الإعلام اليمني والحكم الرشيد
بقلم/ راجح بادي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 16 يوماً
الإثنين 07 فبراير-شباط 2011 09:16 م

تكمن أهمية الحكم الرشيد في أنه يعمل على تعزيز مشاركة جميع فئات المجتمع ومؤسساته وأحزابه المختلفة بإدارة الحياة العامة وتوجيهها، كما يعمل على خلق حالة من الشفافية والمساءلة في عمل جميع الإدارات والوزارات والمؤسسات، ويساعد في إيجاد هياكل ونظم قانونية وتشريعية ثابتة وعادلة، تعمل لتحقيق المصلحة العامة، هذا إلى جانب العمل على خلق حالة من التعاون والانسجام بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص بهدف تحقيق المصلحة العامة.

هناك عدة تسميات للحكم الرشيد مثل "الحكم الخيِّر" و"الحكم السليم" و"الحكم الراشد" و"الحكم الصالح". و"الإدارة الصالحة" أو "الإدارة الرشيدة" أو "الإدارة السليمة" وذلك من أجل تفادي الاصطدام مع أنظمة الحكم غير الديمقراطية في كثير من الدول وخصوصا في العالم العربي، فحتى عهد قريب وربما قبيل صدور تقارير الأمم المتحدة الإنمائية، كان المقصود بالتنمية هو النمو و التطور الاقتصادي، واستبدال التركيز من النمو الاقتصادي، إلى التركيز على التنمية البشرية والى التنمية المستدامة فيما بعد، أي الانتقال من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي وصولاً إلى التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، أي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، بالاستناد إلى منهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل.

إن الحكم الرشيد يرتبط بالتنمية من خلال توجه الحكم الرشيد لتلبية احتياجات ومصالح المواطنين وكذلك الاستجابة لمتطلباتهم الجديدة والطارئة، بما يشمل ليس فقط احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب فقط، بل كذلك احتياجاتهم من أجل تحقيق الرفاه ومن أجل توسيع خياراتهم وفرصهم وقدراتهم على تقرير المصير الفردي والجماعي سواء بسواء، وهو ما يشكل جوهر العملية التنموية المتجهة نحو توسيع فرص وخيارات المواطنين.

فالحكم الرشيد لا يكتفي بأسس الديمقراطية فقط، ولكنه يضيف عليها أسساً إضافية للممارسة الديمقراطية تتضمن كل قضايا الشفافية والمساءلة والعمل من أجل التوافق، وكذلك الفعالية في الاستجابة لمتطلبات واحتياجات المواطنين العادية منها والطارئة، وخلق آلية سلمية فعالة ومستديمة لتداول النزاعات بدل اللجوء إلى العنف، أما علاقة الحكم الرشيد بالتنمية فهي الأخرى علاقة وثيقة، إذ أن الحكم الرشيد في النظام السياسي هو أداة وحافز مهم للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية سواء بسواء، والحكم الرشيد في هيئات الحكم المحلي هو محفز مهم للتنمية المحلية، والحكم الرشيد في المؤسسات الاقتصادية هو حافز مهم للتنمية الاقتصادية.

