البنك المركزي مستقبل أسود
بقلم/ عبدالله الثلايا
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 9 أيام
الثلاثاء 04 مايو 2010 08:34 م

رغم استبداله بنائبه المنزوي والهرم الذي يبلغ من العمر 72 عاماً، عبرت إقالة محافظ البنك المركزي اليمني المتأخرة وغير المتزامنة مع أي تطور بنيوي حكومي عن إعتراف حكومي صريح بفشل سياسة المحافظ في تطوير السياسة النقدية والمصرفية ربما نظراً لسفرياته المتعددة التي بلغت 10 سفرات خلال العام الجاري فقط وربما ككبش فداء لتدهور العملة الوطنية أو ربما لكذب المحافظ على الحكومة والجمهور بأن البطالة انخفضت الى 6% (من حوالي 18%) والنمو ارتفع الى 8% (من 3.5%) وذلك خلال عام 2009 الذي شهد أصلاً تراجعاً في الصادرات النفطية بنسبة 50% تقريباً وذلك عند حضوره تدشين اشهار جمعية الصرافين في 16 مارس الماضي. 

اقتصاديو الحكومة والجهل الاقتصادي

العجيب أنه لا يوجد (إطلاقاً) من إقتصاديي الحكومة من يفهم أسرار هبوط عملتنا .. ولا أزال أتذكر فترة في عام 2006 حينما تدهورت العملة بشكل مفاجيء ولم يجد أحد سفراء الدول المانحة (خريج اقتصاد) أحداً يقنعه بأسباب ذلك في مكالمات هاتفية ثم جلسة مقيل مع ما يقرب من 6 اقتصاديين حكوميين ذو علاقة مباشرة، ولم يحل اللغز إلا مختص في الإحصاء ويعمل متعاقداً لدى الحكومة. في حقيقة الأمر أن تبريرات الاقتصاديين الستة تشابهت كثيراً مع تبريرات المحافظ السابق السماوي مؤخراً الذي جمع كافة الأسباب الممكنة للتدهور أمام البرلمان. لكنني من جديد لا أفهم لمَ لمْ يتأثر الريال بتلك العوامل التي ساقها المحافظ رغم وجود نفس الظروف عام 2009 و2007 وهكذا مثلما تأثر به خلال الشهر ونصف الأخير الذي خفض العملة بما نسبته 13%. ومما يثبت ما ورد أعلاه من جهل اقتصاديينا بالاقتصاد ما صرح به وكيل المحافظ للعلاقات الخارجية خلال كارثة التدهور الأخيرة أثناء سفرة المحافظ الأخيرة حيث تناقض حديثه 100% مع تبريرات محافظه في البرلمان، حيث صرح للصحافة أن ما شهدته أسواق صرف العملة في الايام الاخيرة لاتبرره أيه معطيات اقتصادية ، وأنه اعتمد في تفاعلاته على اشاعات غير صحيحة عن الاقتصاد اليمني، وعن مستوى الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي ، وكذا قدرة البنك على تغطية احتياجات السوق من العملة الاجنبية . وقال النهاري أنه على العكس من تلك الاشاعات التي لاتحمل ايه مصداقية ، فكل المؤشرات تؤكد على ان عام 2010م سيشهد زخماً كبيراً في الانشطة الاقتصادية ، وبما يحقق النمو المستهدف للعام والذي يتوقع ان يصل الى 8%(مصداقاً لمحافظه) . واستند النهاري الى العديد من الحقائق بتحقيق النمو المستهدف (رغم أنها كلها توقعات). وتؤكد كل تلك التصريحات اللامسئولة الحقيقة التي يؤمن بها المتعاملون في السوق المحلية وهي أن كل المؤشرات والتقارير الحكومية عن وضع الاقتصاد اليمني عشوائية وغير حقيقية، وهو ما يجعل أولئك المتعاملين يبنون قراراتهم المرتبطة بالشأن الاقتصادي على أساس تخميني وتستند إلى توقعات مرتبطة بالمؤشرات الحالية أو بالشائعات أكثر من ارتباطها بالحقيقة.

