(1)
يجتمع اليمنيون، الشرعي واللاشرعي في الكويت، وجهاً لوجه، بحثاً عن مخرج من المأزق الذي يعيشه المجتمع اليمني، تحت إشراف الأمم المتحدة، عبر وسيطها إسماعيل ولد الشيخ.
(2)
مضى عام ونيف على انطلاق "عاصفة الحزم" لتحرير جمهورية اليمن من البغاة، عبر تحالفٍ يجمع بين الحوثي وعلي صالح، وعودة الشرعية إلى مقرها في العاصمة صنعاء، لإدارة الدولة وتحقيق الانسجام الاجتماعي بين أفراد الشعب اليمني، شماله وجنوبه، تهمه (جمع تهامه) وسراته. والحق أن عاصفة الحزم حققت بعض الإنجازات المهمة، منها القضاء على السلاح الاستراتيحي الذي يمتلكه فرق الباغين على السلطة، كي لا يهدّد أمن دول مجلس التعاون، وقضت "عاصفة الحزم"، أيضاً، على نزوع إيران إلى التوسع نحو جنوب الجزيرة العربية، لتطويق منظومة مجلس التعاون الخليجي من الشرق، ومن الجنوب، ومن الشمال عبر العراق، واستطاعت العمل مع الجيش اليمني والمقاومة الشعبية لحماية القيادة العليا في الحكومة الشرعية عند عودتها، ولو جزئياً، إلى العاصمة الثانية (عدن).
(3)
حاولت، بكل وسائل المعرفة، أن أفهم عدم استطاعة قوى التحالف (13 دولة)، بأسلحتها البرية والجوية والبحرية، القضاء على مليشيات التحالف الثنائي (صالح ــ الحوثي). المعروف أن الهزيمة العسكرية لأي جيش يحارب على أكثر من جبهة محققة، وقوى التحالف الثنائي تحارب في كل الجبهات، وتحقق انتصاراتٍ ولو جزئية. قوى التحالف العربي، أو إن شئت الخليجي، قوة ضاربة تحارب مليشياتٍ شبه نظامية، لماذا لم تحقق النصر الشامل في مدة قصيرة؟ لماذا يتأخر تحرير تعز؟ قد يقول قائل إن طبيعة اليمن الجغرافية صعبة، وإن مسلحي الحوثيين وصالح يحتلون قمم الجبال، ولا تستطيع قوى المشاة النظامية الوصول إليهم، إلا بخسائر فادحة في الأرواح، وإن قوى التحالف لا تريد إلحاق الضرر بالإنسان. هذا القول مردودٌ عليه، فالحوثيون يحاربون بدبابات وراجمات صواريخ وعربات حمل الجنود وعربات مدفعية ثقيلة، لكن منطقة الجوف ومأرب تعتبر أراضيَ مفتوحة، فيها بعض المرتفعات والأخاديد، لكنها ليست مستعصية على الجيوش النظامية، لأنها تملك سلاح الدبابات والمدرعات وناقلات الجند. وتحت إمرتها طائرات الأباشي المقاتلة إلى جانب الطائرات الحربية، فهل هذا تقصير من القيادات العسكرية، أو عدم خبرة قتالية لدى هذه القوات، أو أن القرارات السياسية تتدخل في سير العمليات القتالية. أذكر أن القرار السياسي تدخل في عمليات حرب 1973 ضد إسرائيل، وألحق هزيمة بالجيش المصري، بعد ما حقق انتصارات على الجيش الإسرائيلي في سيناء.
"هناك مدرسة إيرانية متخصصة في فن التفاوض، درّبت الحوثيين تدريباً من شأنه هدر الزمن اليمني، وتدويخ مفاوضي السلطة، والانحراف بهم عن المقاصد النبيلة التي ينعقد من أجلها مؤتمر الكويت"
الرأي عندي أن قوات التحالف العربي في مواجهة قوات الحوثي وصالح، وأخص بالقول الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، ينقصها السلاح النوعي والمال والإرادة السياسية عند قوى التحالف لتحقيق النصر. الاعتماد على القبائل في حروبٍ نوعية، كما الحال في اليمن، لا يحقق النصر، ولو دفعت أموال قارون. وقد جرّبنا هذه الحرب سابقاً واليوم. وعلى ذلك، فإن أردنا النصر المبين، علينا تقوية مؤسسات الدولة الشرعية وجيشها النظامي بالمال والسلاح النوعي، وعمليات الاستطلاع المدربة. والقول إن القوة المسلحة لن تحقّق النصر، وعلينا اللجوء إلى العمل السياسي، مردود عليه أيضاً، إذ حقق العمل العسكري الإسرائيلي في فلسطين والجولان انتصاراً للجيش الإسرائيلي ما زال قائماً منذ 1967، ولم يُجد التفاوض منذ 1993 مع الإسرائيليين نفعاً.
(4)
هناك قصور في الأداء السياسي من الحكومة الشرعية، إذ انكبت على خلافاتها البينية، وتركت الساحة الدولية للوبي حوثي ــ إيراني، يحرّض البرلمانات الغربية، بما في ذلك البرلمان الأوروبي ضد "عاصفة الحزم" وإظهارها دولة معتدية. وكنت أتمنى لو أن الرئيس عبد ربه منصور هادي تفرّغ للعمل الدبلوماسي على الجبهة الخارجية، بالاتصال بزعماء العالم، ويفرّغ وزراءه للتنقل بين عواصم الدنيا، ليشرحوا المسألة اليمنية ودور"عاصفة الحزم" للعالم الخارجي عن طريق برلماناتهم ومؤسسات المجتمع المدني، والتأكيد على أن "عاصفة الحزم" دُعيت من السلطة الشرعية، لنصرة الحكومة الشرعية، وليست اعتداءً، كما يُشاع في الغرب. كنت أتوقع أن توظف السلطات اليمنية السيدة توكل كرمال، الحاصلة على جائزة نوبل، لتقوم بالدور مع زملائها حملة الجائزة، ومع برلمانيين يمنيين يجوبون أوروبا وكندا والولايات المتحدة، لشرح دور "عاصفة الحزم"، قوةً دعيت لتحقيق عودة الشرعية، بموجب اتفاقياتٍ مع الحكومة اليمنية الشرعية، وشرح التدخلات الإيرانية في الشأن اليمني. استطاع الحوثيون والإيرانيون استصدار قرار من البرلمان الأوروبي، يدين دول التحالف، وخصوصاً السعودية، لوجودها في اليمن لمساعدة الحكومة الشرعية. ماذا كان رد فعل حكومة الرئيس هادي؟
(5)
عودةً إلى مؤتمر الكويت، هناك مدرسة إيرانية متخصصة في فن التفاوض، درّبت الحوثيين تدريباً من شأنه هدر الزمن اليمني، وتدويخ مفاوضي السلطة، والانحراف بهم عن المقاصد النبيلة التي ينعقد من أجلها المؤتمر، تارَة حول جدول الأعمال، وأخرى حول قضايا جوهرية، بغية الابتعاد عنها، واستدراج مفاوضي السلطة إلى الدفاع عن مواقفهم، وسيبقون يدورون في حلقةٍ مفرغة. يوافق الحوثيون وصالح على تسليم السلاح الخفيف والثقيل للحكومة والانسحاب من المدن، كما جاء في قرار مجلس الأمن، لكنهم يشترطون نوع الحكومة، وليست الحالية، وغير ذلك من عراقيل يضعها الحوثيون وصالح. وأتمنى من قلبي ألا يسمح الصديق خالد بحاح باستغلاله، والزجّ به في هذه المعركة الخاسرة، فاليمن فوق الجميع، والمناصب تأتي وتزول.
آخر القول: لن يعود الحوثيون وصالح إلى طريق الحق إلا بالقوة المسلحة معهم، وليس بالجدل التفاوضي، ومطلوب من "عاصفة الحزم" حماية الشرعية، وتزويد مقاتليها بالمال والسلاح النوعي.