ويمكن أن نحدد عناصر الحكم الرشيد وعلاقته بالتنمية من خلال المرتكزات التالية: -ديمقراطية حقيقية مبنية على مفهوم المشاركة في إدارة الدولة والمعتمدة على التمثيل لكافة فئات المجتمع وتعتمد أساس المحاسبة لأي حكومة. و احترام المعايير الدولية والمحلية لحقوق الإنسان وخصائصها المبنية على المساواة وعدم التمييز وعدم قابلية هذه الحقوق للتجزئة أو الانتقاص. والتشجيع على دعم مؤسسات المجتمع القائمة والتشجيع على تسهيل إجراءات تكوينها وتفعيل دورها في الحياة العامة. واحترام سيادة القانون وتعزيز مفهوم استقلال القضاء وتحديد معايير المحاكمات العادلة وحق التقاضي أمام محاكم مختصة وقضاة مستقلين. وإدارة أموال الدولة بطريقة شفافة وسليمة تخضع لمفهوم الرقابة العامة للمجتمع ولمفهوم المساءلة، وان تقوم على إدارتها مؤسسات حكومية تعرف بقدرتها على التعامل مع قضايا إدارة أموال الدول ومواردها بكل احتراف ومهنية عالية، وتضع مصلحة المجتمع وأفراده في أولى غاياتها. فضلا عن اعتماد السلطة اللامركزية للحكومة وتوزيعها على مختلف مناطق الدولة جغرافيا والاعتماد وعلى المشاركة التامة لأفراد المجتمع في تلك المناطق واحترام كافة الحقوق والحريات الأساسية وتعزيز مفهوم الرقابة وترسيخ مفهوم الحكم الرشيد من خلال تمكين العلاقة بين الحكم الرشيد ومفهوم التنمية على الدولة أن تقوم بتشجيع الاستثمار، وبالأخص استثمار الموارد البشرية، والمساعدة بالقضاء على الفقر والبطالة، وعلى الدول أن تعمل على صياغة التشريعات لتعزز تبادل المعلومات المتعلقة بالتنمية وترسيخ الحكم الرشيد في إطار عمل الدول وتفعيلها في جميع المؤسسات وسيترك هذا أثرا إيجابيا في العديد من شؤون الحياة وخصوصا المتعلقة بالتنمية كالقضاء على الفقر والبطالة وتعزيز دور السلطة التشريعية في سن القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك تعزيز النظم القانونية الوطنية في إنفاذ القوانين للحد من انتشار الجريمة والاعتداء على سلامة المواطنين والاتجار غير المشروع ووضع تدابير فاعلة للتصدي للجرائم المختلفة.

وضع اليمن في مؤشرات الحكم الجيد

يتفق صانعو السياسة ومنظمات المجتمع المدني والمانحون والأكاديميون في شتى أنحاء العالم على نحو متزايد على أن الحكم الرشيد مهم للتنمية.

ويستخدم كثير من صانعي السياسة ومنظمات المجتمع المدني هذه المؤشرات العالمية لرصد أداء نظام إدارة الحكم والتشجيع على إصلاحه . وهذه المؤشرات يستخدمها بشكل كبير المانحون الذين يدركون أن نوعية إدارة الحكم عامل مهم في تحديد مدى نجاح برامج التنمية . ويستخدم الأكاديميون أيضا المؤشرات في بحوثهم التطبيقية عن أسباب ونتائج الحكم الرشيد.

وقد سجل أداء اليمن تراجعا في جميع مكونات مؤشر إدارة الحكم باستثناء مؤشر جودة التنظيم حيث أظهرت نتائج تقرير البنك الدولي حول مؤشرات الحكم الرشيد لعام 2010 والتي تتناول البيانات لعام 2009 أن وضع اليمن متدهور بشكل كبير في جميع المؤشرات مقارنة مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .

حيث تحسن أداء اليمن بشكل طفيف في مؤشر جودة التنظيم الذي أرتفع ترتيبها النسبي من24.2 نقطة في تقرير عام 2009 إلى 29.5 نقطة في تقرير 2010 أي بزيادة مقدارها 5.3 نقطة ومع ذلك لا يزال وضعها أقل بكثير مقارنة مع أداء دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي بلغ 48.3 نقطة .

بينما تراجع أداء اليمن بشكل كبير جدا في مكافحة الفساد والحد منه حيث خسرت 11.9 نقطة في تقرير عام 2010 مقارنة مع تقرير 2009 وهو يقل بحوالي 33.9 نقطة عن دول المنطقة مما يعني أن الفساد متفش في اليمن بصورة كبيرة على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة للحد من الفساد .

أما مؤشر الاستقرار السياسي فقد واصل التدهور للعام الثالث على التوالي ليصل إلى أدنى معدل عند 2.4 نقطة لعام 2010 مقارنة مع 5.7 نقطة لعام 2009 كما أنه يقل عن متوسط أداء دول المنقطة بأكثر من 36 نقطة .

وفي مجال سيادة القانون انخفض من 18.7 نقطة في تقرير عام 2009 إلى 13.2 نقطة في تقرير 2010 ، ولم يكن الحال أحسن بل كان أكثر تدهورا في مؤشري فاعلية الحكومة والتصويت والمسألة .

وبمقارنة النتائج المتحققة في اليمن مع متوسط دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نلاحظ تدنيا كبيرا لترتيب اليمن في جميع المؤشرات وذلك على الرغم من تراجع الترتيب النسبي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير2010 في بعض المؤشرات مثل التصويت والمسألة .

