فيها ظهر الرئيس مرة واحدة طيلة 30 عام
بقلم/ عامر الدميني
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 28 يوماً
السبت 27 سبتمبر-أيلول 2008 11:48 م
 

مجرد التفكير بزيارة محافظة الجوف يعني أنك ستخوض مغامرة قد لا تكون نتائجها محمودة العواقب فإما ان تصطحب رفيقا من أبناء المحافظة أو تقوم بتغيير لباسك المعتاد (بدلة رسمية) وتستبدلها بالثوب والحزام كي تظهر وكأنك شخص عادي من أبناء المحافظة وان كانت هذه لا تشفع لك شفاعة كاملة.

فهذه المحافظة التي كانت أرضا لكثير من الدول القديمة والحضارات اليمنية الغابرة لا يبدو ان أهداف الثورة اليمنية الستة قد شملتها، ومعظم معالمها تؤك د أنها لازالت عذراء في التنمية والخدمات الأساسية باستثناء الطريق العام المليء بالنقاط الأمنية أو مبنى المجمع الحكومي الخالي من الموظفين.

الحزم عاصمة للإهمال:

حين تصل إلى مديرية الحزم التي تعتبر عاصمة المحافظة ومركزها الرئيسي تدرك حجم المعاناة ومظاهر العزلة والإهمال التي تتجلى بوضوح أمامك من خلال المساكن الشعبية الطينية والشوارع الترابية المحاطة بدكاكين صغيرة تسمى محلات تجارية والمواطنون الذين يتجولون بحرية حاملين أسلحتهم كأنهم في حالة حرب مستعرة غير آبهين لحرارة الشمس الشديدة وسخونة الأرض المرتفعة.

فالناس هناك لديهم قناعة تامة بأنهم يعيشون في وضع إهمال مقصود جعلهم بعيدين عن كل وسائل التنمية والتمدن، حتى برنامج فرسان الميدان الذي يجوب المحافظات لم يشمل محافظتهم كما علق احدهم.

حمل السلاح ظاهرة ثابتة:

الأمر الملفت للنظر بالجوف هو انتشار حمل السلاح بين الكبار والصغار سواء أكانوا في الشارع العام أو في محلاتهم التجارية وحتى داخل المساجد فالجميع يتوافد إليها حاملا سلاحه ولا يضعها إلى عند القيام للصلاة.

يقول عدنان احمد الذي يعمل كناشط اجتماعي في أكثر من جمعية خيرية ان حمل السلاح بشكل مستمر أمر بالغ الأهمية بالنسبة لرجل يعمل في الجوف مبررا ذلك بكثرة الأشخاص القادمين من المناطق المجاورة والذين من الممكن ان يستولوا على أي شيء ثمين يرونه امامهم وتقع عليه أيديهم.

ويضيف: في العام الماضي كانت هناك شاحنتين قادمتين من إحدى دول الجوار أمام احد المساجد وكانتا محملتين بالتمر والمواد الغذائية وكنا بانتظار توزيعها للمستفيدين وتفاجئنا بسرقة كميات كبيرة منها وبعد التحري تبين ان احد الأشخاص تسلل اليها واخذ مجموعة كبيرة من التمر والمواد وقام ببيعها لأصحاب المحلات التجارية بكل برود ودون أي مسؤولية وعندما حاولنا ضبطه وتقديمه للأمن قام بإطلاق النار علينا بشكل مباشر .

ويرى عدنان ان حمل السلاح بشكل دائم يشكل صدا وإخافة لمثل هؤلاء الأشخاص الذين لا يقدمون على نهب أي شخص ما دام يحمل سلاحاً.

أما أمين الشريف احد الموظفين فيرى ان حمل السلاح جزء من ثقافة تعود عليها الناس وهي تعبر بشكل كبير عن رجولة الشخص وتعكس وضعه الاجتماعي وانه أهلا لتحمل المسؤولية، ويستدرك: صحيح أنها إحدى الوسائل المسهلة لعملية الثأر لكن من المؤكد أنها ستتراجع إذا ارتفعت نسبة الوعي داخل المجتمع.

وفي نظر سالم العكشة فان الانفلات الأمني الذي تشهده المحافظة باستمرار يستلزم حمل السلاح من اجل الدفاع عن النفس من أي عدوان فلو كانت الأجهزة الأمنية تقوم بدورها لما احتاج أي شخص إلى حمل السلاح.

