حوار ساخن مع "أنصار الشيطان"
بقلم/ عبد الله زيد صلاح
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 23 يوماً
الثلاثاء 21 فبراير-شباط 2012 05:07 م

لا أعرف من أين نبدأ، نحن أمام جماعة تزايد باسم الله وترفعه يافطة عريضة في حلها وترحالها، اشتقت لها اسما من شريعته، نسمع لها جعجعة هنا وهناك، ونرى لها طحينا هنا أكثر من هناك، لها رؤية ظاهرها الهداية والرحمة وباطنها الغواية والعذاب، لها فاعلية تتجاوز فقه اللعب على المشاعر إلى تشكيل القناعات ومبادئ الإيمان العميق بأفكار (الشيطان) لا أفكار (الله) عن طريق تسخير النص القرآني وحلاوة لفظة وإعجاز بيانه...... جماعة ترفع شعار (الحاكمية لله) وهي في حقيقة الأمر تبعد عنه بعد المشرق والمغرب.

قلت لا نعرف من أين نبدأ، لأننا نقف على فئة تعيش حالة انفصام حقيقي مع الله وكتابه وسنة نبيه وسنن الحياة بشكل عام...إن تحدثت بالقرآن معها وأحكامه ومقاصده فأنت في عرفها قاصر ومؤول ومبتدع لا تفقه شيئاً في دين الله، فالدين ما فهمته وعرفته ـ لا أريكم إلا ما أرى ـ وآمنت به طائفة من الأتباع والأولياء، هم "الفئة الناجية" في فكر الجماعة وعقيدتها بكل تأكيد وجزم. وإن تحدثت بالعقل والمنطق وفقه الواقع وسموك بالتشريق والتغريب والعلمنة وموالاة الكفار، ومن متى كان العقل حجة في دينهم، وهو مناط التكليف وبذهابه ترفع الأقلام وتجف الصحف. ومن متى كان العقل عندهم وسيلةً لقراءة شرع الله وتدبر مقاصده والنظر إلى قرائن العصر وتصالح روح الدين معها دون تنفير أو تحجيم أو تحجير.. إذن فبأي لغة تتحدث مع فئة ينطبق عليها مفهوم "أنصار الشيطان" وصفاً ومعرفة وتحقيقاً.

نعم قد لا يكون المرء حجة في شرع الله، أو مرجعية في عالم السياسة، أو منظراً في علم من العلوم، لكنه بكل تأكيد لا يخلو من نزعة إصلاح بطبيعة فطرته وإنسانيته. تألف هذه النزعة قيم الخير والجمال وتحض عليها، وفي الوقت نفسه تأنف عناصر الشر والقبح وتلفظها بعيداً ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. قد تتفاوت درجة اقتراب الذات البشرية أو ابتعادها عن كنه تلك الحقيقة وروحها، بيد أن ما هو مسلم به أن السلوك الشائن أو الفعل القبيح يتجاوز بكل تأكيد روح الإنسان وفطرته السليمة التي فطره الله عليها.

في إمكاننا مقاربة ذلك بكل سهولة منذ أن شاءت إرادة الله أن تجعل في الأرض خليفة، إذ تتجلى بوضوح ثقافة التباين، والفعل ورد الفعل، في سياق قيم الخير وقيم الشر إن جاز التعبير. فعلى حين آمنت الملائكة بإرادة الله في استخلاف الإنسان، نلاحظ شذوذ واحد منهم (إبليس) وانحرافه عن وعي الملائكة الجمعي، فهو يعترض ويحاجج ربه بغير حق، فيحاججه الله سبحانه ويحاوره، وهو القوي العزيز شديد العقاب والقادر على كل شيء "إنما أمره إذآ أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون"؛ ليري عباده ويعلمهم أهم قيمة من قيم الحياة، وهي قيمة الحوار وقبول الآخر أياً كانت وجهته الفكرية أو العقدية.

وبعد أن استخلف الله الإنسان في الحياة الدنيا، وتوالد الأب والأم (آدم وحواء)، فعل أحد الأبناء "قابيل" فعلته ــ وهم قلة ــ ليعزز من حضور فكرة الشر والقبح التي أسسها المعلم الأول "أبليس". ومع أن أصل فطرته قد أشعرته بالذنب والندم في صورة بصرية ونفسية صورها لنا القرآن، إلا أن أثر الحافر ظل يتكرر في كل زمان ومكان.

هكذا تأسست الحياة وتعاقبت أحداثها المتنافرة حيناً والمتضادة أحياناً أخرى أحقاباً من الزمن، تسير بذور الشر ومكوناته جنباً إلى جنب من مبادئ الخير وقيمه، ندرك ذلك من تباين الآراء وتعدد الأصوات، إلى درجة يخفت فيه صوت الحق أكثر مما يصدح، لا لضبابيته وإنما لتعاضد قوى الشر وعصبيته وغلبته، كما فعل أخوة يوسف، وقوم نوح وقوم لوط وقوم محمد ـ قبل أن يهديهم الله ـ قديماً، وكما تفعل قوى الشر والطغيان اليوم، لا في عالم الكفر والإلحاد، ولكن ـ أيضاً ـ في عالم التوحيد بالله والاعتراف بربوبيته.

