نحو رد استراتيجي حضاري على الهجمة الفرنسية على الإسلام
بقلم/ أ د منصور عزيز الزنداني
نشر منذ: 4 سنوات و أسبوع
الأحد 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 04:31 م
 

في البداية لابد أن نضع بين يدي قيادة الأمة العربية والإسلامية ونخبها هذا التساؤل: لماذا الاختلاف في ردة فعلنا تجاه الهجمة الفرنسية على الإسلام ؟!

إن الروابط والأوامر المشتركة بيننا كثيرة جدا فالإسلام ديننا جميعا والنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم نبينا جميعا والقبلة واحدة والأمة العربية والإسلامية أمة واحدة لا تتجزأ ، اكرر لماذا الإختلاف ؟؟؟

ان الإساءات والتطاول التي صدمتنا جميعا من فرنسا الرسمية بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وللإسلام كدين قد اصابتنا جميعا وعلينا ان نبحث جميعا كيف نردوبالطرق السلمية على هذا الهجوم الفرنسي ضد معتقداتنا وحتما ستكون المقاطعة الأقتصادية هي خيارنا الأول تجاه من يتطاول على ديننا ومعتقداتنا وربما قد نحتاج في مرحلة أخرى الى استدعاء سفرائنا وهناك الكثير من الإجراءات الدبلوماسية والإقتصادية التي قد تكون فاعلة جدا في مواجهة مثل هذا السلوك الفرنسي المرفوض رسميا وشعبيا في الدول العربية والإسلامية . وكل ذلك لنؤكد لفرنسا وغيرها أن العلاقات الدولية تنظمها وتتحكم بمسارها قوانين وأعراف دولية على اساس من احترام المصالح المتبادلة بينها ومن تلك المصالح بل وفي مقدمتها احترام سيادتها واحترام عقيدة شعوبها ورموزها الدينية والوطنية التاريخية منها والمعاصرة واحترام خصوصيتها الثقافية وحضارتها بما في ذلك رعاية المواطنين المقيمين فيها بجنسياتهم المختلفة ورعاية وحماية حقوق الإنسان بأبعادها الوطنية والدولية فتكون تلك العلاقات بين الدول علاقات سلمية تعاونية وايجابية ومثالية تحترم سيادتها وتتجنب كل ما يسيء او ينتقص منها او يشوهها وتحافظ على المصالح المتبادلة والمشتركة بينها وتعمل على تطويرها وتنميتها وتعزيزها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية وحتى العلاقات العسكرية والأمنية وغيرها من العلاقات التي تنشأ بين الأمم والشعوب .

وبالمقابل وهو الوجه الآخر من العلاقات الدولية هي تلك العلاقات التي تكون بين بعض الدول ولكنها علاقات غير مستقرة لأنها تتصف بالسلبية والصراعية وغير التعاونية ، وهي علاقات صدامية وعدوانية وغير سلمية وتتميز بعدم احترام سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وتتعدى على حصانتها وتخترق حقوقها السيادية وتنال من رمزيتها وخصوصياتها الدينية أو الثقافية او الإجتماعية وتُكثر من عدم إحترام مصالحها وتعمل على إضعافها وربما اعلان الحرب الدينية او الإعلامية او السياسية او الثقافية او الاقتصادية عليها وتتجاهل قواعد القانون الدولي وتصعد من تلك العلاقات السلبية التي تنشأ بينها لتتطور في بعض الأوقات لتصبح عدوانا واضحا ومباشرا وحربا صراعية عسكرية دموية ومدمرة لإمكاناتها وقدراتها .

وهناك نوع ثالث من العلاقات الدولية وهي تلك العلاقات الكامنة غير المتحركة وهي ليست علاقات صراعية ولا تعاونية لأنها غير نشطة حتى وان كان هناك بينها اعتراف متبادل كدول ذات سيادة ولكن قد تغيب بينها المصالح المشتركة وكما يغيب عن علاقاتها المبررات للحالة العدائية او الصراعية غير انها قد تتطور لتصبح في المستقبل مثل النوع الاول او النوع الثاني للعلاقات الدولية ، علما انه لا يوجد عرف دولي ولا قاعدة قانونية دولية يلزم اي دولة بإقامة علاقات سياسية او دبلوماسية او حتى اعتراف متبادل مع دولة أخرى وهي لا ترغب بها لان ذلك حق سيادي خالص لمشيأتها ووفقا لما تعتقد انه يخدم مصالحها ومبادئها وحقها السيادي المتمثل بحرية التصرف وفقا لقراراتها الذاتية لأن اساس الاستقلال لأي دولة هو ضمان سيادتها وحرية اتخاذ القرارات التي تتعلق بشؤنها الوطنية وعلاقاتها الدولية.

واليوم نجد ان الشعوب العربية والإسلامية وبعض حكوماتهم في حالة سجال سياسي واعلامي ومقاطعة اقتصادية مع الجمهورية الفرنسية حول ما جرى ويجري بخصوص إسآءات الرئيس الفرنسي ماكرون المتكررة للإسلام كدين ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . 

ولا شك انها إساءات صادمة ومروعة وغير متوقعة لكل الدول الإسلامية حكومات وشعوب لأنها صادرة من قبل اعلى سلطة في الدولة الفرنسية ، لأنها اساءات بالنسبة للمسلمين ليس محلها الرأي والرأي الآخر كونها قد فاقت كل انواع الأختلاف وطعنت رسميا وباسم الدولة الفرنسية بنبي الأمة وبالإسلام كدين يؤمن به شعوب خمس وخمسون دولة عربية واسلامية وهي جميعا دول مستقلة ذات سيادة ولأنها جميعا تقيم علاقات سلمية تعاونية ودبلوماسية وسياسية مع فرنسا ، الا ان الرئيس الفرنسي ماكرون وبحماقة لم يسبقه اليها احد قد تجاوز كل قواعد القانون الدولي والأعراف المنظمة للعلاقات الدولية ، وذلك حين اعلن وبكل غرور ووضوح انه يؤيد ويشجع ويحمي بل ويتبنى الصور المسيئة لسيد الخلق اجمعين محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو بذلك يعبر رسميا وبإسم الجمهورية الفرنسية ليدعم تصرفه الخاطيء وسلوكه المشين ايضا حين يتطاول بإساءته المزدوجة للد

ين الإسلامي وبإسلوب يظهر فيه عدم احترامه مقدسات المسلمين ومشاعرهم حتى وان بلغ عددهم مليار وسبعمائة مليون مسلم ومسلمة .

 ان هذا السلوك العدائي غير المبرر تجاه الاسلام كدين ليس محسوبا على ماكرون بصفته الشخصية فقط انه محسوب على الدولة الفرنسية ايضا وفقا لقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية .

وما يزيد الأمر حماقة أن ذلك الخطاب المشين لماكرون يبرر بشعارات مثل الابداع وحرية التعبير وتشجيع الفنون وبطريقة استعلائية مسيئة للآخرين .

ان سلوك فرنسا ورئيسها وبعض نخبها السياسية تجاه نبينا العظيم وديننا الإسلامي لا يمكننا قبوله تحت مبرر حرية التعبير ولا يمكن وصفه الا بأنه سلوك عدائي ومن الدرجة الأولى وتعدي صريح وخطير وغير حصيف على سيادة الشعوب والدول العربية والإسلامية وبطريقة لا لبس فيها من قبل فرنسا كدولة وهو تصرف ليس له مثيل سابق في علاقات المسلمين الدولية مع دول العالم اجمع لا في الماضي ولا في الحاضر .

وبرغم عدم موافقة أي مسلم على بعض التصرفات الخاطئة التي يقوم بها اي فرد اوجماعة بصفاتهم الشخصية التي تسيء الى الآخرين الا أن الأمر هو مختلف هنا فماكرون تصرف وأساء الى كل الشعوب والحكومات العربية والأسلامية وبصفته الرسمية كرئيس للجمهورية الفرنسية واعتبر ان ساءاته هي الموقف الرسمي لدولته التي يمثلها .

 وقد كان الهدف للرئيس الفرنسي والذي جاء في حديثه الهابط هو السخرية من قدسية النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند المسلمين والحط من مكانة الإسلام كدين عند الشعوب الإسلامية والشعوب الأخرى .

ان هذا السلوك الفرنسي كان بحاجة الى وقفة جريئة من قبل كل المنظمات الاقليمية العربية والاسلامية وكذلك من قبل الحكومات والدول الإسلامية للدفاع عن عقيدتها لأن هذا التصرف لم يكن تصرفا فرديا لفنان مغمور او كاتب مجهول او مواطن مخمور انما هو تصرف رسمي موثق من قبل الدولة الفرنسية تجاه خمس وخمسون دولة مسلمة تقيم علاقات دولية متكافئة مع الجمهورية الفرنسية تُلزم فيها فرنسا ووفقا للاعراف والقوانين الدولية بحماية المصالح العليا لجميع الدول الإسلامية وفي مقدمة تلك المصالح كل ما يخص من حماية مطلوبة لعقيدة شعوبها وعدم التعدي عليها وعلى سيادتها ، الا أن الرئيس الفرنسي ماكرون وبشكل متعمد أساء فعلا الى العلاقات الفرنسية مع الشعوب الاسلامية دون استثناء وتجاوز بإسم الجمهورية الفرنسية كل المواثيق الدولية وكل الخطوط الحمراء التي لا ينبغي ابدا لأي دولة محبة للسلام بين الشعوب والأمم ان تتجاوزها ليس فقط في حالة الحرب بل ومن باب أولى في حالة السلم القائمة بين الأمة العربية والإسلامية والشعب الفرنسي .