إن ما حققته اليمن من نتائج سلبية في أغلب المؤشرات يعود إلى العديد من الأسباب تتمثل في حالة عدم الاستقرار السياسي التي يعيشها اليمن منها الحروب المتكررة في محافظة صعدة, وكذا نشوء الحراك الجنوبي في بعض المحافظات الجنوبية.. وفضلا عن ذلك فقد كان الفساد يمثل العامل الأكبر في تدني وضع اليمن في مؤشرات الحكم الرشيد.

جدول يوضح وضع اليمن في مؤشرات الحكم الرشيد

المؤشر

اليمن

اتجاه التغير

دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

2009

2010

2009

2010

التصويت والمساءلة

14.9

11.8

-3.1

23.7

23.2

الاستقرار السياسي

5.7

2.4

-3.3

37.3

38.6

فاعلية الحكومة

12.8

11.4

-1.4

46.7

47.8

جودة التنظيم

24.2

29.5

5.3

46.3

48.3

سيادة القانون

18.7

13.2

-5.5

49.4

49

مكافحة الفساد

27.1

15.2

-11.9

48.3

49.1

ومن خلال النتائج السابقة يلاحظ أن الصورة العامة لأداء اليمن غير جيدة، وهذه النتائج تتطلب تحركا جديا من قبل الحكومة نحو الإصلاح الحقيقي . وحتمية الإصلاح السياسي في اليمن لأنه أساس كل إصلاح.

الإعلام والحكم الرشيد

 إن فتح النقاش الواسع بين الصحفيين والإعلاميين وحتى في أوساط المجتمع حول دور وسائل الإعلام في تفعيل آليات الحكم الرشيد، بات يمثل حاجة ملحة وضرورية في بلادنا للوصول إلى إجابات على تساؤلات مفصلية أهمها كيفية دفع الإعلام اليمني ليكون شريكا في تحقيق مفاهيم الحكم الرشيد وليأخذ دوره الحقيقي البناء في الرقابة والمساءلة ولكن علينا في البدء أن نميز بين إعلامين: الأول ما يسمى بالإعلام المستقل والحزبي والثاني الإعلام الحكومي الذي يتميز بإمكانيات ضخمة حيث يتم تمويله من الخزينة العامة للدولة إلا أن هناك انتقادات واسعة لهذا الإعلام أهمها أنه يسير في اتجاهات لا تخدم مفاهيم الحكم الرشيد.

وهناك أصوات كثيرة تطالب بتعديل وتصويب مسارات هذا الإعلام على قاعدة الاحتكام للقوانين والأنظمة المعمول بها والتي تحدد بوضوح الدور الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام الحكومية في تقديم المعلومات والحقائق للجمهور باعتبارها تعمل من أجله وليس من أجل تضليله، وقد ارتفعت الأصوات المطالبة بإنشاء مجلس أعلى للإعلام بمشاركة شخصيات حقوقية ووطنية وأكاديمية ودينية نزيهة، تكون قادرة على فرض الرقابة المجتمعية على وسائل الإعلام الحكومية وإلزامها بالعمل من أجل مصلحة الشعب والوطن وليس لخدمة مراكز قوى وأجندات شخصية.

أما الإعلام الأهلي والحزبي فإن أبرز ما يؤخذ عليه ضعف الإمكانات المتاحة له، لكن الكثيرين يرون بأنه تمكن من رفع سقف الحريات السياسية في البلاد إلا أن دوره في مكافحة الفساد يعتريه بعض القصور بسبب الصعوبات التي توضع أمامه ولعل أبرزها عدم تمكنه من الحصول على المعلومات الحقيقية من الجهات الحكومية إضافة إلى ما يواجهه من مشاكل حقيقية تعترض الحرية المتاحة له فالأنظمة العربية عموما ليست حاضنا وداعما لمثل هكذا حريات.