المركزي في مواجهة 2010

يشهد العام الجاري 2010 أسوأ فترة بالنسبة للاقتصاد اليمني بعد الركود الاقتصادي الأسوأ في تاريخه عام 97 وبالرغم من انتهاء الحرب السادسة في بدايته وبدء تصدير الغاز المسال وبدء اجتماعات لندن وما يتلوها كموارد جديدة طالما راهنت الحكومة عليه كثيراً أمام أعداءها في المعارضة. فالريال اليمني يواصل تدهوره الرهيب أمام الدولار الأمريكي المتراجع عالمياً نتيجةً للسياسة النقدية الفاشلة التي يتبعها البنك المركزي اليمني التي تسير على نفس المنوال منذ العام 1995 واحتياطي البلد من النقد الأجنبي في تآكل مستمر بسبب سياسة ضخ الدولار لدعم الريال، وتراجع الصادرات النفطية بنسبة 50 % تقريباً وارتفاع عجز الموازنة إلى نسب حقيقية مرتفعة الامر الذي يرفع التضخم وبالتالي مؤشري البطالة والفقر إلى مستويات الكارثة.

يؤكد اقتصاديو البنك المركزي ومنذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في منتصف التسعينات أن سعر الريال الحقيقي أمام العملات الأجنبية أعلى مما هو موجود بدليل تدخلاته في سوق الصرف، وبالتالي انتهج سياسة تسمح في مضمونها بارتفاع تدريجي في سعر الدولار وهي أحد الأخطاء التي أدت إلى إحداث تراجع حقيقي وملموس في سعر الريال، ما جعل المتعاملين يؤمنون بحقيقة أن التراجع في سعر الريال عملية مستمرة، وبالتالي تكون الدولرة أضمن لحفظ مدخراتهم من الادخار بالريال وهي الظاهرة التي برع المحافظ في التحذير منها.

ولعل الأصلح هو أن يفترض البنك المركزي عند تحريره سعر الريال في منتصف التسعينيات أن ذلك السعر هو السعر الحقيقي ويضع ونسق السياسات النقدية والمالية والاستثمارية المناسبة التي تعمل على استقرار سعر الصرف عدا الحالات التي تبررها ظروف اقتصادية هامة، بالاضافة الى سياسة البنك في اعتماد آلية خاطئة في التدخل في سوق الصرف تعمل على اشعال سعره بدلاً من اطفائه وذلك في بيعه الدولار لمن يدفع أكثر من الصرافين والبنوك وليس البيع بالسعر الثابت بحسب احتياجات البنوك الوطنية (فقط) من العملة الصعبة بدلاً من إثارة المضاربات بالعملات.

تلك السياسة النقدية الخاطئة إلى جانب عوامل أخرى هي الأبرز في التسبب في حدوث المضاربة لأنها لم تعمل على تنويع الاستثمارات الداخلية ولا على زيادة الثقة بالريال اليمني. وفي حقيقة الأمر أن البنك المركزي قد وقع في مأزق محكم فإن هو ترك الريال على ما هو عليه سيهبط إلى مستويات قياسية وإن دعمه فسينفق احتياطيات البلاد الخارجية، وبالتالي فإن الوضع يستدعي استراتيجية متكاملة معينة بالتنسيق مع وزارتي المالية والتخطيط لتوفير سيولة للبنك المركزي ولو بشكل مؤقت حتى يتم ايجاد مصادر جديدة بالعملة الأجنبية لتعويض تناقص دخل النفط. ولهذا دعونا كغير اقتصاديين نقول أن الظروف الحالية الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد بسبب انخفاض الدخل القومي الحاد هو ما جعل تدخل البنك المركزي في دعم الريال ضرورة في هذه المرحلة حتى لو كانت عواقبها مدمرة في الأجل الطويل كما يتوقع لها الاقتصاديون.

"لولا سعيدة لبيت رَدَم..."

