ين الوطن والحاكم
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 3 سنوات و شهرين و 14 يوماً
الأربعاء 01 سبتمبر-أيلول 2021 07:17 م
 

    الوطن، قضية سيادة ووجدان وانتماء .. هو الثابت الذي لا يتغير ولا يموت، هو الارض والانسان، والبيت والاهل .. هو الطفولة والمدرسة، وذكريات المرعى، والمزرعة وغيمات الروح والامل..

    أما الحاكم فهو مجرد موظف متغير، يجب ان يكون خادما لشعبه ووطنه، إن أجاد ترك ذكرى عطرة، وحبا معلقا في اذهان الناس، وإن أساء وقصر سامته لعنتهم حيا وميتا..

   وشتان بين ان تدافع عن قضية ووطن، وبين ان تدافع عن حاكم وورثة أو اتباع.. ‏

  مشكلتنا في العالم العربي والإسلامي ان الاستبداد متأصل في عقول الناس واذهانهم ونفوسهم، والشعور بالعبودية او قل التبعية احساس متوارث بين الاجيال في الاسرة والقبيلة والدولة..

  • تُحَدّثُ بعضهم عن وطن، ومواطنة متساوية، وحقوق وواجبات، ودولة، ونظام وقانون، وشراكة، ويحدثك عن ولاءات فردية وعظمة من يعشق ويقدس..!!
  • تُحَدّثُه عن وطن آمن ومستقبل مأمول، ويحدثك عن انجال الحاكم وورثته، والامل المعقود فيهم .. يعيدك الى الماضي ويغرق في لغو وهراء لا طائل منه.. يدافع عن مقربين فسدة اسقطوا النظام وتآمروا عليه، وهربوا الاموال واغرقوا السفينة، ثم باعوا وفروا يتاجرون بأموال الوطن ودماء الأبرياء..

   الغريب ان هذا البعض يرى نفسه اصغر من ان يكون مواطنا، ‏ويرى في ذاته جزءا من الموروث الذي يجب ان يتقاسمه الورثة، هكذا هم بالتربية والسليقة والخلقه..   

والمضحك ايضا ان هؤلاء لا يريدونك ان تفكر الا بما يفكرون به، ولا ترى الا ما يرون، ولا تقول الا ما يقولون.. !!

دردشة مع صديق:

     صديقي رائع وجميل، فيه براءة وعاطفة، وصاحب منفعة، تعودت ان اتعاطى معه بقدر فهمه لما اكتب ..

     ‏ومن لطفه وطرافته تعود حينما اكتب عن فكرة ما ان يعلق ويقول لي:

  • كان يجب عليك ان لا تقول هذا .. بل يجب ان تقول كذا وكذا... وتكتب كذا وكذا..

    وكنت اجاريه، واقدر له ردود فعله، فهو (ربما) كان معلما تعود ان يملي على تلامذته، ويوجههم بما يظنه صوابا .. وذات مرة كتب لي يقول:

  • "يا سبحان الله جالس تكتب بالاسم عن كذا وكذا.. وتتعرض للقضية الفلانية، ومصمم على ما في راسك.."..!!!!

     لم يكن بوسعي الا أن اشير له بالقصة المعروفة للشيخ الامي وجماعته، لعله يكتب هو ما يفكر به بدلا من ان يجهد نفسه ويجهدني معه، ‏فرويت له القصة:

      يقال ان شيخا وجماعته، كانوا يجلسون على مفترق طرق، وصلتهم رسالة من قبيلة اخرى وليس بينهم من يقرأ.. فلمحوا معمما قادما اليهم من الاتجاه الاخر، فقال الشيخ: فرجت يا خبره هوذاك الفقيه في الطريق..

   انتظروا الفقيه، وما ان وصل حتى سلموه الرساله ليقراها .. قلبها المعمم مطلع منزل، ثم التفت للشيخ وقال له ما هيش مبينة يا شيخ .

قال الشيخ : قل ما تعرفش تقرأ، وليش العمامة هذه فوق راسك؟!

اجابه المعمم وقال:

سهل يا شيخ، لا هي الا العمامة اااه .. واخذها ووضعها فوق راسه وقال له:

- هيا ماذلحين اقراها انت يا شيخ، قد انت معمم.

وكملت القصة يا صاحبي..

  ظل صديقي على عادته، ولعله لم يستوعب القصة أو (ربما) لم يقرأها، والارجح انه لم يفهمها.. فآخر ما قاله (سامحه الله): "قل خيرا او اصمت"، ولكني ومع كل هذا العناء لا ازال على صداقة معه رغم ضيقه وانفعالاته.

جوهر المشكلة:

    الموضوعية يا اصدقاء، تتطلب استيعاب الحقائق والقبول بها، وأراء الناس تختلف وتتباين في تقييم الاشياء ومحاكمتها، ومنها الانجاز او الاخفاق عند هذا او ذاك (فردا او تنظيما)..

  وعليه، دعونا نتفق ان الانجاز هو ما يصل خيره لعامة الناس، وان وصل فهو خير الوطن، اما الحاكم الناجح (إن نجح حقا) فهو ليس أكثر من اداة وطنية ادت دورها بأمانة واخلاص ورحلت أو سترحل.

    عمود الاسبوع الماضي، الذي كتبته تحت عنوان (جربوا الابحار خارج السلطة)، اثار ردود فعل واراء وأضافات مدهشه، لكنه ازعج البعض، ولا يهمني ان شتموا ولعنوا ليحافظوا على مصلحة اوموقع واخلاص لهذا او ذاك، فذلك شأنهم، لكن ما يهمني هو ان يفهم هؤلاء ان قضايا الوطن لا يجب ان تشخصن.. والمؤتمر ايضا ليس جزءا من تركة يتقاسمه الورثة.. فهذه كانت ولا تزال هي جوهر المشكلة.. فافهموا ان شئتم.

    ‏ويعلم الله اننا حينما نقول رأيا لا ندافع عن فرد، ولا عن مصلحة، بل ندافع عن قضية.. وقضيتنا هي وطننا وشعبنا ..