الحوثيون من نعم الله على الإصلاح
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 17 يوماً
الجمعة 13 يناير-كانون الثاني 2012 08:16 م
لا يوجد كاتب إصلاحي يكافئهم كما يجب، وتستطيع أن تلمس هذا من خلال مقال جمال أنعم في صحيفة الصحوة وهو يرد على مئات التهم الحوثية التي تتهم الإصلاح بالتكفير وتكفره، وتتهمه بالتطرف والقاعدة وشتى أنواع التهم، بينما لا يرد عليهم الإصلاح إلا بالأدب والكلام المليح ..

تشبه المرحلة التي يمر بها اليمن وقد تمتد لسنوات، المرحلة التي صعد فيها الإسلاميون في تركيا على أشلاء النظام العلماني، حيث كان حزب أردوغان يخوض معركة البناء والتنمية من جهة، وفي المقابل يخوض معركتة المؤدبة مع بقايا النظام المأزومين من الإسلام والإسلاميين، ومن ذلك حجاب زوجة الرئيس عبدالله جول، ودخوله قصر الرئاسة ..

  وفي مثل هذه الظروف قد يكون الصمت أدباً إصلاحياً، وقد يكون طفولة سياسية، أو شعور بالذنب الذي لم يكن ذنباً.. أو هو تصرف الواثق المسؤول، وما يقوم به الخصوم هو تصرف المأزوم الذي لا يستطيع سوى الكلام والخراب.. المهم أن هناك استنفار غير مسبوق يستغل النعومة الإصلاحية لسلخ الإصلاح والإسلام معاً، ويستغلون انشغاله بالثورة وحرصه على سلامة البلاد وإثبات حسن النية ..

كل غضب هؤلاء أننا لم نمت جميعاً، أعرف، ويعرف الكثير من اليمنيين منذ اليوم الأول للثورة أن ما يريده الإماميون الذين يلبسون أثواب الحداثة والحرية وتجمعهم العنصرية هو أن تؤدي الأوضاع المتوترة إلى قتال يمني – يمني، يموت على إثره كل قادر في المجتمع ، أكان حزباً معارضاً أو حاكماً، أو قبيلة أو جندي.. المهم أن يصبح الحوثي هو القوة الأبرز في صنعاء وما جاورها ويتشظى بقية اليمن، لأنهم يعرفون أن الديمقراطية ستفضحهم، إذ ليس لديهم شعبية ولا قواعد حقيقية، كما ليس لديهم برامج سياسية ووطنية لإنقاذ البلاد، وكل ما لديهم هو الضجة والإزعاج الإعلامي ..

  لهذا بدأ المأزومون معركتهم ضد الشعب وضد الثورة، وما زالت الثورة في الساحات وعلي عبدالله صالح في السبعين، والجنود في وضع القتال، أملاً في المزيد من الحرب والدماء والدموع والدمار، لكنهم "كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ".

إن سر موالاة أدعياء الحداثة والعلمانية للحوثيين ودفاعهم عنهم، هو أن الأخيرين لا يريدون شيئاً من الإسلام، وكل ما يريدونه هو أن تنادي عبدالملك الحوثي بـ"السيد" وتدافع عنه، وتغطي على أفكاره العنصرية باعتقاده بأن الحكم حق إلهي تفرد به، وأن الإسلام جاء ليميز سلالة عن غيرها ويضفي عليها بعض الميزات، وعدا ذلك افعل ما تشاء وتعد حدود الله كما تشاء، وليس مطلوباً منك بالصلاة أو بغيرها ..

يعرف هؤلاء حجمهم ويعرفون أن الإصلاح هو أقرب الأطراف إلى عموم الشعب، وأنه أقرب الأحزاب إلى الحكم، ويخشون من الديمقراطية التي ستظهر حجمهم الحقيقي أمام العالم، ويحاولون حالياً ابتزازه ما استطاعوا، من أجل عمل فجوات تمنع بناء يمن قوي ما بعد الثورة، تماماً كما فعلوا بعد الثورة اليمنية الخالدة (سبتمبر وأكتوبر)، وهم يتصرفون تصرف اليائس الذي ليس أمامه إلا المحاولة أو الانتحار في الحقد والعنصرية التي تجري في دمائهم ضد اليمن والإنسانية جمعاء ..

لست متحيزاً إلى طرف، لكنني كمسلم أؤمن أن هناك نفوساً شريرية تتخذ صوراً وأسماء متعددة، وكباحث قرأت في التاريخ والواقع، أعرف أن هناك من شوهوا تاريخنا وعملوا كسرطان في أجسادنا، وهم اليوم يلبسون أثواب الحداثة والعدالة وفي عروقهم تسري المذهبية والطائفية والعنصرية وأقصى مناهم أن نموت جميعاً ..

يعرف هؤلاء كيف يؤثرون على المثقفين وعموم الناس، ويعرفون كيف يشوهون الإسلام والتاريخ حتى لا يكتشفهم الناس، فيصبح الإسلام وكأنه مذهبية وتطرف، ويصبح التاريخ كأنه ردة عن التطور والتعايش، ثم إن لكل شجرة جذر، ولكل يوم ، أمس، فاليوم هو ابن الأمس، والحاضر ابن الماضي، وأحداث اليوم ترتبط بالأمس ارتباطاً جذرياً، فمن يفصل بين احتلال فلسطين وبين رسالة سماوية جاء بها موسى عليه السلام هو واهم.. ومن يفصل بين مجيء الهادي إلى اليمن قبل 1200 سنة وبين ما يفعله الحوثي في ساحة التغيير.. هو كمن يبني في الهواء.. فالوعي الدقيق بالتاريخ لازمٌ لقراءة الواقع.. والإنسان بحاجة دائمة إلى التذكير لأن تفاصيل الأحداث تؤخذ الاهتمام إليها على حساب الأسس والحقائق الثابتة، وإهمال رقم واحد في معادلة قد يغير النتيجة ..

يا هؤلاء: لقد أنقذتمونا منكم، استمروا، فما تقومون به اليوم هو الأقل ضرراً مما لو انتهت الثورة وأنتم تلبسون ثوب التغيير، ومرت الأيام والشعب في غيبوبة عن ورمكم الخبيث يبحث عن علاج آخر، استمروا واحملوا على الثورة كل حقدكم، وحاربوا الإصلاح ما استطعتم.. إنكم تصرخون صراخ المذبوح الذي اقترب من النار، وتلملمون كل قواكم من قمم التاريخ للقيام بالركلة الأخيرة قبل الموت ..

يا هؤلاء: لو أراد اليمنيون أن يفتكوا بكم لفعلوا، وأنتم تعرفون تاريخكم جيداً، وتعرفون فداحة ما ألحقتموه بالثورة وبهذا الشعب.. ومن نعم الله على الإصلاح أن جعلكم تعاودنه، ليكون في معركة مشرفة على كافة الصعد، إسلامياً، فأنتم شوهتم الإسلام وتاريخه، وإنسانياً، فأنتم دعاة العنصرية، وسياسياً، فأنتم ترفضون الديمقراطية وتعتقدون أن الحكم مخصص لأسرة بعينها، ووطنياً، فأنتم تعادون الشعب ولا تستطيعون الاستيلاء عليه إلا إذا مات، وتاريخياً، فأنتم قتلتم آباءنا وأجدادنا وحرقتم ماضينا، وتريدون إحراق مستقبلنا، "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".