اليمن في مؤشر حرية الصحافة 2010

 

الدرجات

التغير

الحقوق السياسية

6

الحريات المدنية

5

الحالة العامة

غير حرة

الترتيب العالمي

173

الترتيب الإقليمي

13

والجميع يعلم إن متطلبات التأسيس للحكم الرشيد، تتطلب وجود إعلام قوي حر يستند إلى المهنية والموضوعية والاستقلالية مبنية على قانون واضح لتنظيم مهنة الصحافة والإعلام، ونظام سياسي ديمقراطي قادر على ضمان وحماية الحريات العامة وحرية التعبير، وصحافيين مؤمنين بالمهنة التي اختاروها وقادرين على مجابهة كل محاولات الفساد، لكن الإعلام في اليمن يواجه مشاكل جمة تعترض حريته وتعيق دوره المأمول في تعزيز مفاهيم الحكم الرشيد وخير دليل على ذلك ما أورده مؤشر حرية الصحافة وهو عبارة عن مسح سنوي يقيس استقلال وسائل الإعلام في 195 بلدا ، وهو من صميم المؤشرات التي تصدرها مؤسسة فريدم هاوس . حيث يحتوي على أحدث البيانات المتاحة عن وضع حرية وسائل الإعلام العالمية ، ويعد مصدرا رئيسيا للباحثين وواضعي السياسات ، والمؤسسات الدولية "حرة" ، "حرة جزئيا" ، أو "غير حرة" من خلال دراسة البيئة القانونية لوسائل الإعلام ، والضغوط السياسية التي تؤثر على الوصول إلى المعلومات.

وقد تراجع تصنيف اليمن في مجال الحقوق السياسية من 5 درجات عام 2009 إلى 6 درجات عام 2010 وبذلك انخفضت مكانتها من (حرة جزئيا) إلى نتيجة (غير حرة) ، ويرجع المؤشر هذا التراجع إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة عامين، وتجدد القتال بين السلطات المركزية والمتمردين الحوثيين في الشمال ، وتصاعد أعمال العنف بين الحكومة والجماعات المعارضة في الجنوب. واستمرار الاحتجاجات الشعبية ضد التهميش السياسي ، وقتل العشرات في اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن ، والعمليات المرتبطة بتنظيم القاعدة والهجمات في عام 2009 ، بما في ذلك الاعتداءات على سياح كوريا الجنوبية. ويعتبر المؤشر الفساد مشكلة متوطنة على الرغم من بعض الجهود التي بذلت مؤخرا من قبل الحكومة لمحاربة الكسب غير المشروع.

فالإعلام الحر المستقل من شأنه أن يلعب دورا حيويا في حفز ودعم الجهود من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وإشاعة قيم الحكم الرشيد وثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن فرص بناء إعلام حر في اليمن تتطلب توافر بيئة سياسية حاضنة تقوم على احترام حرية الرأي والتعبير والتعددية وتوافر أطر قانونية وديمقراطية تضمن استقلال المؤسسات والمنابر الإعلامية وتعطي الحق للإعلاميين في ممارسة دورهم المهني دون مراقبة مسبقة أو ضغوط سياسية أو أمنية أو مالية ودون ضغوط وإكراهات مجتمعية، وتكفل للإعلام الحق في الوصول إلى المعلومات والبيانات والوثائق الحكومية، هذا في وقت تشهد فيه المنطقة العربية خلال هذه السنوات الأخيرة تصدُّر قضايا الإصلاح الديمقراطي وتحسين إدارة الحكم مكانة أعلى نسبيا على الصعيد الرسمي، عبّرت عنه مبادرات ووثائق وإعلانات عديدة سواء على الأصعدة الوطنية أو في إطار النظام الإقليمي العربي، وهو ما يحمل في حد ذاته مؤشرا إيجابيا على إقرار الحكومات العربية عامة بالحاجة إلى إدخال إصلاحات ضرورية في هذا المجال• ومع هذا، فإن كثيرا من الالتزامات التي عبرت عنها حكومات المنطقة عبر المبادرات الرسمية المتعددة لم تترجم إلى جهود فعلية ملموسة تلبي التوقعات والتطلعات المنشودة للمجتمعات من أجل الإصلاح الديمقراطي والحكم الرشيد، ولم تجد تعبيرها في برامج وخطط عملية مربوطة بتوقيتات زمنية لتعزيز قيم المشاركة والشفافية والمحاسبية، حيث لم تقم أي من البلدان العربية بإصلاحات دستورية تحد من الاحتكار الأبدي للسلطة وتعيد التوازن في العلاقة بين السلطات وتضمن استقلال أي منها على الأخرى، وتضع حدا لتغول السلطة التنفيذية على سلطة الرقابة والتشريع، وتحول دون تدخلها في شؤون العدالة وتلزمها باحترام القضاء والخضوع للقانون• كما لم تتخذ الحكومة اليمنية شأنها شأن بقية الحكومات العربية الاخرى إجراءات تشريعية تؤدي إلى إكمال آليات الشفافية والمحاسبية سواء فيما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام وحريات التعبير عموما المحاصرة بكم هائل من النصوص العقابية والعقوبات المغلظة السالبة للحرية التي تقف عائقا أمام النقاش الحر للسياسات والسلوك الحكومي، وتجعل من تصدي وسائل الإعلام للانحرافات والفساد واستغلال النفوذ مغامرة محفوفة بالمخاطر• ولم تتخل أغلب حكومات البلدان العربية عن هيمنتها شبه المطلقة على وسائل الإعلام السمعي والبصري أو تخفف من القيود الصارمة على حرية إصدار الصحف أو تمتنع عن تطبيق سياسات انتقائية في الدعم المالي المقدم للصحف أو في توزيع حصص الإعلانات التي تظل حكرا على الحكومة توجهها للصحف الأكثر مسايرة لسياساتها، كما لا ننسى دائما بأن تحسين إدارة الحكم وتلبية استحقاقات الحكم الصالح والرشيد لن يأتي إلا في إطار برامج عملية جادة للإصلاح السياسي والديمقراطي في مختلف البلدان العربية• ومن أجل ذلك كله، فإن هناك العديد من الأمور يجب على الحكومة القيام بها، منها تفعيل برامج عامة للإصلاح الدستوري والتشريعي من أجل:

ـ الفصل بين السلطات ووضع حد للهيمنة المطلقة للسلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية•

ـ إرساء الدعائم الأساسية لاستقلال القضاء وحصانة وتمكين القضاة من خلال إنشاء منظماتهم النقابية المستقلة والانضمام إليها طواعية.

ـ ضمان التداول الديمقراطي للسلطة والمؤسسات التمثيلية عبر انتخابات حرة ونزيهة، وعلى أساس تعددي تكفل خلالها فرص متكافئة للمتنافسين وتحديد سقف زمني لبقاء شاغلي المناصب العليا في الحكم•

ـ منح مجلس النواب صلاحيات كافية لتفعيل دوره في الرقابة على الأداء الحكومي واستخدام الآليات البرلمانية المتعارف عليها في البلدان الديمقراطية لعزيز ضمانات الشفافية والمساءلة والمحاسبية•

ـ تكريس مبدأ خضوع الدولة للقانون بما يضمن إخضاع التجاوزات والانحرافات والخروقات التي تمارس من قبل أجهزة الدولة وموظفيها العموميين للمحاسبة والعقاب••

ـ إطلاق المبادرات التشريعية لتفعيل دور الإعلام في دعم الحكم الرشيد، وذلك عن طريق المراجعة الشاملة لقانون الصحافة رقم 25 لعام1990وتخليصه من النصوص والتعبيرات الفضفاضة وغير المنضبطة التي تسمح بتحريم حرية تداول الأفكار والآراء والمعلومات ووضع حدود فاصلة بين جرائم السب والقذف والإهانة وبين حق النقد الذي ينبغي أن يكون مباحا، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم الصحافة والنشر وحظر التوقيف والحبس الاحتياطي في الجرائم المتعلقة بحرية إبداء الرأي، وإطلاق حرية إصدار الصحف والحق في تملكها دون قيود وإلغاء كافة أشكال الرقابة المسبقة على الصحف، وحظر إيقافها إداريا من دون حكم قضائي، وإلغاء نظام الترخيص المسبق في عملية إصدار الصحف والعمل بنظام الإخطار،

-ضمان حق الصحفيين في الوصول إلى مصادر المعلومات وكفالة حقهم في الحفاظ على سرية مصادرهم، واعتماد عقوبات مناسبة على المسئولين والهيئات التي تعوق حق الصحفي في الوصول إلى المعلومات، هذا مع الإقرار القانوني بحق الصحفيين والإعلاميين في انتقاد المؤسسات العمومية والمنتخبة والشخصيات العامة في ما يخص ممارستها لمهامها.

