آخر الاخبار

مؤتمر مأرب الجامع يدعو لسرعة توحيد القرار العسكري والأمني ويؤكد ان تصدير النفط والغاز هو الضامن لانعاش الاقتصاد الوطني ودعم العملة المحلية الامين العام لمؤتمر مأرب الجامع: مأرب لن تقبل ان تهمش كما همشت من قبل ونتطلع لمستقبل يحقق لمارب مكانتها ووضعها الصحيح قيادي حوثي استولى على مدرسة اهلية في إب يهدد ثلاث معلمات بإرسال ''زينبيات'' لاختطافهن الهيئة العليا لـ مؤتمر مأرب الجامع تعلن عن قيادة المؤتمر الجديدة.. مارب برس ينشر قائمة بالأسماء والمناصب الذهب يرتفع بعد خسائر حادة سجلها الأسبوع الماضي رئيس الحكومة يعلن من عدن اطلاق عملية اصلاح شاملة تتضمن 5 محاور ويبدأ بهيكلة رئاسة الوزراء.. تفاصيل الكشف عن كهوف سرية للحوثيين طالها قصف الطيران الأميركي في محافظة عمران انفجاران بالقرب من سفن تجارية قبالة سواحل اليمن محكمة في عدن تستدعي وزير موالي للإنتقالي استخدم نفوذه ومنصبه في ظلم مواطن العليمي يضع الإمارات أمام ما تعانيه اليمن من أزمة اقتصادية

بيوت من طباشير
بقلم/ عاد نعمان
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 05 يوليو-تموز 2011 04:18 م

هو: "الليد (الولد) ياباني، ياباني، ياباني".

هي: "البنت.. هندية, هندية، هندية".

هم: "هذي سنة العسل.. هذي بطاطا.. فتحي يا وردة.. غمضي يا وردة".

مغمض العينين يسألهم بصوت متلهف: "غاب القمر وإلا عادوووه؟", هم بصوت مماطل: "عادوووه".

هنا في هذه اللحظات تكون أصوات الضحكات أقرب ما يكون للسماء تدق أبوابها، تجمعها الملائكة، لتحتضنها الرسل ويباركها الرب، وغيرها الكثير من الأغاني والأهازيج التي يرددها الأطفال، ليس أي أطفال.. إنهم أطفال عدن – أقصد أطفال جنة عدن – في وقت العصرية. ستدرك كزائر لأول مرة كل ذلك التنوع من عناصر الطبيعة والحياة التي تملؤها البراءة والجمال، حين تطل على بداية إحدى الحواري (الحوافي) العتيقة في مدينة عدن. بينما يأخذك ذلك المشهد البديع إلى أيام الطفولة وتقف بذهول تشاهده، ستقترب منك طفلة صغيرة قد مشطت شعر رأسها وربطته (ربطة ذيل الحصان) بقابضة شعر زرقاء ولبست ثوبها القفاز الأبيض المزين بورود حمراء وصفراء وارتدت حذاءها الأبيض بأشرطته الزرقاء، تحمل بإحدى يديها كيس الديمن (ثمار إحدى أشجار عدن) وفي اليد الأخرى آيسيكريم الفيمتو، وستسألك بابتسامة عريضة قد رسمت على وجهها الصغير:

- بيت من تشتي يا عمووو؟

لا تستغرب من تصرف لطيف كهذا ومبادرة تستصعب على الكبار أكثرية الأحيان، فهي تعرف بيوت الحافة بمن فيها بيت بيت، شخص شخص. وبينما أنت تقف صامتًا ولمجرد ثوانٍ سيلتف من حولك الأطفال وسيبدءون بالتساؤل فيما بينهم..

- من دااا؟

- إيش ضيع الطريق حق بيتهم؟

- بيت من تدور يا عمووو؟ نحنا بنوديك لفين ما تشتي.

