|
تقول الأحداث التاريخية إن انهيار سد مارب كان بمثابة الزلزال العظيم ليس في اليمن وحسب بل في الجزيرة العربية وبلاد العرب كلها، لما أحدثه ذلك الانهيار تغيير كلي في المنطقة سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً، وصار حقبة ومحطة من محطات التاريخ العربي يؤرخ بها، فيقال بعد انهيار سد مارب أو قبل انهيار السد؛ كما سيؤرخ العالم اليوم ومستقبلاً بعام كورونا..حيث هُجِرت الأرض وانهارت حضارة ودول، ونشأت شعوب ودول جديدة في عموم المنطقة بفعل تشتت اليمنيين بعدها، ونشأت إثر ذلك معظم بلاد العرب اليوم.
إن السد الجديد اليوم والذي ينبغي المحافظة عليه من الانهيار يتمثل في الشرعية اليمنية والجيش والمقاومة على أرض الميدان، فإن انهاروا ستنهار المنطقة عموماً وسيتغير وجه الجزيرة العربية كلها، فإن يأجوج ومأجوج والتتار الإيرانيين بأذرعتهم وأيديولوجيتهم هم سيل العرم الجديد الذي يهدد هذا السد بالانهيار.
ومع أن قصة فأر سد مارب أسطورية لا يقبلها عقل ولا منطق لكن لا بأس من التشبيه بها هنا وأخذ العظة والعبرة منها والاستدلال المجازي بها؛ إذ تمثل الإمارات العربية اليوم تلك الفأرة المهددة لهذا السد، حيث تنخر في صفوفه وأنقابه لتسرع بانهياره من خلال أساليب النخر المختلفة بحق الشرعية اليمنية وجيشها على أرض الميدان، وما تحيكه لدول المنطقة لتتصدر هي المشهد السياسي إقليمياً.
فما أشبه الليلة بالبارحة..والواقع أكبر مدرسة للتعليم، فضلاً أن يكون كل ما تعلمته من الكتب مرادفاً لما يمضي به الواقع وتعيشه لحظة بلحظة.
في الأعوام التي سبقت الانقلاب الحوثي كنا نصرخ بملء أفواهنا محذرين بأن الخطى الحوثية متسارعة في تنفيذ الانقلاب وإعادة الإمامة مجدداً لليمن، فقد كان كل شيء من حولنا يدل على ذلك..أٌتهمنا بالجنون؛ لأنه لم يكن أحد يتوقع ذلك الانقلاب إلا من قرأ ودرس تاريخ الزيدية/الهادوية في اليمن، مع أنها لم تكن عملية حسابية معقدة، فقد كان كل شيء واضحاً للجميع إلا الساسة والقيادة؛ وكانت البعرة تدل على البعير، وتنامي المليشيات الحوثية وتسهيل مشاريعها وتكاملها سواء من الداخل أو مع المحيط الخارجي الذي سهل لها كل شيء ليس نكاية بثورة الشباب فقط بل لإغراق البلد في الفوضى وتمرير الأجندة الخارجية ولكن بذرائع مختلفة، ومنها تصفية الإخوان أو القضاء على الإصلاح بعملية قيصرية سريعة ما تلبث أن تعود المليشيات أدراجها من حيث أتت، وكل شيء يشي بأن البلاد تسير إلى الهاوية.
لم يدفع الإصلاح وحده الثمن، فقد دفعه كل يمني في كل حزب وحتى غير المتحزبين، ودفعته الشرعية، ودفعه المتخاذلون والمراقبون وحتى المهللون للانقلاب المساعدون له. دفعته الدولة بمؤسساتها ودفعه المواطن البسيط، وانفرط عقد كل شيء في البلاد.
لم يتعلم أحد من أحداث الماضي، وها نحن اليوم نكرر ذات الخطأ وذات الأسطوانة، غير أن القادم لن يكون كما مضى من الأحداث، بل سيكون عظيماً لدرجة ستتغير معها خارطة المنطقة بأكملها، وليس الشرعية، وليس الإصلاح، وليس اليمن.
لأن كل ذرة تقدم للحوثية في اليمن هو انتصار وتقدم للمشروع الإيراني الذي يحيط بالجزيرة العربية من كل اتجاه وينخرها من داخلها بحكم الولاء الطائفي في البلدان المتعددة فيها.
رجال الميدان المقاومون، والشرعية وكل من التف حولهم، هم اليوم حائط الصد، والسد المنيع أمام الانهيار القادم، فلا ينبغي المساعدة في هدمه، بل مؤازرته وتقوية صفوفه.
السياسات الأخيرة التي تم التعامل بها مع الشرعية وإضعافها، وتحقيق المليشيات الانقلابية الحوثية شمالاً والانتقالية جنوباً بعض التقدمات على الأرض، وخذلان ومحاصرة الشرعية، قتل في نفوس المواطنين أي أمل في إصلاح أوضاع البلد، لذلك يسارع المواطنون في حالة من التطبيع الذاتية مع المليشيات في الميدان هروباً مما يحصل للشرعية حتى لا يدفع مزيداً من الأثمان رغم علمه أنها على حق والمليشيات على باطل.