-إعادة النظر في التشريعات التي تبنتها الحكومة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب للحيلولة دون استخدام نصوصها في تقييد الحريات الإعلامية وحرية الرأي والتعبير عموما، هذا مع العمل على إعادة تنظيم المجال السمعي والبصري بصورة تعزز التعددية والتنافسية والتعبير وإطلاق حرية إنشاء محطات البث الإذاعي والتلفزيوني ، وإيلاء صلاحية منح الترخيص إلى مجلس وطني للإعلام المرئي يضم في عضويته ممثلين عن النقابات المعنية بحرية الإعلام وشخصيات عامة يتم اختيارها على أسس ديمقراطية وتعزيز استقلالية هذه المجالس، وتمتعها بصلاحيات فعلية في مراقبة محتوى البث وتقييمه وإلغاء صلاحيات وزارات الإعلام في توقيف وسائل الإعلام عن البث وإيلاء هذه الصلاحيات إلى المحاكم المختصة،:

ـ تعزيز قيم الإعلام الحر والدفاع عن حرية الرأي والتعبير وتطوير آليات مشتركة للتضامن والتنسيق في التصدي للانتهاكات والقيود على حرية الإعلام، وتبني برامج فعالة لتدريب الإعلاميين والإرتقاء بالأداء المهني وبأوضاع المشتغلين في حقل الصحافة والإعلام، وتحسين شروط عملهم بما يؤمن عدم خضوعهم لتأثيرات الضغوط الاقتصادية والتدخلات الإدارية والشروط التعاقدية المجحفة، هذا مع تشجيع إنشاء مؤسسات معنية بتقديم العون القانوني والقضائي للمشتغلين في حقل الإعلام ومساندة وتدعيم المبادرات الداعية لإنشاء مراصد وطنية لرصد الانتهاكات التي يتعرّض لها العاملون في حقل الإعلام.

ـ تقييم مدى إتساق البنية التشريعية اليمنية مع المعايير الدولية للإعلام الحر وإعداد تشريعات بديلة تلبي التطلعات إلى إعلام تعددي مستقل وحر، وتنفيذ برامج متعددة لتقديم المساعدة القانونية للإعلاميين بما في ذلك تدريب محامين متخصصين للدفاع عن الإعلاميين المتعرضين لخسارة حريتهم نتيجة قيامهم بعملهم أو إبداء آرائهم، فضلا عن تقديم الاستشارات القانونية السابقة على النشر للإعلاميين لمساعدتهم على التعبير عن آرائهم دون التعرّض لعقاب القانون، ويشمل ذلك البدء في تأسيس شبكة من المدافعين عن حرية الإعلام وإنشاء شبكة من مراكز المساعدة القانونية •

ـ تنفيذ برامج لتدريب أعضاء مجلس النواب لدعم مهاراتهم في مجال الصياغات التشريعية بشكل عام وصياغة القوانين الحاكمة لحرية التعبير والترخيص لوسائل الإعلام بشكل خاص وتقديم مساعدات فنية للمؤسسات الراغبة في تنفيذ برامج للكشف عن الفساد ووضع مؤشرات لقياسه، وتقييم مدى التقدم في مكافحته وتنفيذ برامج لتدريب الإعلاميين على آليات الكشف عن الفساد وتوثيق المعلومات حوله، ونشر تقارير حوله بمختلف وسائل النشر بما فيها شبكة المعلومات الدولية، زيادة على تنفيذ برامج لتدريب القضاة على استخدام المواثيق الدولية التي صادقت عليها دولهم في أعمالهم وتعميم قواعد الفقه الدولي في التعامل مع قضايا حرية التعبير ووسائل الإعلام ومعاونتهم على استخدامها في أحكامهم وقراراتهم

ختاما أقول

إن اليمن في حاجة ماسة وملحة لمتطلبات الحكم الرشيد، التي تستدعي بالأساس وجود إعلام قوي يستند إلى المهنية والموضوعية والاستقلالية المبنية على قانون واضح لتنظيم مهنة الصحافة، ولابد من فك الارتباط بين الإعلام والحكومة بتضمين القوانين موادا تمنع الحكومة من السيطرة على الصحافة المكتوبة والمرئية، وكذلك وجود نظام سياسي ديمقراطي قادر على ضمان وحماية الحريات العامة وحرية التعبير، وصحافيين مؤمنين بالمهنة التي اختاروها وقادرين على مجابهة كل محاولات الإفساد والإغراء.

*ورقة تم تقديمها في ندوة حول الاعلام اليمني والحكم الرشيد