وصفة لاسقاط أعمدة النظام
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 13 يوماً
الإثنين 26 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:04 م

 هذه الوصفة أو لنسمها الخطة لن تنقذ الثورة الشبابية من الفشل فقط بل انها ستحقق أهداف الثورة في التغيير الجذري بأقصى سرعة، فهي ليست مزحة ولا حلم يقظة، بل بدأ تطبيقها فعلا على استحياء في المدن الرئيسية بأقل قدر من الضجيج الاعلامي، وأتوقع أن يتوسع تطبيق الخطة لتشمل جميع المحافظات والمديريات اليمنية الأمر الذي قد يثمر خلال أيام أو اسابيع على الأكثر عن نجاح منقطع النظير للثورة اليمنية لم تحققه نظيراتها لا في تونس ولا في مصر ولا حتى في ليبيا. تتلخص الخطة في استراتيجية جديدة لا تقوم على اسقاط النظام بضربة واحدة، ولا شن حرب على مؤسسات الدولة ومعسكراتها، وإنما تقوم على تفكيك أو تفتيت النظام بسرعة وذكاء من الأسفل إلى الأعلى عن طريق تكسير أعمدته الواحد تلو الآخر بثورات مصغرة ضد رموز الفساد في المؤسسات المختلفة مع الإبقاء على المؤسسات ذاتها كمكاسب شعبية لا يجوز التفريط بها. وتعتمد هذه الخطة الذكية على تولي موظفي الدولة والمنتسبين لها من مدنيين وعسكريين التمرد كل في مكانه على صغار الطغاة في المؤسسات التي يديرها ضباط أو مدراء مقربين من الطاغية الأكبر الذي علمهم الفساد والطغيان.

  إن التمرد الذي بدأه ضباط وأفراد التوجيه المعنوي الشجعان ضد طاغيتهم المباشر علي حسن الشاطر، يأتي في هذا الإطار رغم التشجيع الذي يلقاه الثائرون من قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح، المعروف بكراهيته العميقة للشاطر وأبناء الشاطر. ومهما تكن مصلحة أحمد علي من ازاحة الشاطر من التوجيه المعنوي فإنها تمثل أيضا مكسبا كبيرا لثورة التغيير لا يقل مطلقا عن مكسب ازاحة حسن اللوزي من وزارة الاعلام بعد أن كانت نظراته تتطلع عاليا إلى منصب رئيس الحكومة. كما أن التمرد البطولي لضباط وأفراد معسكري عبود والجرباء التابعين للواء الـ35 مدرع بالضالع ضد قائدهم محمد عبدالله حيدر السنحاني، سهل لوزير الدفاع المساند للثورة تعيين العميد الركن عامر أبو ذيبة قائداً جديداً للواء، تلبية لمطالب االثائرين الذين اتهموا محمد عبدالله حيدر بالفساد وبيع تموينات وإعاشات عسكرية مخصصة للجنود والضباط وتشمل بطانيات وملابس شتوية ومواد غذائية في السوق السوداء. لقد نشر الضباط والجنود البواسل آليات ومعدات ثقيلة بما فيها الدبابات في أطراف المعسكرين ومنعوا دخول قائد اللواء مطالبين بإقالته ومحاسبته مما أستعدى تدخل وزارة الدفاع التي نفذت لهم ما أرادوا. وقبل ذلك جرى توقيف صهر الرئيس عبدالخالق القاضي رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية اليمنية اثر إضراب قام به العاملين في الشركة، كما تم إقالة مدير كلية الدفاع الجوي حمود الشيخ إثر إعتصام نظمه طلاب الكلية ومنعوا خلاله مدير الكلية من دخولها. وفي الحديدة اشعل جنود وضباط خفر السواحل انتفاضة ضد قياداتهم وأغلقوا بوابة الميناء في وجوههم مطالبين بحقوق سلبتها منهم قياداتهم وحان الوقت لاستعادتها. كما خرج طلاب وضباط الكلية البحرية إلى شوارع المدينة، للمطالبة بإقالة قائد الكلية طاهر المقالح وأغلقوا مكاتب الكلية احتجاجا على نهب حقوقهم. وفي تصرف مماثل أغلق موظفو كهرباء الحديدة مبنى المؤسسة بعد طرد المدير العام احمد النهاري ونائبة ومنعوهما من الدخول. وتنقل المواقع الالكترونية كل يوم أنباء عن احتجاجات في مؤسسات مختلفة من بينها مؤسسات اعلامية داخل العاصمة صنعاء مثل وكالة سبأ ومؤسسة الثورة وغيرها. ولكن روح الامتعاض والتمرد السائدة بين موظفي الدولة في مختلف القطاعات وضباط الحرس الجمهوري الأبطال تحتاج إلى تشجيع من القيادات الشبابية في ساحة التغيير لتنمية هذا التوجس إلى ثورات مصغرة ضد صغار الطغاة. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن السبيل الوحيد أمام ضباط وأفراد الأمن القومي من أجل كسب احترام الشعب لهم وحفاظهم على اعمالهم في مستقبل الأيام هو تنظيم ثورة مصغرة ضد طاغيتهم الأصغر عمار صالح، حتى لو جرى ذلك بالتنسيق مع رئيس الأمن القومي ذاته علي محمد الآنسي الذي يتحرق شوقا لمثل هذه الخطوة. أما موظفي مكتب رئاسة لجمهورية فمعظمهم ينتمون إلى سوق الملح ومن الصعب أن يتمردوا على مدير السوق المنظم الجنتل علي الآنسي. ولا أرى أي ضرورة لازاحته من المكتب لأن النائب عبدربه منصور هادي سيأتي بطاقمه بكل تأكيد عقب الانتخابات الرئاسية اذا تمت في موعدها. وعلى الطاقم الجديد أن يحافظ على الارشيف الواقع في الطابق الأرضي من مكتب الرئاسة، نظرا لما يمثله من ذاكرة تاريخية لا تقدر بثمن، وربما أن ابنة الراحل العظيم زيد مطيع دماج هي أكثر من يدرك هذه الحقيقة بسبب قربها الدائم من محتويات الأرشيف.

