خُطى المختار في أدب الحوار
بقلم/ عبد الملك العامري
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الأحد 27 يناير-كانون الثاني 2013 01:26 م

كتمت هـواكَ حتى عِيل صبري وأدنتني مـكالمتي لـرمسي

فـحبكَ مالكٌ لـحظي ولفظـي وإضماري وإظهاري وحسي

فإن أنطق ففيكَ جميع نـطقي وإن أصمت ففيكَ حديث نفسي

لم أكن لأسرد هذه الأبيات المنتقاة من أجل مدح إنسان غير الحبيب المصطفى والنبي المجتبى والأمين المرتضى الرحمة المهداة والنعمة المسداة رحمة العالمين صاحب الخلق العظيم بشهادة الرب الأعظم صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب ليل ونهار وما همَت سحب بغزير أمطار وسلامه عليه تباعاً عدد البحار والقفار والأشجار

أيها القارئ الكريم مهلاً : مقدمة أحببت أن تكون مطلع خُلق كريم نقتفيه أنا وأنت من معين النبوة الصافي فما أحوجني وإياك إليه اللحظة وبعدها لا سيما وقد بينه الحبيب صلى الله عليه وسلم ووضع له أولويةً في الوقت الذي جاور فيه عتاولة شرك وعُباد أصنام فما بالنا أنا وأنت ونحن نقبع تحت راية الإسلام الموحَدة والموحِدة

الحوار وآدابه وطريقته الحال والمقال يصف لنا موقفاً تناقلته السير النبوية فمن مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم حدث هذا المشهد الرائع

ذات يوم وفد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أحد أشراف مكة ووجهائها وأشدهم عداءً للدعوة وللدين الجديد وأعبدهم للأصنام والأوثان مفاوضاً ومخاطباً إياه للحيلولة دون نشر دينه الجديد فقال يا محمد يابن أخي : إنك منا حيث قد علمت من خيارنا حسباً ونسباً وإنك قد أتيت قومك فرقت له جماعتهم وسفهت أحلامهم وعبت آلهتهم ....... إلى آخر كلامه مدافعاً عن قومه وآلهته فقال له حبيبنا صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد أنا أسمع

فأخذ يسرد ويناور ويغري ويعرض ويكذب ويفتري والنبي يسمع إلى آن وقف الرجل وصمت فقال له نبينا صلى الله عليه وسلم

ـ أقد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاسمع مني

ـ فتلا النبي من أوائل سورة فصلت حتى وصل قول الله جل في علاه

(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود )

وما كاد الرسول يصل قراءته حتى ارتعدت أوصاله ووضع يده على فم الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى لا يواصل .

فلنا أيها القارئ الكريم دروس عدة من هذا الموقف النبوي الشريف

أولاً : أن الحبيب صلى الله عليه وسلم خط لنا طريقاً في كيفية التخلق بخلق الحوار المهذب والمؤدب وإن كان الطرف الآخر على غير ملة الإسلام

ثانياً : إن حسن الإستماع إلى الطرف الآخر من غير تجاهل أو استنقاص تفرض عليه الحجة للاستماع إليك لاحقاً وعدم المقاطعة تجعلك تفهم مرام الآخر بشكل دقيق وهذا ما لمسناه من الحوار النبوي مع أبا الوليد

ثالثاً : استخدام الألفاظ المحببة إلى الطرف الآخر والذي لا تجرحه فيها دليل قوة الحق الذي تملكه وعظم المسئولية التي تريد إيضاحها للآخرين وسعة الصدر الذي يجب أن يحتوي كل الفرقاء المخالفين لرأيك ووجهتك

رابعاً : عرض رأيك ومبدأك الذي تؤمن به باللغة والطريقة السهلة التي يمكن أن يفهمها الطرف الآخر

خامساً : بدء الحوار بالنقاط المتفق عليها إحالة المختلف عليه بدون تكرير أو تحريض أو تسفيه أو استنقاص

سادساً : حاول أن تتحاشى ذكر الشخصيات سلباً أو إيجاباً وأكثر من الحديث عن الدلائل والمبرهنات التي تدعم صدق رأيك وإن كنت ملماً بمصدر ثقافة الآخر فهذا أنسب للحوار

سابعاً : كن على ثقة بنفسك لأنك إن فعلت هذا فقد يكتشف الآخر لبس في ثقافته أو سوء فهم دب إلى عقله فسيراجع نفسه سواء طال الوقت أم قصر

أخي القارئ الكريم هناك الكثير من الآداب النبوية الشريفة التي يجب أن نجعلها نصب أعيننا حتى يصلح حالنا ومقالنا مع الله ومع الناس

وما أدب الحوار الذي تمثل في شخص صلى الله عليه وسلم إلا قطرة من بحر من أخلاق سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه

وإنما قصدت من هذا المقال المتواضع أن يكون خطابنا ذات مسوغ ديني يستفيد منه النقاد والصحفيين والكتاب وكل السياسيين لأن الحوار والنقاش لا يلقى أرضاً خصبة إلا لدى هؤلاء الطائفة من الناس فكم نحن بحاجة والحاجة الماسة والضرورية لهذا الأدب الجميل.