|
في الأشهر الستة الأخيرة، أصبحت لهجة التغطية الإعلامية الدولية لأحداث اليمن تنذر بالخطر أكثر فأكثر. فعلى الصعيد الأمني، كانت هناك متابعة عن كثب لصعود تنظيم «القاعدة» من جديد في اليمن، حيث شن مجموعة من الهجمات الصفيقة، مما دفع بالخبراء الأمنيين إلى التحذير من أن الجيل الجديد للمقاتلين اليمنيين سيكون أكثر فتكا من سابقيه. كما تفشى أيضا الحديث عن الدولة الفاشلة المنحدرة إلى مستوى دولة شبيهة بالصومال أو أفغانستان. يتوقع الوزراء اليمنيون وعمال الإغاثة الدوليون والصحافيون باستمرار انهيارا وشيكا، نظرا إلى الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية والأذى الذي يلحقه الجفاف بالمحاصيل الزراعية، وتواصل تمرد الحوثيين في الشمال، واندلاع الشغب في الجنوب على خلفية المظالم التي لم تسوّ بعد منذ إعادة توحيد البلاد عام 1990.
في الوقت نفسه، يرفض الباحثون (خلافا للصحافيين والزوار الآخرين) فكرة أن اليمن يقف على شفير الكارثة، ويؤكدون أن الرئيس علي عبد الله صالح يعمل في بيئة من الفوضى المنظمة. ويزعم النقاد أنه يجري استنباط الاستقرار بهدف حشد التعاطف الدولي – والتمويل الخارجي.
فراغ سياسي
لكن، ربما تتغير الصيغة القديمة للسلطة التي جعلت سيناريو الفوضى المنظمة قابلا للحياة. فوفاة الشيخ عبدالله الأحمر في ديسمبر 2007 - وقد كان سمسار نفوذ ومحاورا أساسيا بين صالح والجناح القبلي في حزب الإصلاح المعارض - تخلف فراغا سياسيا قد يحاول السلفيون اليمنيون ملأه. وسوف تكون الانتخابات النيابية عام 2009 اختبارا أساسيا في هذا الإطار. ويغلف التوريث الرئاسي أيضا مستقبل اليمن بالضبابية. تنتهي ولاية صالح سنة 2013، ولائحة المرشحين المحتملين لخلافته تزداد، لا سيما داخل عائلته الموسعة. ومن بين المرشحين الأساسيين ابنه أحمد وأخوه غير الشقيق، العميد علي محسن الأحمر، قائد الجناح العسكري الشمالي الشرقي الذي يزعم بأنه يتعاطف مع السلفيين.
يقول ناشطون في المجتمع المدني ومراقبون دوليون إن هناك مؤشرات على أن الضغوط المزدوجة التي يمارسها عدم الاستقرار والجمود الاقتصادي أثقلت كاهل السلطات وأدت إلى كبح الحريات السياسية. في يونيو، حكمت إحدى محاكم أمن الدولة على الصحافي المستقل البارز عبدالكريم الخيواني، بالسجن ست سنوات بتهمة التعامل مع متمردي الحوثي. يعتبر المراقبون أن النظام يستهدف الخيواني الذي منحته منظمة العفو الدولية جائزة خلال وجوده في السجن، تقديرا لتقاريره الاستقصائية عن التمرد.
لا شك في أن التحديات الشاملة التي يواجهها اليمن حقيقية، ويجب أخذها على محمل الجد. اذ يتراجع إنتاج النفط بسرعة، وعلى الرغم من إصرار الحكومة على أنه سيتم اكتشاف حقول جديدة، لقد سبق أن استُخرج النفط من العديد من المناطق الواعدة. كما يعاني اليمن من أسوأ حالات النقص في المياه في العالم. ومن أجل مواكبة النمو السكاني، تحتاج البلاد إلى تدفق هائل من السيولة والطاقة لتمويل العديد من مصانع التحلية المكلفة وتزويدها بالطاقة.
غياب الاستراتيجية
ومع ذلك، ثمة حاجة إلى أكثر من مجرد إثارة للمخاوف بشأن مأزق اليمن. لسوء الحظ، لم يتمكن اللاعبون الدوليون الأساسيون – الولايات المتحدة والسعودية وبلدان أخرى في مجلس التعاون الخليجي – من وضع استراتيجية جماعية طويلة الأمد لإنقاذ اليمن من نفسه. ولا يبدو أن هناك توافقا حقيقيا بين القوى الخارجية حول ما إذا كان اليمن يواجه الآن خطرا متزايدا بعدم الاستقرار وماذا ستكون عواقبه.
