لم تعد تسمية الضاحية الجنوبية تعبيرا عن المشروع الإيراني في المنطقة العربية مجرد رمزية وترميز بقدر ما غدت واقعا حقيقيا يأخذ أبعاده الحقيقة والمتخيلة على أرض الواقع العربي الممزق، مشروع متكامل الأركان، لديه رؤى واستراتيجيات وخطط تكتيكية بديلة، لك مرحلة ومكان وزمان، كما تتجلى عنه اعتمالات اللحظة اليمنية الراهنة على الأقل.
فلم تسقط صنعاء في 21 سبتمبر أيلول 2014م بفعل قوة هذه المليشيات الطائفية، وقدرتها العسكرية الكبيرة، بقدر ما سلمت لها صنعاء تسليما على وقع اشتغال إعلامي وسياسي تخديري خطير و كبير لفترة طويلة سبقت هذا السقوط المدوي ليس لصنعاء فحسب بل للمشهد العربي الراهن كله في كل عواصم القرار العربي التي حسب البعض أنه سيكون بمنأى عن مثل هذا السقوط الذي غض الطرف عنه البعض أو صمت عنه البعض الآخر.
فما يجري اليوم يمنيا، بعد فشل مشروع الخطة "أ" وهو مشروع الانقلاب الطائفي والتهام اليمن، من قبل هذه المليشيات الطائفية الإيرانية، والذي بدأ بإسقاط صنعاء "تسليما" كما قلنا على وقع معارك إعلامية وسياسية ساخنة، تمكن هذا المشروع من حصد ثمارها، تلك المعارك التي خاضتها قوى الثورة والثورة المضادة معا ضد فصيل سياسي يعد هو الحامل الأكبر لمشروع ثورة فبراير ممثلا بالتجمع اليمني للإصلاح، الذي تم شيطنته وتقديمه كـ"سارق" لثورة فبراير وحاصد مغانمها الوحيد، هذا الطرح الذي اشتغلت عليه أبواق الثورة المضادة والذي انساق معه قطاع كبير من شركاء الإصلاح في الثورة، وفي اللقاء المشترك تحديدا.
صحيح أن الإصلاح انحنى لرياح عاصفة الانقلاب حينها، تحت وقع تلك المعارك الإعلامية التي قدمته بأبشع أوصاف الانتهازية السياسية واللصوصية، التي كشفت ظهره لمؤامرة كبيرة، انطلت على شركائهم الانتهازيين في الثورة إن لم يكونوا شاركوا فيها فعلا، الذين كانوا على تنسيق كبير ومسبق مع مخططي ومعدي مشروع الضاحية الجنوبية التي كانوا يطيرون إليها في طريقهم لطهران زرافات ووحدانا.
إلا أن غبار ذلك المخطط انقشع على غير ما وعد شركاء “الغفلة” الانقلابية، حيث سطت مليشيات مشروع الضاحية على كل شيء وكشفت عن قناع أخر غير ذلك القناع الذي قدمت به نفسها للشركاء الانقلاب كقوى ثورية صاعدة وفتية تسعى نحو تحقيق مشروع الدولة المدنية، الذي يقف إصلاحيو الثورة عقبة في طريقه وبإزاحتهم ستتحقق الدولة المدنية من تلقاء نفسها واتوماتيكي كما هو في "ملازم حسين الحوثي" وتفسيرات الصرخة الحوثية التي حج إلى ضريحها كل مثقفي اليسار واليمين والوسط إيمانا منهم بالحتمية الديماغوجية الدولة المدنية " الإمامية" المأمولة.
لن نطيل كثيرا هنا، فكل شيء أصبح مكشوفا أمام الجميع، فقط ما أعادني لتلك اللحظة هو ما يجري ويعتمل حاليا وبتكرار حرفي غبي مكشوف، من شيطنة للفصيل الثوري والمقاوم الأبرز في معركة إسقاط الانقلاب واستعادة الشرعية، وهو فصيل تجمع الإصلاح الذي قدم ويقدم خيرة شبابه وقياداته وكوادره في هذا المعركة المصيرية للدفاع ليس عن اليمن فحسب وإنما المنطقة العربية كلها، ومع هذا يتم شيطنته بحملة إعلامية رخيصة ومكشوفة، بغرض حرف مسار المعركة الوطنية وتوجيهها نحو صراعات جانبية وهامشية يساعد الانقلاب والانقلابيين ومشروع الضاحية كله أن يستعيد أنفاسه التي أوشك على لفظها تحت وقع ضربات المقاومة الوطنية والتحالف العربي الذي تشكل بلحظة من أغرب لحظات الخيال الأسطوري الجامح.
فما جرى و يجري في عدن من محاولة انقلابية مكشوفة على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي لم يكتب لها النجاح ولم يكتب لها الفشل حتى اللحظة، بالنظر إلى توافر كل عوامل الانقلاب واستمرارها تهديدا حقيقيا لشرعية الرئيس هادي وهدف التحالف العربي أيضا ، والتي اتخذت لها من تجمع الإصلاح عنوانا للتغطية على مشروع الانقلاب كما اتخذت لها نفس العنوان في انقلاب 21 سبتمبر بصنعاء الذي لم تدفع اليمن وحدها ثمنه باهضا ولا زالت حتى اللحظة بل المنطقة العربية كلها.
باختصار شديد، إن مشروع الضاحية بعد أن فشل عسكريا في التهام اليمن و من ثم التوجه خليجيا، ها هو يلجأ للخطة "ب" والتي ترتكز بدرجة رئيسية لشق حالة الاصطفاف الوطني يمنيا خلف شرعية الرئيس هادي لإسقاط الانقلاب واستعادة الشرعية، ودوليا وإقليميا برفع فزاعة الإخوانوفوبيا التي اسقطوا فيها مصر وليبيا واليمن من قبل، تلك الفزاعة التي يجيد مشروع الضاحية الجنوبية العزف عليها، باعتبار الإخوان حائط صد رئيسي في وجه هذا المشروع المازوخي "الفارسي" بغطائه الطائفي الفاقع.
ولهذا لم يكن مستغربا الهجوم الكبير من قبل محافظ العاصمة المؤقتة عدن ضد فصيل ساهم بدرجة رئيسية في تحرير هذه المدينة من قبل مليشيات الضاحية، وكما ساهم في كل معارك التحرير الوطني ضد عصابة الانقلاب وحتى هذه اللحظة، عدا عن تلك الحملة الإعلامية المنظمة التي تسعى لشيطنة هذا الفصيل وتقديمه كخطر وجودي على اليمن والمنطقة وليس مشروع الضاحية الجنوبية الإيرانية الذي تصالحوا معه باكرا ونسوا كل شهداء وتضحيات اليمنيين التي لا زلت تقدم قرابينها حتى اللحظة لصد هذا المشروع الإيراني المافوي الذي لا زال وسيظل تهديدا وجودا للمنطقة العربية كلها متقدما في خطورته المشروع الإسرائيلي ذاته.