أسبوع تحت الحصار:

ربما استطاع أبناء الجوف التغلب على مشكلة ما تواجههم كما يؤكدون لكن الوضع الذي عاشته المحافظة لمدة ثمانية أيام لم يكن وضعا اعتياديا فقد ثبت لهم تماما بأن الدولة ومؤسساتها فعلا مغيبة وبعيدة عن واقعهم.

فخلال الأسابيع الماضية حدثت مشكلة بين أفراد من قبيلة جدعان التابعة لمحافظة مأرب وفر أحد أفراد القبيلة إلى محافظة الجوف طلبا للحماية ولما رفضت القبيلة المستنجد بها إعادته إلى قبيلته لجأت الجدعان إلى قطع الطريق العام المؤدي إلى الجوف والذي يمر عبر أراضيها ومنعت دخول الشاحنات المحملة بالمحروقات من الدخول وقطعت كل الإمدادات لمدة أسبوع كامل.

ونتيجة لهذا الوضع فقد غرقت المحافظة كاملة في الظلام نتيجة عدم وجو مادة الديزل في محطات الكهرباء وتوقفت حركة السير وارتفع سعر القنينة الماء من خمسين ريالا إلى مائة وخمسين ريالا بينما تجاوز سعر الاسطوانة الغاز الألف والخمسمائة ريال .

ويتحدث المواطنون عن خسائر مادية بالملايين لحقت بممتلكاتهم إذ انتهت صلاحية المواد الغذائية داخل الثلاجات بالنسبة للمتاجر والمخازن وارتفعت كثيرا معاناة الناس الذين يعتمدون على المكيفات للتخفيف من حدة حرارة الجو ولم يستثنى من هذا الوضع جميع المكاتب الحكومية التي توقفت فيها المعاملات وتعرضت للخسائر ومنها مكتب الصحة والسكان الذي انتهت صلاحية كثير من الأدوية فيه جراء انقطاع الكهرباء وانتهاء الغاز.

عجز أمني:

إزاء وضع كهذا لم تحرك ايا من الجهات الرسمية ساكنا وظلت الجدعان قاطعة أي إمدادات عن الجوف حتى تدخل بعض الوجهاء والشخصيات الاجتماعية خصوصا من قيادة التجمع اليمني للإصلاح والتي بدورها تواصلت مع الجدعان من اجل وقف الحصار وتم تحكيم الشيخ احمد الرؤساء والذي طلب تقديم ست سيارات من أطراف القضية حتى يتم الحكم.

ويصف الشيخ صالح الرؤساء احد أعضاء لجنة الوساطة التي تواصلت مع الجدعان الوضع بالمأساوي مؤكدا بأنهم بذلوا جهودا كبيرة من اجل التخفيف من وطأة الوضع الذي عاشته المحافظة لمدة أسبوع مقابل صمت وسكوت رسمي بل عمدت بعض الجهات إلى محاولة إفشال تلك الجهود.

أما أمين الشريف فيقول: لقد عشنا لأسبوع كامل تحت الحصار ولم نشعر بأي وجود للدولة وهو ما يعيد التساؤل: اين ذهبت الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وقيادة المحافظة التي لم تتدخل لضبط من تسول له نفسه الاستهانة بحياة الناس والعبث بها.

رفض وتعنت:

أما قبيلة الجدعان فقد حاولنا معرفة وجهة نظرها والتعليق على ما حدث لكن أفراد القبيلة المرابطين عند النقطة التي استحدثوها رفضوا التعليق وكان مجرد الحديث معهم نوع من المجازفة وبعد تدخل من احد أفراد القبائل الذين كانوا معنا سمحوا لنا بتصوير النقطة وعدد من الأفراد فيها.

وعود رئاسية:

الجوف وحدها هي التي لم تحظ بزيارة أي من رؤساء الجمهورية باستثناء الزيارة التي قام بها الرئيس علي عبدالله صالح اثناء تدشين حملته الانتخابية في 2006م وتحدث فيها عن جملة من الوعود لا تزال حبرا على ورق ولم تدخل بعد حيز التنفيذ وهو ما يراه أبناء المحافظة زيادة أخرى لنسبة الإهمال الجاثم على المحافظة.