لا مناص من هذه التوطئة ـــ وإن كانت هادئة على غير هدى العنوان ــ للولوج إلى عالم "أنصار الشيطان". ذلك العالم الذي نرى أنه يخالف بجلاء عناصر شرع الله ومقاصده، لا مكان للرحمة والتسامح والتعايش مع الآخر كما يدعو إلى ذلك كتاب الله وسنة نبيه، لا مكان للعقل والمنطق والنظر بصوابية لخيوط الواقع. إننا لا نجد مبرراً لما يصنعه هؤلاء الأنصار، فكر العنف والتطرف والقتل بوحشية هو الزاد الوحيد والحصري لــ "أنصار الشيطان" دون أدنى سبب أو وجه حق، يستوي ذلك في قاموسهم المسلم والكافر، العربي والغربي واليهودي، وإن كانوا يسومون العرب والمسلمين أشد العذاب، يقتلون ويعزرون ويخيفون السبيل. وهذه الأفعال و سواها لا تستند إلى تشريع أرضي سليم، ناهيك عن دين سماوي منزه، وللنظر إلى قوله تعالى: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما" سورة النساء، الأية 93. وأعتقد أننا لن نجد في القرآن أشد عقوبة وتنديدا وتهديداً من هذه العقوبة (عقوبة القتل) ومع ذلك، فالقتل في فكر "أنصار الشيطان" بؤرة الارتكاز، والعربة التي تتقدم بهم نحو إرهاب الأبرياء ممن يختلفون مع طرائقهم وأساليبهم الشيطانية.

إن ما يبدو لنا، أن ثمة شيئاً خفياً يعتمل في فكر الجماعة وأدبياتها، أو أن ثمة شيئا ندلف من خلاله لتفسير ظاهرة استملاح القتل أو هوايته حد العشق عند الأنصار. فمما لا شك فيه، أن أجهزة إدارة إستراتيجية الجماعة وأنساقها المختلفة مخترقة بشكل فظيع، من قبل أعداء الدين الإسلامي؛ ولأسباب كثيرة. لعل من أهمها إدراك قوى الشر الاستعمارية مدى تسامح الإسلام وفاعليته في تغيير قناعات الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، ترغيباً لا ترهيباً، فهو لم يتغلغل في بني الأصفر والأحمر والأسود بسطوة السيف أو عنف رجاله، وإنما باللين وحسن القول، كما تبدى لنا من قبل في الأندلس والشام ومصر؛ حتى أصبح أبناء الديانات السابقة هم حملة لوائه والذائدين عن حوضه. ومن أراد أن يعرف أكثر عن حقيقة هذه الفكرة ، فليقرأ كم نسبة المسلمين من الأعراب اليوم، وليمعن النظر أكثر فيمن يخدم الدين الإسلامي اليوم بشكل حضاري.

إذن أدرك الغرب أن الإسلام يزحف بسرعة لا متناهية نحو دياره، فسبر الأغوار وأعد الخطة بأسلوب علمي وواقعي، ليجد في "أنصار الشيطان" العصا التي تحقق له مآربه المختلفة. لقد انعكست صورة الإسلام بفعل هذه الجماعة وسلوكياتها وارتابت النفوس ـ ولا سيما في دول العالم غير الإسلامية ـ وتوجس القوم، حتى غدت صورة الإسلام لدى الآخر مشوهة للغاية، فهو في عرفه وفكره مصدر للإرهاب ومعول للهدم، يحذر من الاقتراب منه أو حتى التفاعل معه أو التصالح مع أبنائه، كما ظاهر جلي من حجم الأصوات النشاز التي تقدح في القرآن وفي النبي الرحمة. ومصدر ذلك كله يرجع إلى طبيعة تصرفات (أنصار الشيطان/ أنصار الشريعة/ القاعدة)، وسواه من الجماعات التي لا تفقه من الدين إلا القشور، وبينها بين روحه وجوهره أمداً بعيدا. إننا نجد أدلة دامغة على تطرف هذه الجماعة وإرهابها، ولكن ليس إرهاب الغرب أو الآخر غير المسلم، وإنما إرهاب أبناء الأمة بالدرجة الأساس، ولك النظر فيما يحدث في الصومال واليمن والجزائر وباكستان وأفغانستان والعراق؛ حتى أن مساجد الله لم تسلم من عبواتهم الناسفة وأجسادهم المتفحمة. إنهم يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادا، إنهم ينتهكون أبسط حقوق الإنسان التي كرمه الله به، يقول سبحان "ولقد كرمنا بني ءادم". ولو لم تكن لهم إلا صفة قتل المسلمين وترويعهم والتنكيل بهم لكفت لتكوين جبهة تتصدى لفكر هذه الجماعة في المقام الأول، والحد من توسعه الذي يقضي على الحرث والنسل.