 أما التمرد داخل الأمن المركزي ضد يحي صالح فهو واقع لا محالة بدعم من الثورة الشبابية أو بدون دعمها ولا شئ يمكن أن يؤخر ذلك إلا إذا لجأ دون جوان الأمن المركزي إلى تقليد القذافي في الاستعانة بحارسات من الجنس اللطيف، لأنه واضح للعيان أنه لا يطيق حراسه الخشنين ولاهم يطيقونه، بل إن أكثرهم أصبح يتقيأ من العمل معه، ولن يفاجئوا أحدا إذا ما بادروا إلى اعتقاله في أي لحظة. ومن الجهات المطلوب إدخال تغيير ملح على قيادتها في أقرب فرصة ممكنة، قيادة سلاح الجو اليمني، لأن قائدها محمد صالح الأحمر هو شقيق الرئيس وهذا سبب كاف ليس لازاحته فقط بل لازاحة خليفته القعطري أيضا وهو نجل شقيقة الرئيس الذي يعد نفسه لتولي المنصب بالتنسيق مع أحمد علي، ولعل نجاح القعطري في تولي قيادة سلاح الطيران قد يكون أخطر من بقاء محمد صالح الأحمر في منصبه.

 وبشأن الحرس الجمهوري وهو القوة الضاربة الكبرى في يد الأسرة الحاكمة فليست الثورة بحاجة إلى خلق تمرد مصغر في كل لواء من ألوية الحرس، لأن كبار ضباط الحرس أصبحوا يمقتون قائدهم ويشعرون أنهم يغامرون بحياتهم، ويخجلون من نظرات المجتمع الموجهة إليهم بازدراء لما يسبغونه من حماية للأسرة المتسلطة، بما يعني أنهم قد تخلوا عن مهمتهم الأساسية في حراسة الجمهورية. هؤلاء القادة عليهم أن يحافظوا على مؤسسة الحرس الجمهوري بحدقات عيونهم كمؤسسة يمنية عظيمة، ولن يتم ذلك إلا عن طريق التضحية بالأخ القائد بأي طريقة. ولذلك فمن غير المستبعد تنفيذ هيكلة داخلية قيصرية من الأسفل إلى الأعلى لإزاحة أحمد علي من قيادة الحرس وارساله في أول رحلة طيران إلى الخارج إلى غير رجعة. وبدون ذلك فإن الثورة اليمنية سيكون أكبر انجاز لها هو ترسيخ التوريث وتتويج أحمد علي رئيسا بعد سنتين من حكم المحلل الشرعي عبدربه منصور هادي. أما إذا جرى تطبيق استراتيجة الثورات المصغرة بالتنسيق عند الحاجة مع ثوار ساحة التغيير، فإن تكسير اعمدة النظام سيؤدي بكل تأكيد إلى انهيار النظام العائلي بالتوازي مع اقامة أعمدة لنظام جديد في وقت متزامن بحيث تتولى هذه الأعمدة حماية مؤسسات الدولة من الانهيار. وتكون الثورة اليمنية بذلك قد جاءت بتجربة جديدة خلاقة في التغيير الجذري بأقل التكاليف الممكنة وعندها يمكن اسقاط المبادرة الخليجية ومحاكمة رموز النظام السابق وإلغاء أي حصانات مقدمة لهم، وتنفيذ جميع مطالب الثوار وأهداف الثورة. أما الإصرار على محاكمة رموز النظام دون العمل على اسقاطهم فإنه كمثل تقديم العربة على الحصان، ولا يعنى سوى الدوران في حلقة مفرغة دون التقدم للأمام ولا خطوة واحدة لأن علي عبدالله صالح لا يمكن أن يحاكم نفسه ولا أن يحاكم أفراد أسرته. لا نريد لثورتنا أن تنحرف عن هدفها المتمثل في اسقاط النظام إلى المطالبة باسقاط المبادرة الخليجية، أو اسقاط أي شئ آخر. فبما أننا ندعي أن المبادرة الخليجية لا تعنينا فلماذا نطالب باسقاط ما لا يعنينا. إن من بين أسباب تأخير حسم الثورة اليمنية هو انحراف مسارها في وقت مبكر من ثورة ضد علي عبدالله صالح وأسرته، إلى مطالب مبحوحة باسقاط علي محسن صالح وصادق الأحمر في حين أن أحدا من لم يطالب باسقاطهما مطلقا قبل انضمامهما للثورة. ولكن الأعجب من ذلك أن المطالبين بتحصين علي عبدالله صالح وأفراد اسرته، ومن عمل معه من المساءلة والمحاسبة، يريدون الجمع بين الحصانة والبقاء في مناصبهم. وربما نتفهم شعار الحصانة مقابل الرحيل، مثل النفط مقابل الغذاء أو الأرض مقابل السلام، أما حصانة مقابل البقاء فهذه ليست مجرد خيانة للثورة بل بجاحة ما بعدها بجاحة، وهذا ما سأتناوله بتفصيل اوسع في مقال قادم.