، ولكن العجب من الذين لا يقبلون الحق ممن قاله فإن تكلمنا في الأسماء والصفات على نهج السلف قالوا: لهم كلام آخر يناقض هذا الذي قالوه، وإن كتبنا في البيعة والولاية والطاعة على مذهب السلف قال البعض: هم على رأي الخوارج لكنهم كتبوا هذا تسترا وتقية، مع أنه لا يطلع على النيّات إلا الله ولا يعلم السرائر إلا الواحد القهّار، حتى سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم قبل من الناس ظاهرهم ووكل سرائرهم إلى الله وقال: «إني لم أومر ببقر بطون الناس ولا بشق قلوبهم»، والسلفية عندنا لم نعتقدها بالإكراه بل بالرضا والحب والإقناع فدراستنا في الابتدائية والإعدادي والتوجيهي والجامعة والماجستير والدكتوراه كلها على كتب السلف بالأدلة الشرعيّة من الكتاب والسنة مع دراسة أقوال المخالفين لهم بأدلتها ومناقشة ذلك بالدليل والبرهان والمنهج العلمي، فما هو الحامل لمن هذا منهجه أن يستبطن غير ما يظهر وأن يُسرّ غير ما يعلن، وفي مجتمع المسلمين أصلا من يتظاهر بالكفر جهارا نهارا ومنهم من يستهزئ بالدّين عيانا بيانا وهو على غي وضلالة وانحراف وجهالة ومع ذلك لم يخف أحدا ولم يخجل من بشر ولم يراقب خالقا فكيف يأتي طالب علم شاب رأسه في طلب الدليل وسلوك الجادة وتحصيل الحق ليُعلن للناس خوفا منهم ما لا يعتقده أصلا، ولقد عرفتُ في حياتي من ينكر القرآن جملةً وتفصيلا ويرى أنه ليس من عند الله وسمعتُ من يرد السّنة كلها ويكتب ذلك ويؤلف فيه مجاهرا به غير مستخفٍ ولا متستّر مع قلة الأعوان ومظنّة المحاسبة والعقاب ولكنه يستمر على غيّه من غير وازع ويثبت على ضلاله بلا رادع، فإذا جاء من اقتنع بالنهج الصحيح والمذهب السليم وأعلن ذلك اتُهم بأن ذلك من باب التقيّة ليسلم من مغبّة ذلك وينجو من عاقبة ما قال مع أنه إلى الأمن أقرب وإلى السلامة أرجى، وأنا آمل من كل من له ضمير من أبناء الملّة وأتباع الديانة أن يأتي هو لدراسة منهج السلف من أصوله المعتبرة كتابا وسنّة صحيحة ويقرأ ما كتبه علماء القرون الثلاثة الأولى: الصحابة والتابعين وتابعيهم رائده في ذلك طلب الحق وتجريد النيّة لمرضاة الله والإلحاح في الدعاء واللجأ الصادق إلى علاّم الغيوب ومفرج الكروب في أن يلهمه رشده ويقيه شرّ نفسه بعدها سوف يُدرك عظيم المنّة في الهداية إلى الصراط المستقيم والنهج القويم ويعلم أن ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو ما يريده الله من عباده وما أمرهم الله به وما نهاهم عن سواه حينها يعض عليه بالنواجذ ويشرب في قلبه حبّ هذا النهج الربّاني والهدي النبوي ويرى أنه المقصود بهذه الآية الفريدة في كل ركعة من الصلاة: (اهدنا الصراط المستقيم)، وهو اعتقاد الحق والقول به والعمل به في الإيمان والإسلام والإحسان وكل شأن من شؤون الدنيا والآخرة وهذا الصراط هو الذي تركنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعانا إليه وحذّرنا مما سواه ولسنا هنا نلزم الناس ونوجب عليهم مذهب الأحناف أو المالكية أو الشافعية أو الحنابلة فهذه المذاهب مذاهب فقهية يختلف أصحابها في الفروع وهم مأجورون على الاجتهاد مشكورون على النصيحة للأمة، وإنما الواجب اتباع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وحده كما قال صلى الله عليه وسلم: «من رغب عن سنّتي فليس مني»، وقوله: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي».
في الجمعة 24 فبراير-شباط 2012 05:22:44 م