هرب المواطنون من جحيم المليشيات الحوثية في الشمال ليحتموا بالجنوب وليعيشوا فيه بسلام، فوجدوا جحيماً آخر يتربص بهم، فحشر المواطنون في زاوية ضيقة دفعت بهم للموازنة بين أخف الجحيمين، وإن بشكل مؤقت وبعض الميزات الأخرى، فوجدوا أنفسهم يندفعون نحو مناطق الحوثي ليعيشوا أقل شيء بين أهليهم وذويهم وفي الأراضي التي نشأوا وترعرعوا فيها حتى لو كانوا سيدفعون بعض الأثمان.
هي لحظة عيش مؤقتة في جحيم الحوثي المؤجل، إذ لا يعرفون ما ينتظرهم من الحوثية تحت حكمها حين يستتب لها الأمر بشكل نهائي.
السياسات التي أضعفت الشرعية من إنشاء المليشيات المضادة وقيامها بالانقلابات المتكررة خدمة للتسلط الإماراتي وطمعها في الجزر والموانئ اليمنية وإقامة القواعد العسكرية فيها واضطهاد المواطنين وإذلالهم، وحصار الشرعية أكثر من حصار الحوثية ذاتها، أظهر المليشيات الحوثية بمظهر المشروعية على الأرض، وأنها الجهة التي يمكن أن تتصدى لتلك الأطماع على الرغم من تكامل أهداف الطرفين وما الانقلاب الحوثي إلا بإيعاز ودعم إماراتي، وكلاهما يخدم الأجندة الإيرانية وهو ما بات واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار.
هذه الدوافع دفعت المواطنين الاستسلام للحوثية والتطبيع معها على مرارته، يزيدها قوة ومشروعية على الأرض وتمنحها مزيداً من التأييد والحشد الميداني والدفع بمقاتلين للجبهات.
رغم كثرة الخسائر البشرية الحوثية على الأرض إلا أنها لا تأبه لتلك الخسائر وتستطيع الدفع بالمزيد وتلقى الاستجابة الشعبية لذلك؛ لأن الشرعية ظهرت بمظهر المكبل العاجز عن فعل أي شيء، وطبيعة البشر أنهم يميلون لمن يحقق مكاسب على الأرض ومن يقوى يوماً بعد يوم، فضلاً عن التغرير بالمواطنين من خلال الخطاب الحوثي أنهم في مواجهة (عدوان خارجي).
فترت عزيمة الغالبية من الشعب في مواجهة المليشيات الحوثية؛ لخيبة أملها في من يتصدر مشروع المقاومة، والصراعات البينية في صفوف الشرعية، ولأن الغالبية ليست مسيسة ولا يهمها من يحكم، فهي تبحث عن لقمة عيشها وأطفالها، وهذا عاد بضرره بالدرجة الأولى على الشرعية التي لا تستطيع والحالة هذه حشد المقاتلين للجبهات بعكس السنوات السابقة التي كان يندفع الناس اندفاعاً لمقاومة الحوثية على الأرض، لكن بعد التجربة من عدم انتظام صرف رواتب المقاتلين، وخذلان الجرحى وعائلات الشهداء، وإظهار الصراع على أنه بين الإصلاح والحوثية فقط من قبل وسائل الإعلام الممولة خارجياً، زاد الطين بلة، وزاد من إعراض الشباب عن الالتحاق بجبهات القتال.
لنتخيل افتراضاً أنه لم تعد هناك جبهة مقاومة للانقلاب الحوثي، ما الذي سيحدث؟!
الذي سيحدث بالضبط هو إعلان إيران انتصارها في اليمن، واستقرار وتقوية المليشيات الحوثية، والتفاف شعبي حولها، واندفاع الشباب للالتحاق بهذه المليشيات، وحشد المزيد من الأسلحة الإيرانية للحوثية وتقوية ترسانتها، سيغري كل ذلك حركات الشيعة المتمردة الأخرى في كامل المنطقة للتحرك والثورات الداخلية فقد نجح مشروعهم في اليمن، وعند ذلك تضيع المنطقة بأسرها وتعلن إيران سيطرتها على كامل المنطقة، ونتمنى أن يتم تلافيه قبل حصوله، ونتمنى أن لا تكون مارب هي المبتدأ والمنتهى صفة وحدثاً.
قد نكون بعيدين عن أجهزة الدول المخططة وإمكانياتها الاستخباراتية الكبيرة وحساباتها المختلفة، لكننا نحسبها ببساطة المطلعين الميدانيين الذي يعيشون الدروس الواقعية تلو الدروس، وربما كانت نظرة البسطاء أعمق من أجهزة الدول والساسة.
لكنه سيناريو مرعب للغاية ينتظر منطقتنا جميعاً يمكن تجنبه بتقوية الشرعية اليمنية وجيشها وتعزيزها بالمقاومة الشعبية من خلال العديد من الوسائل؛ استقطاب الشباب، تدريبهم وتسليحهم تحت ظلال الشرعية، وانتظام صرف المرتبات، والانتصار للشهداء وحفظ كرامة الجرحى، وإطلاق المعتقلين، وعدم انتاج المليشيات المسلحة المتمردة، وتكامل المشروع العربي الموحد في مقاومة كافة المشاريع المستوردة والمحيطة بمنطقتنا.
في الأربعاء 01 يوليو-تموز 2020 06:50:48 م