الفخر والقوة والجمال في ثورة الشباب في ساحات التغيير اليمنية
بقلم/ الخضر بن عبد الملك الشيباني
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 25 يوماً
الثلاثاء 22 مارس - آذار 2011 03:01 م

الحمد لله وحده ، نصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده ، والصلاة و السلام على نبي الرحمة البشير النذير ، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... و بعد .

تعودت في كثير من المناسبات والأحداث الكبرى التي تمر بها أمتنا أن أشارك بقلمي في قراءة دعوية فكرية لتلك الأحداث من خلال تأملات ومقارنات بين النصوص والتوجيهات القرآنية وتفاصيل تلك الأحداث وقد مرت في هذا السياق أحداث متعددة خلال السنوات الأخيرة ، فمن سقوط بغداد ومشهد الخيانة والثبات إلى المثقفون الخبثاء وخارطة الشرق الأوسط الجديد إلى قراءة في يوم أمريكا الأسود إلى درس بعد صلاة الفجر عند مقتل الشيخ الشهيد أحمد ياسين رحمه الله .

وكنت في كل مرة أعاود التأمل والمراجعة قبل أن أمسك بالقلم لعدة أيام وأحياناً لأسابيع حتى أجد نفسي متشبعاً بالأفكار فأبدأ بتسطيرها وكنت أحسب أن ثورة الشباب في تونس ستمنحني نفس القدر من الفرصة والمشاركة في نصرة الحق وربط المعاني والدلالات الدعوية والتربوية وإذا بالأحداث تتسارع والثورات تتلاحق من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى .........

وأنا هنا أرفع يدي مسلماً ومشدوهاً وفرحاً مستبشراً ، ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .

لقد أعجزتني ثورات الشباب عن ملاحقتها ولو بالقلم ! وقديماً قالوا ( ما أحسن الحرب مع المشاهدين ) لكنني أجد نفسي ملزماً اليوم بالحديث عن ثورة الشباب في اليمن إذا لم يكن من باب الشرف بالمشاركة والنصرة الواجبة لهؤلاء الفتية ــ الرائعين بمعنى الكلمة ــ فهي قبل كل شيء من باب شكر الله على هذه النعمة ــ فيما يظهر لنا ــ التي شفت صدور قوم مؤمنين ، وبالشكر لله عز وجل تزداد النعم وتحل البركات ويدحر الظلم والفساد .

والمتأمل في ثورة الشباب في اليمن يجد فيها الكثير والكثير من مكامن القوة والفخر والجمال إليك أخي ــ القارئ العزيز ــ عوامل منها على سبيل الإيجاز :

الأول : أنها قامت على أكتاف الشباب وبروح الشباب وتضحياتهم ، وسبحان الله العظيم كيف تحول الشباب المتهم بالبطالة والمراهقة وأمراض الفقر والتقنية الحديثة إلى رواد في حمل شعلة التغيير وقادة تتبعهم جموع العالمين وانتقلوا من موقع العبء الثقيل على الآباء والأمهات والمربين إلى باب للأمل والبشارة بالفرج القريب .

وليت شعري إذا كان قد قيل قديماً : الشباب مظنة الجهل ومطية الذنوب وشعبة من الجنون .

فيحق لنا في أثناء هذه الثورة أن نصحح العبارة فنقول : الشباب مظنة العزيمة والإرادة ومطية الكرامة والعز وشعبة من التحدي والصمود .

الثاني : امتدح الله عز وجل فتية الكهف بأنهم هربوا بدينهم واستتروا من أعين الناس حفاظ على الثبات على الحق ( إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً ) لكن فتية ساحات التغيير في اليمن رأوا أمراً آخر فلم يستتروا بل صدعوا بالأمر بالمعروف والدعوة إلى العدل والنهي عن المنكر ومحاربة الظلم والفساد وهذا بلا شك درجة عالية ومرتبة سامية .

الثالث : قدمت ثورة الشباب لوحدة الصف وجمع كلمة الأمة نموذجاً حياً لم تقدمه عشرات بل مئات وآلاف الخطب والبرامج والمهرجانات من قبل وأصبحت مشاريع الفرقة والاختلاف الحزبية والمناطقية والمذهبية تصدم على البوابات البشرية بساحات التغيير فمن يريد الدخول فلينزع أمراض قلبه وعمى بصيرته قبل أن ينضم إلى الركب ويأوي إلى الساحة .

الرابع : شاء الله عز وجل أن يقدم درساً لرواد التغيير وقادة الأمة مؤكداً سنته الجارية في كون أمر الانتصار والهزيمة بيده عز وجل ولا ينبغي لأحد أن يغتر بكثرة أتباعه ولا عدده وأعتاده ويتكل عليها دون الاعتماد على من بيده مقاليد الأمور جل وعلا .

وإذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه واستبدل المتخلفين عن الاتصاف بشروطه ( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) .

الخامس : فشلت كل محاولات التشكيك والاتهام وحيل أكاذيب السياسة وأبواق الإعلام ــ مدفوع الأجر ــ لأن الشباب لم يكونوا أصحاب أرصدة في البنوك أو أصحاب مواقف مشبوهة مسبقة أو أصحاب تصريحات متناقضة تستخرج من ( أرشيفهم ) عند الحاجة .

