محمد المحمدي .. ودموع التماسيح (!)
بقلم/ رانيا عبد الودود شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
الخميس 14 إبريل-نيسان 2011 06:36 م

طالما استوقفنا الإعلامي القدير – هكذا كان ظننا به – محمد المحمدي، في برنامجه "الطير المهاجر" الذي كان يفجر من خلاله مآسي تحصل في جنبات اليمن الفسيح فتتفجر معها عيوننا بالدموع، لأننا كنا نعيش جميعا نحن وهو لحظات ألمها وحزنها، وتلك المآسي التي كان يعرضها علينا في شاشة قناة اليمنية الفضائية هي في الحقيقة غيظ من فيض لما يحصل في طول اليمن وعرضها، بيد أن هذا الغيظ قد ولد في أنفسنا كثير من الآهات والأنات، وهي أهات وأنات لم تكن بعيدة عن المشهد اليمني وما يحصل فيه على عمومه، ولم تكن منفصلة عن سياقه المأساوي، وخاصة في الوقت الراهن الذي نعيش آلامه ونعيش كل لحظاته الحزينة والمؤلمة، والتي تزداد فيها مآسي الشعب اليمني ، سواء من هم في الهجرة، ومن هم أيضا في الداخل اليمني، إذ الحال من بعضه، وما نعيشه في الداخل اليمني في الوقت الراهن، لا يقل مرارة عما يكابده اليمني في المهجر بسبب تعنت الفاسدين وإصرارهم على التمسك والبقاء.

في هذه اللحظة الحرجة التي كنا نتوقع فيها أن يكون مستقر محمد المحمدي - بقدراته الإعلامية - في مسرح ساحة التغيير بصنعاء، حيث إنه قد عاش مآسي اليمنيين عيانا بيانا، وهذا لوحده كان جدير بأن يفجر ثورة في ضمير المحمدي لوحده، وقد كان متوقع منه أن يسبق الجميع في الدعوة إلى ثورة ضد من تسبب بكل تلك المآسي للشعب اليمني التي أدمت القلوب، فجادت لها العيون بما تملك من الدموع، نعم لقد استطاع المحمدي أن يستوقفنا وفي الوقت نفسه لم يستطع أن يستوقف دموعنا من أن تسيل على وجوهنا من تلك اللحظات الحزينة / السعيدة التي كان يتجافى فيها الأحبة ثم يلتقون بعد أن فرقهم طغيان الطغاة وجور الظلمة وباعد بينهم مددا طويلة بعض هذه المدد كان بعمر هذا النظام الظالم والغشوم.

صحصح تلك المآسي التي كان يطرحها المحمدي في برنامجه الطير المهاجر كانت شديدة الوطء على النفوس والقلوب، بيد أن ما هو أشد وطأ منها أن نرى المحمدي على قناة اليمن نفسها، يكافح وينافح عمن تسبب بكل مآسي الهجرة، المحمدي الذي كنا نرى دموعه تسيل في الأمس القريب ونشاركه ذات الدموع من فظاعة ما عاشه من لحظات حزينة ومن مآسي حقيقية وقد عشنا معه مرارة تلك اللحظات، ها هو المحمدي نراه اليوم في ذات المنبر ناسيا أو متناسيا كل ما كان يجري ليدافع عن الطغاة والمجرمين والقتلة، القتلة الذين قتلوا الحلم في قلب كل يمني من أن يعيش في بلده دون الحاجة إلى الهجرة، والقتلة الذين امتصوا دماء اليمنيين الحكماء، والذين ثاروا على الطغاة والظالمين والناهبين، فقتلوهم ظلما وجورا؛ لأنهم أرادوا أن يستردوا كرامات وحريات اليمنيين، وأرادوا أن يوفروا لهم بلدا آمنا ينعمون بظله وعيشا رغيدا لا يعوزهم إلى الاغتراب، فكان جزاء هؤلاء - جراء ما حالوا اقترافه من توفير العيش الكريم لبني جنسهم - أن ذبحهم صالح وقواه النافذة برصاص الغدر والخيانة.

لقد جعل المحمدي من نفسه مدافعا عن الفساد والمفسدين، والقتلة والمجرمين على شاشة قناة اليمن الفضائية الرسمية، ليشهد ذلك الزيف، ويشهد ذلك الزور، ويشارك فيه؛ ليسقط حبه من عيون جميع اليمنيين؛ اليمنيون الذين أحبهم وأحبوه وشاركوه الدموع، المحمدي تصدر قناة اليمن الفضائية - وقد غادرها كل الشرفاء وتصدروا الثورة، وبدلا من أن يتصدر هو أيضا الثورة أبى إلا أن يتصدر قناة الزيف والتزوير؛ ليدافع دون خجل ووجل من الله ثم من الشعب اليمني، تصدرها دون كلل أو ملل مدافعا عن الجناة والقتلة، وليجعل نفسه ودموعه في صورة دموع التماسيح، التماسيح تدمع عينها باستمرار، حتى عندما تفتح فاها لتقتات، وتلك الدموع التي كنا نلاحظها هي من هذه الدموع، فالمحمدي يفتح فهمه مقللا من حجم أهمية الدماء التي سالت، وليقول بأنها ما تزال قليلة مقارنة بما يحدث في ليبيا، إنه فتح الفم من أجل أن يقتات حتى لو كان الذي يقتات على حسابهم شباب بذلوا أنفسهم لله ثم للوطن، أرادوا أن يعيدوا لليمن زخمه، وأرادوا أن يعيدوا للمظلومين حقهم المسلوب ممن ظلمهم وسلبهم.