|
ومن الظلم القول إن كل القمم العربية تشبه بعضها بعضاَ... فقمة الدوحة مثلاً تتميز عن غيرها من القمم السابقة، بالعديد من المزايا الدرامية... أولها بأنها كانت أرشق إيقاعاً من سابقاتها... ولو أخذنا هذا الإيقاع بالمقاييس التلفزيونية، على اعتبار أن شاشات التلفزيون هي الناقل لمجريات هذه القمم، للاحظنا أن قمة الدوحة آثرت أن تنجو بنفسها من تهمة المطمطة والتطويل، ولهذا أرادت أن تفاجئ مشاهديها ببث شارة الختام، قبل أن يتسرب إليهم شيء من الملل، وبالتالي تضطر 'الجزيرة' لأن تنقل كما فعلت أثناء قمة الرياض العادية قبل عامين- صوراً للشارع العربي وهو يتابع مجريات الجلسة الختامية على وقع أحجار النرد ولعب الورق في المقاهي التي لم يكن يخلو واحد منها من جهاز تلفزيون مفتوح على القمة!
وقمة الدوحة تمتاز بمزايا درامية أخرى، مبنية على (سوء تفاهم ارتجالي) كما حدث في مداخلة الأخ القائد معمر القذافي، الارتجالية التي ظن رئيس القمة، أنها ستكرس للهجوم على أخيه العاهل السعودي الملك عبد الله، قبل أن يتبين له أنها تدعوه للصلح، فتنفس الصعداء، وانفرجت أساريره وعلت نبرة التصفيق.... فقد مر سوء التفاهم الدرامي بسلام، بل وتحول إلى 'إيفيه' مثير في عناوين نشرات الأخبار على المحطات الفضائية!
وقمة الدوحة تميزت باتخاذ قرارات أشبه بالنهايات الدرامية المفتوحة... فهي أعلنت تضامنها مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير ضد قرارات المحكمة الجنائية الدولية، ورفضها لها، لكنها لم توضح لنا ما هي الآلية التي سيتبعها الزعماء العرب لتفعيل هذا التضامن... وبالتالي تركت لخيال المشاهد أن يخمن من عنده كيف سيترجم هذا التضامن إلى آلية عمل على أرض الواقع، وخصوصاً أن اقتراح رئيس جزر القمر منح الرئيس البشير جائزة للسلام نكاية بهذه المحكمة الجنائية الباغية، لم يعره أحد أي اهتمام!
وقمة الدوحة قدمت لنا مثالا طيباً على أن الدراما ليست حالة صراع كما كنا نظن، بل هي حالة تصالح أيضاً... وأن بعض المصالحات قد تكون أكثر درامية من أقوى حبكات الصراع في مسرحيات شكسبير، وخصوصاً إذا كانت هذه المصالحات خارجة عن أي مبررات ومعطيات درامية يمكن أن يُمهَد لها في السياق!
وقمة الدوحة أثبتت لنا نحن المشاهدين المدمنين على الجلوس أمام التلفزيون في السراء والضراء، أن شكل القمم يتطور، ليس بفعل تطور العقل السياسي العربي، ولا محاولة النظام السياسي العربي إصلاح أخطائه، أو الارتقاء بأدائه العام وتحالفاته القومية والإقليمية بما يجعل منه قوة إقليمية قادرة على مواجهة التحديات... بل بفعل تطور الدراما التلفزيونية العربية، وأساليب كتابها ومخرجيها ومهارات ممثليها، وهو ما بات يشكل حالة إلهام لكثير من السياسيين العرب... وخصوصاً أثناء (تمثيل) شعوبهم وبلدانهم في القمم!
الموت عطشاً في الفاو: قضية تستحق المتابعة!
