العلمانية هي الحل!
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 14 سنة و أسبوعين
الثلاثاء 02 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 08:18 م

يختنق التنويري أمام إصرار وجمود حماة الإرث، ويقف عاجزا حين يرى أمامه نصوص دينية ترفض أن تتغير الآن، بينما كانت في الماضي ألعوبة بأيادي السلاطين والخلفاء .

في وقت مبكر من التاريخ العربي قال علي أبن أبي طالب عن القرآن بأنه حماٌل أوجه ، وكان يقصد بذلك بأنه هنالك من يمتلك مقدرة على تطويعه لأجل مصالحِه الشخصية ، وتلك إشارة إلى حملة المصاحف في معركته ضد معاوية ومطالبتهم بتحكيم كتاب الله، وما تلى ذلك التحكيم من مسرحة هزلية .

معاوية حين قرر رفع المصاحف واللجوء إلى تحكيم القرآن كان يعلم جيدا أن مطلبه ستلبى، فلا احد كان يجروء على رفض مثل هذه الدعوة، ولكن كيف كان بالإمكان تحكيم كتاب الله في قضية سياسية بحته لم ترد نصوصا حولها، وكيف تم إقحام النص المقدس بكل هذه الفجاجة في معركة تدور لأجل كراسي وسلطة ونفوذ، فمعاوية علم أنه بهذه الحيلة يستطيع على الأقل تغير ولو شيء بسيط من نتيجة المعركة التي بدت تتضح ملامحها، بل أنه جعل من مندوب علي ابن أبي طالب في ذاك التحكيم أن يقبل بعزله من الخلافة، ثم يتم تجميد الوضع كما هو عليه وتصبح الدولة العربية الجديدة مهددة بالتمزق عبر وجود حاكمين في الحجاز ودمشق، كما أنه علينا أن لا ننسى بأن القرآن لم يحل تلك الإشكالية كما أدعى البعض، بل تم حلها عبر الأساليب الدنيوية والدهاء والأخذ والعطاء وفهم كيف تساس الأمور .

أن معاوية وهو ألذي أسس حكما شموليا وراثيا صنع في المقابل دولة عربية واسعة الحضور ، و لا أحد يستطيع أن يعترض عليه حين ألغى مبدأ الشورى في ذاك الوقت لأنه بالأصل لم يقوم أبوبكر الصديق بتطبيق الشورى حين قرر تعيين عمر أبن الخطاب، كما أن عمر حصر الخلافة في عدة أشخاص سماهم بنفسه، وقبل هذا كله جميعنا يعرف أن ما حدث بالسقيفة بعد وفاة النبي من نقاش وتداول أمر الخلافة كان مبنيا على من هو أكثر عصبية ومن هو الأكثر قبولا عند العرب دون التطرق إلى البعد الديني بأي شكل من الأشكال، وهنا نستطيع أن نفهم بأن الدين لم يكن له حضورا قويا في تنظيم الأمور السياسية للدولة كونه لم يتدخل بشكل مباشر بسن قوانينها بل وضع أطر عامة وترك المجال للإنسان لأنه أفهم بأمور دنياه، والدنيا هنا تعني عدة عوامل غير ثابتة بل متحركة ومتطورة ودائمة التجديد، وهذه أمور لا تحتمل النصوصية الثابتة،

فالنص قد يحدد مواعيد الصلاة والصوم لأنها أشياء لها علاقة مباشرة بالله، وتنظم طريقة تواصل الفرد بربه، كما أن النص القرآني وضع خطوطا عامة للتعامل الأفقي بين البشر وترك أخرى للمتغيرات، إلا أنه تحاشى مطلقا سن قوانين الحكم السياسي وكيفية تنظيمها عبر نص صريح وواضح، وهذا يترك المجال للإنسان الذي يعيش حاضره ويرغب بتنظيم أمور دولته _ التي تعني بشكل مباشر بحياته _ عبر أفضل الطرق والآليات الممكنة .