بالعودة إلى ركن الحافة، ستجد الخالة رجاء تجلس على كرسي خشبي بجانب صندقتها (كشكها) الذي تبيع فيه السكر النبات والـ(لانجوس) والشوكولاتة والطماش (الألعاب النارية) بكافة أنواعها، أمامها ثلاثة أطفال قد رسموا بالطباشير الملونة على الأرض بيوت – وهمية – لكي يمتلكوها خلال لعبهم – مجرد لعبة – تسمى بـ (الشبدلوه)، 10 بيوت رُسمت بصفين متوازيين في كل صف خمسة بيوت، كُتب على كل بيت رقمها ومستقبلًا اسم مالكها لتُعرف أنها له. سيقف اللاعبون على جانب البيوت وسيقوم اللاعب الأول برمي الحجرة على أول بيت، وسيقفز برجل واحدة بينما يمسك الأخرى بيده ليدوس على الحجرة ويتبقى عليه أن يحافظ على توازنه بالنط من بيت إلى آخر حتى يكمل لفتة الأولى. وسيكرر ذات الخطوات مع بقية البيوت، فإن استطاع أن يلف البيوت كلها عشر مرات، سيقف معصوب العينين ليرمي بالحجارة، فإن حطت على بيت سُيكتب عليها اسمه وإن حطت خارج إطار اللعبة التي حصرت البيوت سيفقد حقه في أن يحصل على بيت – مجانًا مع قليل من الحظ وكثير من التعب بالنط – ولكن ستكون له فرصة قادمة، فهذا ليس يعني أن يعيد كل تلك الإجراءات الأنفة ذكرها. في عالم أطفال عدن يمكنك أن تمتلك بيتًا باللعب النظيف البريء ولو ليوم واحد فقط، فبعد أن ينتهي الأطفال من لعبتهم المفضلة والتي يحلم الكبار بها لأطفالهم الصغار، ستمحو الرياح وآثار الأقدام ملامح البيوت لتنتهي معها أحلام جميلة لحقوق أصيلة جُردنا منها. لكن الحلم لا يتوقف هنا، فيوم الغد سيحمل ضحكات جديدة وسترسم بيوت وهمية جديدة وسيتجدد الحلم.

هو: "من كُبته ... طيار".

هم: طياااااااااااااااار

هو: بعد العشاء والنهار، ما أحد يمسك بيت؟

هم: بيت؟ ،،، بيت؟ ،،، بيت؟

هذه المحادثة ستغنى خلال اللعب بين "هو" من يقف بالوسط و"هم" الذين يحيطون به في دائرة مغلقة، كلٌ يقف على بيته، وبعد أن يعلن عن الاسم الذي أختاره ليحذر كل الأطفال من أن يقفوا على بيته، سيجب على جميع الأطفال أن يغيروا مواقعهم بسرعة وبشكل عشوائي ليبحثوا عن بيوت جديدة، وقد يكون هناك اتفاق مسبق بين صديق وآخر حتى يحافظا على أدوارهما (بيوتهما) وتواجدهما إلى آخر اللعبة، والشاطر هو الذي يحافظ على بقائه. الكل سيغير بيته ولن يحتفظ أحدهم ببيته لمرتين متتاليتين وإن فعل ستتعالى الصرخات والصيحات.

هم تنكيل بهو: غشاااش ... غشاااش ... غشاااش

وبمجرد رفضه لذلك الحكم الذي فضحه من قبلهم، ستعلو صرخات أعلى وأقوى

هم عنادًا له: حناااق ... حناااق ... حناااق

تتذكر صديقتي العزيزة حنان محمد فارع أيام طفولتها في عدن، تقول: كنا نغادر بيوتنا بعد صلاة العصر مباشرة، بعد أخذنا قيلولة ما بعد الظهر للراحة، تعطينا أمهاتنا مصروف العصر ويمر علينا أصدقاؤنا لنلعب سوية أمام دكان الشحاري. وعند إعلان إمام المسجد قدوم موعد صلاة المغرب، نهرول مسرعين عائدين إلى بيوتنا لمشاهدة برامج الأطفال. أحيانًا كنا نلعب بعيدًا عن بيوتنا، ودون تخطيط مسبق منا نجد أنفسنا نشاهد برامج الكرتون في بيوت أصدقائنا ولن نعرف أننا في بيوت غير بيوتنا إلا مع أول فاصل إعلاني ولن ندرك أننا تأخرنا إلا بعد انتهاء فقرة الأطفال على الشاشة. فالبيوت وقتها كانت تفتح أبوابها لجميع الأطفال لمشاهدة مسلسلات الأطفال "اوسكار" و"بيبيرو" و"سنان" و"بسمة وعبده" وغيرها الكثير مما نحفظ أغاني مقدمة ونهاية كلًا منها بمشاركة أصدقائنا، مما لا ينسى وباقي في الذاكرة راسخ ومتجذر كحبنا وحنينا لتلك الأيام.

