لا ثورات شعبية بدون زحف
بقلم/ صلاح محمد العمودي
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 25 يوماً
الأربعاء 24 أغسطس-آب 2011 05:24 ص

الثورات الشعبية السلمية تضع أهدافها وتمضي نحو تحقيقها لا شأن لها بالحوار وهي في نهاية المطاف شئنا أم أبينا زحف سلمي باتجاه المؤسسات السيادية وعلى رأسها قصر الحاكم وهو مبدأ أساسي في أجندة تسلسل تصاعد وتيرة الثورة مهما كانت حالة الأوضاع والظروف المحيطة بالحاكم إذا أرادت أن تفرض إرادة الشعب وتقود مسيرة التغيير الجذري في المجتمع وتسمي الأشياء بمسمياتها أما إذا هي عبارة عن أزمة سياسية فيكفي البقاء في ميادين الاعتصام فيما تجرى الحوارات والمفاوضات وتبادل المبادرات من هنا وهناك حتى تأتي حلول ترضي مطالب الأطراف المتصارعة وينفض كل شيء.

في كل الثورات الشعبية لا شي يخيف الحاكم خاصة ذلك الذي يعلم جيدا ليس فقط كيف جاء إلى السلطة بل وأسباب بقائه فيها أكثر فترة ممكنة ,لا شي يخيفه ويعيده إلى جادة الصواب ويقنعه من أن الأمر جاد وليس تهريجا في ظل تصاعد وتيرة الثورة إلا الزحف والاقتراب من بوابات قصره الرئاسي حينها فقط تجده يهرول باتجاه الراية البيضاء لتنقذه من غضب الثوار إن لم يجد منفذا للهرب أو ينتحر أو يقتل على يد احد أعوانه.

عملية الزحف هذه قد يذعن لها الحاكم ويستسلم وقد تواجه بقسوة شديدة وتسفر عن سقوط شهداء وجرحى ولكنها ضريبة الثورة التي لا مفر منها ويفضل دفعها على أسوار القصر بدلا من ساحات الاعتصام التي تتصيدهم فيها قناصة الموت والغدر واحدا تلو الأخر وتبطش بهم المداهمات الدموية المتكررة إن تحركوا هنا أو هناك في مظاهرات سلمية لكسر جمود الاعتصام.

لم تحسم النتيجة وبشكل نهائي ولصالح الثورة إلا هناك أمام بوابات القصر الرئاسي باستثناء ذلك لا يجد الحاكم المستبد نفسه مضطرا للتنازل عن العرش هكذا طواعية ويرسل في طلب الثوار من ساحات اعتصامهم ليمكنهم من عنقه ويسلمهم وثيقة التنحي عن السلطة شفقة عليهم من ظروف البقاء في اعتصامهم طوال تلك الفترة بعيدا عن أسرهم وبيوتهم , مثل هذا الأمر وبهذه الطريقة الساذجة لم يحدث ولن يحدث وثورات العالم على ما نقول شاهدة.

دون أن نتوغل في الأحداث القديمة يكفينا أن نستشهد بما حدث بالأمس القريب فثورة تونس واجهت كغيرها من الثورات القمع بكل أدواته وأشكاله لأكثر من 23 يوما وكانت في طريقها أن تطول لولا الزحف. ولم يرفع بن علي الراية البيضاء ويتجه إلى اقرب مطار ليهرب على متن طائرته إلا عندما اخبره رشيد بن عمار بان كل شي قد انتهى ولم يعد لديه متسع من الوقت غير مسافة الطريق إلى الطائرة فشباب الثورة زاحفون ولن تستطيع إي قوة أن تنقذه منهم, فهرب بن علي وأعلن عن انتصار الثورة وتحررت تونس وشعبها من طاغيتهم دون خسائر أثناء زحفهم.

في مصر 18 يوما من المواجهات الدامية وحوادث العنف المتواصلة بأشكال متعددة تابعها العالم كله بتعاطف شديد مع الثوار, فكلما سقط منهم شهيد أو جريح كلما ارتفع سقف مطالبهم وازداد إيمانهم بقضيتهم فاشتدت وتيرة الأفعال وردودها بين الرئيس مبارك وثوار ميدان التحرير,تدخل رئيس الوزراء احمد شفيق محاولا أن يشوش على تنظيم حركتهم باستخدامه ورقة سياسة النفس الطويل لكن نتائجها جاءت عكسية تماما حينما تدبر الثوار أمر إفشالها فاضطر بعدها الرئيس مبارك أن يرمي بأخر أوراقه ليعلن عن نقل صلاحياته لنائبه عمر سليمان في خطاب كان الأخير في حياته السياسية , شعر الثوار أن الرجل يتلاعب بهم وانه متشبث بالسلطة ولا يريد أن يتنحى فقرروا الزحف في اليوم التالي بعد أدائهم لصلاة الجمعة بالرغم من تخوفهم من الحرس الجمهوري الذي يدين بالولاء للرئيس مبارك على عكس القوات المسلحة.

لحظات وأصبح الزحف حقيقة واقعة على الأرض سرعان ما وصلت أخباره إلى القصر الرئاسي , في هذه الأثناء فقط دون غيرها شعر الرئيس مبارك أن الأمر جاد وليس تهريجا فخيروه بين أن يكون رئيسا سابقا أو زعيم عصابة مطارد فهرول على وجه السرعة باتجاه رايته البيضاء ليأخذها معه وهو مغادر القصر في طريقه إلى شرم الشيخ, بعدها بساعات تم إعلان قرار تنحيته عن السلطة وتولي المجلس العسكري الأعلى زمام الأمور في مصر , تنفس الثوار والشعب المصري الصعداء وأطلقوا لأنفسهم العنان للاحتفال بنصرهم وتحررهم من طاغية بلادهم دون خسائر أثناء زحفهم وهم ماضون الآن باتجاه تحقيق كامل أهداف ثورتهم.

أما في ليبيا فلأن العقيد القذافي معجون بترهاته وخزعبلاته وأمراض جنون عظمته سرعان ما قرر أن يذبح شعبه فشن عليه حرب إبادة تحت مسمى زنقه زنقه وبسقوطه في فخ الإساءة إلى نفسه سقطت عنه قائمة كل ألقابه المتعددة التي شغل الناس بها فلم يعد ملك ملوك إفريقيا ولا عميد القادة العرب ولا قائد ثورة شعب الفاتح وإنما أصبح زعيم عصابة مسلحة مطارد سينتهي به المطاف مكبل اليدين والقدمين في إحدى زنزانات محكمة الجنايات الدولية إن لم يقتل أو ينتحر , أما ثورة السابع عشر من فبراير فواصلت زحفها عهدا لدماء شهدائها حتى عقر دار الطاغية في باب العزيزية ورفعت علم انتصارها ليرفرف في سماء العاصمة طرابلس التي تشهد احتفالات نصر تاريخي حققه دماء الشهداء الذي لم يذهب هباءً.

هذا هو طريق حسم الثورات ويكذب من يدعي غيره ,وهكذا هم الحكام يرون انه عار عليهم أن يتنازلوا لشعوبهم هكذا طواعية أو عن طريق حبر وورق المبادرات رخيصة الثمن الهدف منها مضيعة الوقت ليس إلا, وكأنهم يريدون أن يختبروا مصداقية ثورات شعوبهم حتى يزحفوا عليهم كي يتنحوا أو يسفكوا المزيد من الدماء ففي الحالتين تكمن نهايتهم.

amodisalah@yahoo.com