سوء الفهم الجاري بين اليمن والولايات المتحدة حول جهود مكافحة الإرهاب هو مشكلة أساسية. طوال عام تقريبا، تعثرت العلاقات الأميركية مع اليمن على خلفية مصير جمال البدوي، أحد الذين كانوا وراء تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» عام 2000، الذي أخلي سبيله بعدما أقسم الولاء للرئيس اليمني وتعهد بالتعاون مع السلطات ضد تنظيم القاعدة. يتهم النقاد الحكومة بحماية البدوي وسواه على الرغم من مطالبات الولايات المتحدة المستمرة بتسليمه إليها. ويرفض اليمن الإذعان للضغوط الأميركية، مشيرا إلى المادة 44 في الدستور التي تحظر تسليم مواطنين يمنيين إلى كيانات أجنبية بينما يصر على إعادة زهاء مائة سجين يمني محتجزين في خليج غوانتانامو في كوبا إلى اليمن من أجل «دمجهم من جديد». لا يستاء صانعو السياسات الأميركيون من العناد اليمني وحسب، بل يراودهم شعور قوي بالإجحاف لأن منفذين مثل البدوي طليقون. أما في ما يتعلق بصالح، فقد وصف الرئيس اليمني الولايات المتحدة في مقابلة معه في صحيفة «نيويورك تايمز» في يونيو الماضي، بـ«المتغطرسة» لأنها تطالبه بقطع علاقاته بداعمين معروفين لتنظيم القاعدة.
لقد تجاوز مأزق البدوي المصحوب بمشاغل أميركية متزايدة حيال الأوضاع الأمنية والسياسية في اليمن، حدود حرب الكلام ليضع العلاقة الثنائية بكاملها في حالة جمود عميق. وجرى تعليق برنامج العتبة بقيمة 20،6 مليون دولار الذي أطلقته شركة تحدي الألفية، وكان الهدف منه مساعدة اليمن على تلبية المعايير المطلوبة من أجل الحصول على حزمة أكبر بكثير من المساعدات التنموية الاقتصادية. ودفعت الهجمات الصاروخية على مجمعات يقطن فيها مسؤولون أميركيون أو بالقرب منها في ربيع 2008، في السفارة الأميركية في صنعاء إلى إجلاء كل الموظفين غير الأساسيين. وبعد صدور الحكم على الخيواني، انتقدت وزارة الخارجية الأميركية النظام اليمني علنا، معتبرة أن سجنه «يشير إلى نزعة مقلقة في اليمن قائمة على الترهيب والاضطهاد». لا يزال من الصعب بالنسبة إلى الولايات المتحدة وضع مقاربة إجمالية حيال اليمن تفصل المسائل الأمنية عن القضايا الإنسانية وتلك الخاصة بالدمقرطة.
بين الأزمة والتهاون
عندما يتعلق الأمر بالسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، يستعمل المسؤولون اليمنيون شبح التدخل الإيراني في النزاع مع الحوثيين، لطلب الدعم من جيرانهم السعوديين الذين يقلقهم التمرد الشيعي عند حدودهم. وعلى الرغم من أن السعوديين زادوا دعمهم السياسي والمالي لليمن في الأعوام الأخيرة، لم تبد باقي دول مجلس التعاون الخليجي دعما مماثلا، فهي لا تشعر بحاجة ملحة حقيقية إلى بذل جهود للتعجيل في انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي. فضلا عن ذلك، ليس أكيدا أن الشروط التي تفرضها السعودية ومجلس التعاون الخليجي لوهب اليمن المال سوف تعكس أولويات الإصلاح الأميركية والغربية.
ربما يقترب استقرار اليمن من الانهيار التام، مع أنه من المحتمل جدا أن يشق هذا البلد طريقه في السنوات المقبلة تحت وصاية السعودية ومجلس التعاون الخليجي. في الحالتين، من يعيره انتباها؟ بانتظار أن تتفشى مشكلات اليمن على نطاق أوسع، ستبقى السياسة المستدامة حياله عالقة بين الأزمة والتهاون.
* اختصاصي في شؤون الشرق الأوسط - الكونغرس. (معهد كارينغي للسلام)
في السبت 27 سبتمبر-أيلول 2008 04:18:11 ص