ما زال أصدقائي يتذكرون تخيير أهلهم لهم بين الساعة التاسعة صباحًا والساعة الخامسة عصرًا في أيام العطلة الصيفية، كموعد مقدس للذهاب إلى بيت الحجة فاطمة الصومالية (المعلامة)، لحضور دروس اللغة الإنجليزية، فقد عاشت الحجة فاطمة لسنين طويلة في خدمة الإنجليز، بالإضافة لعملها كموظفة في إحدى الكنائس اكتسبت خلال تلك الفترة اللغة. يقولون: نتذكرها جيدًا كانت لطيفة جدًا معنا تعطينا الدروس مقابل رسوم بسيطة تعود لكرم وعطية كل عائلة توفد أطفالها لتعلم اللغة الإنجليزية، ونتذكر جيدًا كيف كانت أمهاتنا يوصنا بأن نبلغها تحياتهم وأن ننتبه لها ونسألها دائمًا عن إذا ما كانت تريد أي شيء، ويضيفون قائلين: كنا بالاتفاق مع الأطفال بعد انتهاء كل درس نقوم بترتيب بيتها البسيط كرد لذلك المعروف الذي تقدمه لنا، ننظف بيتها وكأنه بيتًا من بيوتنا.

في إحدى النزهات مع العائلة إلى شاطئ ساحل خليج الفيل، لمحت بطرف الشاطئ قريبًا من قوارب الصيادين خيمة نصبها أحد الأجانب، اقتربت بحذر منه وهو يجلس بالقرب من خيمته يتأمل في ذلك الخط الأفقي الذي يفصل البحر عن السماء كما يبدو له من موقعه والبواخر تبحر في صف واحد، سلمت عليه وتعرفنا على بعضنا، وسألته "لماذا أنت في عدن؟" أجابني بأنه في رحلة مع مجموعة من الأصدقاء، فسألته "أين هم أصدقاؤك؟ ولماذا لست معهم؟" أجابني والفرحة تعلو ملامحه "أصدقائي يسكنون الفندق، وهم الآن يتجولون في المدينة", وأضاف بكل سرور "قررت أن أقيم هنا في خيمتي على الساحل"، وزادني من الشعر بيت "في عدن دون غيرها من مدن اليمن.. تستطيع أن تعيش وتسكن وتنام في أي مكان وليس هناك من مكان أفضل من ساحل عدن الذهبي لتمدد عليه وتنظر إلى السماء لتعد نجومها، تلاطفك نسائم البحر الدافئة التي تهب بهدوء".

هذه هي عدن.. كل حافة، شارع، حي.. هو بيت. ستجد ذات التفاصيل في كل شبر فيها، ذات الوجوه والأماكن ستتكرر معك ليس من باب التشابه بالملامح ولكن بما تشع من حب وود ورحمة وتآلف. بساطة عدن.. اختزلت الحياة بكبرها في بيت بما تقدمه من شروط سهلة لمن يريد أن يعيش ويتواجد فيها، فكل ما عليك أن تفعل أن تفتح قلبك وتقبل على الآخر بمرونة لتقدم معه للعالم أجمل صور التعايش. إذا كانت الظروف لم تمنحك الفرص لتحصل على ملكية بيت صغير تتكون من غرفة وحمام وصالة، أو مجرد استئجار إحدى البيوت المتلاصقة صار بحكم المستحيل، يمكنك أن تجهز عدتك لتزور مدينة عدن بصحبة خيمتك لتركزها على اقرب ساحل يقابلك، ولتعيش قرب البحر ليالي جميلة. وإن لم تستطع فأشتري بـ 50 ريال طباشير ملونة لترسم مع أطفال عدن على الإسفلت 10 بيوت لتلعب معهم لعبتهم المفضلة الـ (شبدلوه) علك تحصل على بيت ولو باللعب.

al-meena1920@hotmail.com