حقيقة لا أعلم على ماذا يستند دعاة الدولة الدينية وإعادة الخلافة من جديد، وخاصة أن التاريخ حافل بما لا يدع مجالا للشك بأن نماذجهم من دول الخلافة الماضية ما كانت إلا صور حية عن الاستبداد والفساد، وأن كانت طريقة الحكم متلائمة مع عصرها ومنسجمة مع الوعي السائد آنذاك، إلا أنه من الصعب الآن تقبل هذه الفكرة والمطالبة بتجديد تلك

النماذج وإسقاطها على حاضرنا .

أن ظهور تلك الجماعات الدينية ورفع الشعارات الجذابة التي تثير المشاعر في قلب المواطن العادي دون أن تطرح برنامجا واضحا وصريحا حول كيفية تعاملها مع الآخر سيجعل منها مجرد تنظيم عاطفي لا يقوى على التعامل السليم مع محيطه، بل سيجعلها منفصلة عن واقعها وعما يدور حولها .

ثم هل تقبل تلك الجماعات الدينية الاعتراف بالتعددية الفكرية من علمانية واشتراكية ، قومية ووطنية ، وكيف ستتعامل مع الأقليات المذهبية والدينية في البلاد، وقبل هذا هل ستتفهم في حال توليها الحكم أن تنزل عن كرسي السلطة حين تُهزم ديمقراطيا وتسلمها لحزب علماني .

كما عليها أن تخبرنا ما هو موقفها من المرأة وهل يحق لها تولي مناصب إدارية عالية أم أنهم سيصرون على أن الإسلام صان حقوقها و أن كل ما عليها هو أن تَقر في بيتها وأن لا تختلط بالرجل الشرير وأن لا تسمعه صوتها لأن هذا الصوت عورة ومثير للغرائز، و هل سترفع العصا أمام أي امرأة لا تغطي وجهها أو شعرها مثلا، وما هو موقفها من الفنون المختلفة كالرسم والغناء والمسرح، وعليها أيضا أن تقول بوضوح لا يحتمل اللبس كيف ستتعامل مع الدول الأخرى وكيف ستبني اقتصادا منسجما مع قوانينها الدينية في عالم لا يعترف سوى بالمصالح والفوائد .

أن رجل الدين وأن كان يفهم ببعض الشعائر الدينية فهذا لا يمنحه أبدا حق المعرفة في أمور السياسة والاقتصاد والأمور الدبلوماسية والعسكرية، فلكل ميدان رجاله ولكل تخصص دارسيه، وإننا إذ نَعجب من رجل الدين حين يغضب لو تدخل أحد الناس بفتوى أو تأويل نصي متهما إياه بالجهل والخوض بما لا يعنيه في وقت نجده هو يدعي معرفة كل شيء بدأ من أمور الحيض وصولا إلى الفلك والفضاء مرورا بطرح الأدوية للأمراض المستعصية كالايدز والسرطان .

أن التضخم الذي يعيشه رجل الدين وهوس الأنا، هو بطبيعة الحال ناتج عن بيئة ومحيط أفتقر إلى مقومات العناية المدنية الحديثة وتركت مهملة في أيادي اللاهوتيين الذين أجادوا استغلال هذه المساحة وتجيريها لصالحهم، وهذا يعود بالضرر ليس على الحاضر وحسب بل انه يؤثر على المستقبل ويرفض قدومه و التعامل معه.

الأنظمة العربية وبمختلف توجهاتها الصورية سواء كانت جمهورية أو ملكية هي من ساعدت على تفشي مثل هذا الأمور ، لاعتقادهم بأفينة الدين، وبأنه وعبر الإسلام الرسمي ستتمكن من جعل الشعوب يطيعونهم بنص قرآني ودعم المفتيين من حولهم، وأن نجحت هذه الوسيلة لوقتا ما، إلا أنها انقلبت كابوسا عليهم وعلى مستقبل أجيالنا، بل أنها أنتجت كارثة كبرى في العراق وجعلت شعب عربي يئن تحت وطأة الاحتلال والإمبريالية من جديد .

على الجماعات التي تسييس الدين أن تخلع هذه العباءة، لأنها وأن نجحت بشكل مؤقت ووجدت تعاطفا من الشعوب، فما تلبث أن تسقط ولو بعد حين، وسيكون السقوط مريعا وحينها ربما لن نجد من سيفرق بين من أستغل الدين لمصالحه وبين الدين ذاته.