لتمالؤها الواضح والمعتاد مع عناصرها "الذين لا يخطئون أبداً" ولعدم بحثها وراء القوي الأمين الذي لا تأمنه الحكومة، قامت الحكومة ممثلة بمكتب رئاسة الجمهورية بإحاطة المحافظ السابق "السماوي" بقرار الإقالة قبل اصداره بأيام بحكم أنه كان يعمل مستشاراً لديه قبل البنك وكان من أشد المرتبطين والمتبعين لتوجيهاته وتوصياته. لذا فقد حزم السماوي أمتعته من مكتبه في البنك باكراً ونظم اجتماعاً نادراً بكبار مساعديه في ذات اسبوع الاقالة حتى يأتي اليوم الموعود لا يحتاج فيه أن يعود الى البنك لجلب شيء خاصته بغرض تجنب شماتة من أساء لهم من الموظفين. ومما يعمق ذلك التمالؤ الركون اليه في ترشيح من يراه مناسباً لشغل منصب المحافظ. ولعل كاتب هذه السطور البعيد عن مرمى عمل البنك قد علم مسبقاً بالاقالة والخلافة وخلفيات كل ذلك قبل اعلان القراران الجمهوريان ذوا العلاقة باثنى عشر ساعة، إلا أنه تفاجأ خلال اشاعته الخبر لأصدقائه معرفتهم به قبله وعلى نطاق واسع.

زيما رُحتي.. جيتي

لقد عبرت حركة التغيير الفاشلة لقيادة البنك عن رسالة للعامة تفيد أن الحكومة تهتم لارتفاع الدولار فقط بينما مثلت في حقيقة الأمر مثالاً لتدوير الوظيفي المعتاد كما عل أحد المراقبين وعدم جدية الحكومة في تقوية القدوة الحسنة وتهجينها بالخبرات المتعلمة الأتوقراطية والمشجعة على التغيير والتحديث.

فمن لا يعرف شيئا عن المحافظ الجديد محمد بن همام سيصاب حتماُ بالصدمة حينما يعلم أن هذا الرجل كان وكيلاً للمحافظ للعمليات الخارجية وأحيل الى التقاعد في عام 1999 بسبب السن ثم تقدم المحافظ السابق بالتماس لدى مجلس الوزراء للحصول على تمديد له وحصل على تمديد لعامين ثم رفض تجديدها. ثم تقدم السماوي بتوصية الى مكتب الرئاسة لتعيينه نائباً له لينجو من مصير التقاعد وتم له ما أراد، وكل ذلك بسبب أنه كان ممن يبني السماوي قراراته عليه كان بن همام ذاته.هذا يعني أن بن همام قد تجاوز سن 72 عاماً اليوم أي أكبر سناً من المحافظ السماوي ذاته بكثير. ويتميز بن همام المنحدر من أسرة شحرية بسلبيات عديدة في شخصيته أحدها ضعف شخصيته أما أصحاب المصالح والصوت العالي من الصرافين والتجار والنافذين مثلاً، بالاضافة الى التأتأة في الكلام والسرعة بحيث لا يدري المستمع ماذا قال له وسرعة اجهاد نظره الضعيف مما يجعله غير قادر على القراءة لوقت متوسط. كما انه بشتهر بعدم استماعه للموظف ويكتفي بحكم المدراء عليه ولو كان سبب الحكم عليه منهم بسبب الشللية أو الكراهية الشائعة هناك. أما ايجابياته فهي نزاهته "بما لا يخالف القانون" وخبرته الطويلة في المعاملات المصرفية الخارجية (وليس النقدية) ولغته الانجليزية وان لازمتها التأتأة أيضاً. كما ان اتجاهاته الفنية تتوافق مع اتجاهات المحافظ السابق ما عدا معارضته لسياسات رفع أسعار الفائدة لأثرها العكسي على الاقتصاد وانحيازه لحلول اقتصادية أخرى لا يعتبرها من مسئوليات البنك المركزي.

لعل الحقائق التي سيقت أعلاه تمثل مؤشرات على ملامح المرحلة المقبلة للقطاع المصرفي والندي ومدى التغيير المحتمل. ولعل بن همام نفسه قد بادر بذلك بعد يومين من تبوأه المنصب، حيث كشف في إحدى الفعاليات الداخلية للبنك عن تفاصيل استراتيجية عمل البنك للأعوام الخمسة القادمة الأمر الذي بشير بوضوح الى تشابه المستقبل بالذي مضى تظراً لأنه من صناع القرار السابقين أساساً، رغم استبعادهم انشغال المحافظ الجديد بمسلسل التوريث وتأليف الكتب الأدبية التي طالما شغلت معظم وقت سلفه.