التقرير الذي بثته قناة 'العربية' في برنامج (من العراق) تحت عنوان: (إيران تميت الفاو عطشاً وتغرق شط العرب بالملح) ثم حولته إلى خبر رئيسي في نشراتها الإخبارية في اليوم التالي، يحفل بمعلومات خطيرة ومؤثرة عن الحالة الإنسانية والبيئية التي يعيشها العراقيون اليوم في منطقة (الفاو) أحد أكبر الأقضية في محافظة البصرة، فهو ينذر بكارثة إنسانية ستقضي على كل أشكال الحياة وتشرد آلاف العائلات، وذلك بعد قيام إيران بتحويل مجرى نهر قارون العذب، الذي كان يصب في شط العرب، نحو الداخل الإيراني... الأمر الذي أدى إلى تدني نسبة المياه العذبة في شط العرب، وإلى دخول ماء البحر المالح إلى ستين كيلو متراً داخل مجراه... فبلغت نسبة الملوحة في شط العرب حدوداً غير معقولة، وأتت حتى الآن على آلاف الهكتارات الزراعية والمواشي وعما قريب السكان، بعضهم تركوا منازلهم وهاجروا فعلاً.
صور مؤلمة فعلاً لأراض زراعية أكلتها الملوحة، فحولتها إلى أراض خربة، وحرمت حتى الحيوانات من طعامها لأن الأرض لم تعد تنبت عشباً!
وقد أوضح وليد الشريفي (قائم مقام الفاو) في التقرير: أن نسب الملوحة في قضاء الفاو وصلت إلى (42) مل تقريباً، بينما الاستهلاك البشري هو من 3-5 مل... الأمر الذي دفع الأهالي إلى الطلب من الحكومة اعتبار (الفاو) منطقة منكوبة... وسكانها في (الرمق الأخير) على حد تعبير أحدهم!
لو أن إسرائيل فعلت مثل هذا الأمر، كما قامت غير مرة بتلويث مياه نهر الأردن، لقلنا إنها (إسرائيل) الكيان العدواني الغاصب، الذي لا يرعى حرمة الجوار، ولا يعرف معنى ولا قيم العيش المشترك، لأنها في الأساس زرعت في هذه المنطقة زرعاً، دون أن تكون أي جذور تاريخية لها فيها... لكن أن تفعل إيران ذلك، تجاه دولة جارة، تربطها بها قيم الجوار والدين الواحد، فإن الأمر يبدو غير مفهوم، وهو أكثر من مستهجن!
قضية (الفاو) تستحق متابعة إعلامية شاملة، فـ (العربية) لم تستضف أي طرف إيراني لتوضيح ما يحدث لا في برنامج (مع العراق) ولا في نشرات الأخبار تالياً... وإننا نتمنى أن يكون ما حدث أمراً غير متعمد... حتى لا نصدق الدعاية الغربية المغرضة عن مطامع إيران، وعن نواياها تجاه جيرانها العرب... فنحن مازلنا غير مصدقين فعلا!!!
الرد على هيكل: المحاوِر مستمعاً!
الأزمة التي أثارتها حلقات (مع هيكل) تجربة حياة، والتي تحدث فيها عن الاتصالات السرية، بين الملك عبد الله الأول وإسرائيل، ثم بين الملك حسين بن طلال وإسرائيل... دفعت بالحكومة الأردنية لتقديم رد رسمي على ما قاله هيكل... عبر مقابلة أجراها مراسل قناة 'الجزيرة' في الأردن ياسر أبو هلالة، مع رئيس الوزراء الأردني الأسبق زيد الرفاعي... الذي تحلى بكثير من التوازن والهدوء وهو يرد على هيكل، وهذه ميزة تحسب له، لأنه تخلى عن الانفعال والشتائم وتسفيه الآخر... وإن لم يكن مقنعاً في كل ردوده، وخصوصاً في مسألة تبرير أن اتصال الملك عبد الله الأول بإسرائيل، كان بهدف إقناعهم بإقامة حكم ذاتي لهم تحت مظلة دولة عربية!!
شخصياً كنت أتمنى لو أن الرد كان بحضور هيكل، (عبر الأقمار الصناعية مثلاً) لأن السيد ياسر أبو هلالة، لم يكن محاوراً على الإطلاق، بل مجرد مستمع بأدب، وأحياناً كانت تحمل أسئلته قدراً كبيراً من الدفاع المسبق، أكثر مما سيقوله الضيف المدافع بدوره!
ناقد فني من سورية
mansoursham@hotmail.co
في الأربعاء 01 إبريل-نيسان 2009 08:25:13 م