مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟ دولة عربية تفرض الحجاب على جميع النساء اعتباراً من الأسبوع المقبل السعودية تعتزم إطلاق مشروع للذكاء الاصطناعي بدعم يصل إلى 100 مليار دولار سعيا لمنافسة دولة خليجية الفائزون في الدوري السعودي ضمن الجولة العاشرة من الدوري السعودي للمحترفين المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يكشف عن توقعات الأمطار والأجواء الباردة في اليمن مظاهرات في مارب وتعز تندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وتدعو الضمير العالمي إلى وقفة شجاعة مع غزة تحركات يمنية لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتكليف بوضع خطة التعافي إسقاط مسيرة أمريكية من طراز إم كيو-9 شمال اليمن
كان لافتا أن يحظى اللاعب المصري الشهير محمد أبو تريكة بفيض من الهتافات في ملاعب الكرة المصرية، من الجماهير المصرية ومن جماهير منتخبات عربية، خلال البطولة الأفريقية التي تقام في الملاعب المصرية.
والحال أننا إزاء ظاهرة غريبة؛ لأن النجم الذي نتحدث عنه اعتزل اللعب منذ سنوات، ما يدفع إلى التوقف أمام هذه الظاهرة للحديث عما وراءها.
في الحديث عن السبب المباشر وراء حضور أبو تريكة الدائم في مواقع التواصل، يحضر تاريخه العريق؛ ليس كلاعب مبدع وحسب، بل كلاعب يتميز بأخلاق عالية جعلت منه "أميرا للقلوب" كما لقبته الجماهير، لكن البعد الآخر الذي يحضر هنا هو مواقع التواصل الذي جعلته دائم الحضور بتعليقاته التي تعبّر عن ضمير الجماهير.
يتبدى البعد الذي يستوقفنا في القضية، وهذه الأيام تحديدا، بخاصة بعد تعليقه (أبو تريكة) على استشهاد الرئيس محمد مرسي
أما الأهم من ذلك راهنا، فيتعلق بمظلومية الرجل الذي تحوّل من "أمير القلوب" إلى شخص متهم بالإرهاب، من دون أن تثبت عليه أي تهمة من هذا النوع.
هنا تحديدا يتبدى البعد الذي يستوقفنا في القضية، وهذه الأيام تحديدا، بخاصة بعد تعليقه (أبو تريكة) على استشهاد الرئيس محمد مرسي، والذي استفز بعض مهرجي القنوات المصرية الذين أشبعوه هجاء من اللون المبتذل.
في تقديري أن الهتاف لـ"أبو تريكة"، كان في واقع الحال يتجاوز التعاطف معه أمام سيل الهجاء المبتذل؛ إلى التعاطف مع القضية التي تتم مهاجمته لأجلها، إن كان في بعدها القريب ممثلا في التغريدة المشار إليها، أم كان في بعدها الآخر ممثلا في اتهامه بالإرهاب.
إنه يتجاوز ذلك إلى الرغبة في الهتاف للرئيس الشهيد، ولكل المتهمين بالإرهاب ظلما، والذين تزدحم بهم السجون، وهو بدوره تعبير آخر عن رفض الواقع الراهن الذي تلا ثورة يناير.
جمهور النادي الأهلي المصري هو في واقع الحال قطاع من جمهور ثورة يناير التي تم اغتيالها، لكن قدرة هذا الجمهور على قول ذلك صراحة تبدو صعبة في أجواء الرعب التي يعيشها المجتمع، وفي أجواء يمكن للكاميرات أن ترصد أي شخص يهتف، ولذلك ذهب هؤلاء إلى هذا اللون من التعبير الذي يصعب على أجهزة الأمن أن تجرّمه.
لو كانت هناك فُسحة، ولو محدودة من الحرية، لكان بوسع تلك الجماهير أن تهتف لثورة يناير وللشهداء وللمعتقلين، لكن أجواء الرعب التي يعيشها المجتمع تحول دون ذلك.
في هذا السياق لم تعجبني مثلا تلك التعليقات في مواقع التواصل، والتي سخرت من الهتاف لـ"أبو تريكة"، معتبرة أنه كان عليها أن تهتف للشهيد مرسي، فيما يتجاهل أصحاب تلك التعليقات طبيعة الوضع الذي يعيشه البلد، والتي ستلقي بأي شخص في غياهب السجون لأجل تغريدة أو هتاف والأمثلة لا تحصى.
يحدث في واقع الشعوب أن يلوذ الناس بالصمت أو يلجؤون إلى أشكال مبتكرة من التعبير هربا من البطش. ويحدث ذلك حين تشعر تلك الجماهير أن الأجواء ليست مواتية لما هو أكبر، إن كان في البعد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وهذا هو الواقع في الحالة المصرية، وفي حالات أخرى مشابهة، كان التعبير الأكثر بلاغة من قبل الجماهير هو الصمت.
في دول خليجية ترك مئات الآلاف من الأشخاص مواقع التواصل، ومالوا إلى الصمت بعد أن اعتقل رموزهم، وشاعت أجواء الرعب، فكان الصمت هو تعبيرهم الأكثر بلاغة عن رفض الواقع الراهن، فيما لم تجد السلطات من بين ملايين المشاركين في تلك المواقع سوى حفنة صغيرة ممن يؤيدونها بأسمائهم الصريحة، وذهبت نحو تجنيد جحافل من الأسماء المستعارة كي يمارسوا لعبة التأييد، بجانب هجاء الناقدين (وهم غالبا من الخارج)، والتشنيع عليهم بالهجاء المبتذل.
المرحلة التي نعيشها في دول عديدة هي مرحلة انتصار للثورة المضادة، وإن كان انتصارا مأزوما، ومرحلة بطش بلا حدود، ولا غرابة في أن يلجأ الناس إلى شكل من أشكال التعبير الموارب، أو حتى الصمت، كي يعكس رفضهم للواقع الرهن، وانتظارا لتطورات تسمح لهم بما هو أقوى في سياق الرفض.
هو واقع لا يمكن أن يستمر بطبيعة الحال، فللشعوب لحظتها التي يفيض بها الكأس، وتعرف خلالها كيف تواجه الاستخفاف بضميرها ومطالبها، ولذلك يبدو التعويل على الحلول الأمنية وضخامة البطش ضرب من الرعونة، سيكتشف من يختارونه مدى رعونته في لحظة لا ينفع فيها الندم، ما لم يراجعوا مواقفهم مبكرا، ويتصالحوا مع شعوبهم.