لقد كانت ملفاتهم وسيرهم الشخصية تقول : نحن شباب الأمة وشباب هذه البلاد مستعدون فقط لخدمة الوطن بشرط أن نكون أحراراً لا عبيد .

السادس : لو لم تقدم ثورة الشباب في اليمن وغيرها سوى كسر حاجز الخوف من الاستبداد والظلم لكفى فما بالكم وقد حصل بها من كف الظلم وخذلان الباطل وأعوانه ما حصل ؟ !

لقد ظل العديد من العقلاء والحكماء في بلادنا وغيرها يمتدحون الجبن والخوف تحت دعاوى الحكمة والتأني ولسان حالهم كما قال القائل :

ظلت تشجعني هند وقد علمت أن الشجاعة مقرون بها العطب

يا هند لا والذي حج الحجيج له لا يشتهي الموت عندي من له أدب

فجاء الشباب فقالوا لهم كما قال أبو الطيب المتنبي :

يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم

وكل شجاعة في المرء تغني  ولا مثل الشجاعة في الحكيم .

فقيل له : أنى يكون الشجاع حكيماً ، والشجاعة والحكمة على طرفي نقيض ؟ قال : هذا على بن أبي طالب رضي الله عنه ـ أي جمع بين الشجاعة والحكمة .

السابع : أستطيع وبكل ثقة أن أقول أن شباب الثورة السلمية في اليمن وغيرها بعثوا روح الشباب في قادتهم من جميع الفئات وقد رأيت وسمعت كيف تحول الشيوخ والكهول إلى شباب يناصرون دعوة الشباب ويدعون لهم بالخير والتوفيق والثبات ورأيت ابتسامات على محيى الشيوخ والعجائز لم ترى بتلك الملامح والدلالات منذ سنوات وربما منذ عقود وهم يقولون للشباب جزاكم الله عنا وعن بلادكم خير الجزاء وجعلكم مفتاح للنصر والفرج .

الثامن : ما أجمل ذلك المشهد الذي يتحول فيه الشباب المليء بالقوة والرغبة في الاستقلال وإثبات الذات إلى إنسان مرهف الحس والشعور ليس بمقابل غادة حسناء ، ولا في سبيل الحصول على مصلحة من شخص ما ، ولكن في سبيل خدمة إخوانه ورفقاء دربه في التضحية والفداء ، لقد ضرب الشباب المعتصمون نماذج لا تنسى في درب الأخوة والإيثار ستسجل لهم عبر الأيام ، فمن مواجهة الرصاص الحي إلى مداواة الجرحى وإسعافهم إلى نجدة المستغيثين إلى تقاسم لقم الخبز وفتات العيش إلى تناوب الرباط في الحراسة إلى ......... .

التاسع : هناك ميزة لثورة الشباب أنها لا تقدم إلا من حقه التقديم بالفعل والعمل وربما قد نخالف الشباب في تقديم البعض نتيجة خلفيات مشبوهة ثبتت لدينا لكنني أؤكد بالإجمال أن ثورة الشباب كانت أكثر إنصافاً من بعض الأحزاب والجماعات وكانت أكثر إنصافاً من بعض مراكز البحوث والدراسات فلم تستبعد فلاناً لأنه كذا وكذا وقدمت فلانا لأنه كذا وكذا لكنها في الأعم الأغلب قدمت على منابرها وفي أدبياتها من كانوا رواداً على نفس الهدف والطريق منذ سنوات وهذا من العدل والإنصاف وهو من أسباب النصر والتمكين وحسن العاقبة .

أحسب أن الاستمرار في ذكر المآثر ومكامن القوة في ثورة الشباب سيجعل كلامي طويلاً لكنني أختم في تذكير أحباب وإخواني الشباب بما يلي :

أولاً : تقوى الله عز وجل وهي وصية الأولين والآخرين ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) .

ثانياً : الحذر من الاعتماد على الأسباب المادية وينبغي العمل والتواصي على الاعتماد على الله وحده لا شريك له والأسباب مهما كانت وعظمت تبع لذلك .

ثالثاً : الحذر من تسرب الأهواء والرغبات إلى النيات والقلوب فإن الله مطلع عليها عالم بما فيها والله عز وجل لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسامنا ولكن إلى قلوبنا فليرى الله عز وجل من ا لرغبة الخشوع والخضوع له وحده ما يجعلنا مستحقين لنصره وتأييده .

رابعاً : الحذر من الاستدراج للخروج من الطابع السلمي للاعتصامات في ساحات التغيير فإن اجتماع الناس والتفافهم حولها إنما كان بسبب انضباطها وتوحدها في رسالتها فالله الله على الصبر والثبات ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) .

اللهم أحفظ بلادنا من كيد الكائدين ومكر الماكرين ، اللهم لا تسلط عليا بذنوبنا وتقصيرنا ظالماً ولا حاقداً ، اللهم أعز دينك وانصر شباب دينك الداعين إلى الحق والخير واجعلنا وإياهم هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .