قراءة في أبعاد عودة الرئيس اليمني
بقلم/ عبد الله زيد صلاح
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 18 يوماً
السبت 24 سبتمبر-أيلول 2011 05:20 م

يصعب على القارئ التكهن بشكل المرحلة السياسية والأمنية والاقتصادية القادمة في اليمن، ولا تعود الصعوبة إلى سوءة الواقع وحيثياته السالبة فحسب، وإنما تمتد إلى ضبابية الأنساق المتداخلة التي تتشكل منها المرحلة، سواء كان ذلك على المستوى العام/الظاهر (ملامح الثورة، تتعدد أقطاب الصراع، فحولة الأزمة العقدية والاقتصادية، اتساع رقعة المواجهة العسكرية وتدفق أنهار من الدماء، وسواها من ملامح ظاهرة تتبدى للعيان....)، أم كان ذلك على المستوى الخاص/الباطن (غموض المواقف المصاحبة للثورة وإشاعة مبدأ الترميز والاحتفاء بهالة من الأسرار، وتباين الخلفية العقدية والسياسية المحركة للأحداث في نطاق النسق الواحد، وكذا تحول القناعات المحلية والإقليمية والدولية بشكل سريع ومدهش، وتشكيل ملامح المرحلة وتصويرها بناء على خارطة من الأحلام والأوهام بعيدا عن القراءة الملازمة لمنطق الواقع وظروفه ومتغيراته، وسواها من معطيات خاصة تشي بها المرحلة).

 لن نذهب بعيداً، إذ يمكننا قراءة أبعاد عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى بلاده في ضوء احتمالين لا ثالث لهما، خاصة وقد تزامن حدث العودة في سياق تصعيد المواجهات بشكل غير مسبوق ينذر بجر اليمن إلى مستنقع دموي يتجاوز إمكانية تقدير شكله وأبعاده المكانية والزمانية، وإن كان في كل الأحوال يستنطق أحداث اليمن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر وامتداد فترة الحرب الأهلية إلى سبع سنوات أكلت الأخضر واليابس، وكانت ثقافة الحوار والهدوء وقبول الآخر هي سيد الموقف والحكم الفصل لتلك المرحلة الدامية العالقة في الوعي الجمعي للإنسان اليمني المعاصر.

 نعم، في الإمكان قراءة أبعاد عودة الرئيس اليمني في سياق احتمالين لا ثالث لهما، الاحتمال الأول: يندرج تحت معرفة الغلبة للأقوى، وإن عودة الرئيس تستند إلى شعوره بالقوة التي يركن إليها ويرى أنها الكفيل الوحيد للجم خصومه السياسيين، وفرض أمر الواقع. إذ يبدو من خلال هذه الرؤية اعتقاد الرئيس وفقاً لقراءة ما لسياق الواقع اليمني أنه الأقوى في الساحة، وإن ظروفاً ما تخدم مشروع عودته. وليس شرطاً أن تكمن تلك القوة في ما يمتلكه من ترسانة عسكرية فحسب، وإنما فيما يمتلكه من أوراق متعددة أياً كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو إقليمية أو دولية. بالإضافة إلى اعتقاده اليقيني بارتفاع حجم التباين والتنافر بين خصومه من أقطاب المعارضة والشباب، وتمكن أجهزته الأمنية من أمن قومي وسياسي واستخباري من التسرب في أوساطهم وتشتيتهم من الداخل، والتشكيك في ولاء بعض رموز المعارضة للثورة وإيهام الشباب بأنهم يمارسون لعبة القط والفأر . وكذلك إيمانه بتحييد الموقف الدولي وضمان عدم تدخله في المنظور القريب بفعل تعقيد الوضع السياسي العربي الراهن وتداخل المصالح السياسية البعيدة المدى بين بعض دول الإقليم والمجتمع الدولي. إذن يأتي الاحتمال الأول في سياق الثقة المطلقة بقدرته على إلجام صوت الثورة أو تحييد بعض مكوناتها ـ كما حدث بالفعل من تحييد قطب الحوثيين أحد أبرز مكونات القوة الخارجة على النظام ـ وتشتيت طاقاتها وتشويه رموزها وفكرها محلياً ودولياً، كتوصيفها بالإرهاب والعمالة وسواها من أوصاف لا شك في أنها ما تزال تلقى قبولاً واسعاً في أذهان الناس، بفعل الخطاب السيئ وغير المعقول لبعض شباب الثورة والناطقين الرسميين لأحزاب المعارضة، كما يظهر ذلك بجلاء من وسائل الإعلام المختلفة، فثمة من نسمعه يطالب بتصدير الثورة إلى دول الجوار، ومحاولة إرهابهم والمطالبة بتغيير الاتفاقيات الدولية أو فتح ملفات عفا عليها الزمن ولا تخدم علاقات الجوار كالمطالبة بفتح ملف اغتيال الرئيس الحمدي ومحاولة توريط هذه الدولة أو تلك في القضية وسواها من القضايا التاريخية التي تتسم بالخطورة والغموض.

 أما الاحتمال الثاني لعودة الرئيس فيأتي في سياق اتفاق ما تم الإبرام عليه بين أطراف الصراع السياسي بعيداً عن الأنظار، وخاصة أنظار الشباب الذين خرجوا بدافع وطني دون أن يكون لهم ولاء لأي حزب سياسي، فثمة تكهنات أن أمراً ما قد دبر بليل في أثناء زيارة المبعوث الدولي بن عمر، وزيارة أمين عام الخليج العربي الزياني، وأن ما يحدث من تهويل بخصوص المعارك الدائرة في بعض شوارع العاصمة صنعاء ما هو إلا محاولة لتحطيم صخرة الشباب حتى لا يقفوا حجرة عثرة أمام قرار الحل السياسي مع أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك).

 تلك قراءة خاصة لخيوط حدث عودة الرئيس اليمني إلى بلاده، لكن في حالة تعثر تلك القراءة عن تشخيص الماوراء أو مقاربة حيثياته، فيا ترى أي نفق مظلم ينتظر بلد الحكمة والإيمان، خصوصاً وأن أقطاب الصراع يتمتعون بثقل مادي وقبلي وعسكري قد يتقارب في الإمكانية بفعل تدخل القوى الخارجية والمقامرة سياسياً بوطن بأكمله لإثبات سياسة (أننا هنا)، وعلى حساب دم الشعب اليمني البسيط الذي يحمل بين ضلوعه كل الحب والشعور الصادق والوفاء والتضحية لكل أبناء الشعوب العربية دون تمييز أو تفاضل... فهل في الإمكان أن ترفع حكومات تلك الشعوب يد العذاب والعبث عن هذا الشعب واللعب بعيداً عن ساحاته، وذلك لتجنيبه احتمالات الانزلاق إلى محرقة حقيقية؛ كونه يعاني من تركيبة اجتماعية معقدة تسودها القبيلة وتتحكم فيها العادات والأعراف الداعية إلى العصبية، فضلاً عن تفشي ظاهرة الجهل والفقر، وارتفاع درجة العداء العقدي بين أبناء المذاهب الدينية التي تسود في اليمن كالإخوان والسلفيين والحوثيين والجماعات الجهادية....