|
قبل أن يصلوا إلى مؤتمرهم الرابع، المقرر انطلاقه السبت القادم (14 مارس)، خاض مجموعة من الصحفيين نقاشات رائعة، عبر قوائم البريد الالكتروني. وتلخصت النقاشات حول مقترح إضافة مادة إلى النظام الداخلي تمنع أعضاء المجلس السابق من الترشح، لتتاح الفرصة لدماء جديدة.. المقترح لاقى رواجاً بين قطاع واسع من الصحفيين، إلا أن هناك من أعلن رفضه.
ولكن لماذا يعتبر التغيير ضرورياً؟ وما الذي يحتاجه الصحفيون خلال المرحلة القادمة بالفعل؟
* إدارة الإنتخابات عبر النت:
قد لا يكون من اللائق أن أستغرق في الكتابة عن نقابتنا الموقرة [نقابة الصحفيين اليمنيين]، فيما لم يتبق من الوقت لتغيير المجلس السابق سوى بضعة أيام. غير أن ما دعاني للاقتحام والمغامرة هو ذلك النقاش الايجابي الواسع، الذي دار بين مجموعة من الصحفيين خلال الأيام الماضية، عبر البريد الالكتروني، وهو حقاً نقاش غير مسبوق.
كان الزميل أحمد الشلفي – مراسل قناة الجزيرة – تبنى مقترحاً – خلال أيام خلت – ملخصه " حتى تكون نقابتنا نموذجا ندعو إلى تداول مقاعد مجلس النقابة لدورة واحده واقتراح مادة قانونية داخلية بذلك".
المقترح، في متنه جاء التوضيح التالي "على الأبواب، انتخابات نقابة الصحفيين، التي تشهد اليوم شداً وجذباً من قبل تكتلات وأطراف ليست من المهنة في شيء، وعلى هذا فإننا نثق بأنكم ستؤيدون خيارنا في شكر مجلس النقابة الفائت، وتحيته على الدور الذي قام به - بغض النظر عن أدائه العام، وما حقق أو ما لم يحقق - وإتاحة الفرصة للدماء الجديدة، أيا كان لونها أو انتماؤها السياسي (لا سلطه ولا معارضه لا شمال ولا جنوب)" .
* دائماً، هناك ما هو أفضل:
لقد جاء المقترح ليفتح باباً جديداً وآفاقاً واسعة لأعضاء النقابة، رافضاً الحديث عن شيء اسمه: التمسك بالأفضل من أعضاء المجلس السابق، ذلك لأن الأفضل يوجد دائماً فيما هو جديد. ولما كنا نعتقد أننا في المؤتمر العام الثالث (2004) قد استبدلنا كثيراً من القديم بمن هم أفضل، ربما كنا على حق. غير أننا أخطأنا – ربما من وجهة نظر الكثيرين – في الإبقاء على بعض القديم تحت مسوغ "بقاء الأفضل". وهو ما يزيد قناعتنا أن هناك دوماً ما هو أفضل، وأننا قادرون على تقديم دماء شابة جديدة، حتماً ستعمل على أن تكون هي الأفضل. ما لم، فالصندوق قادم، وقلم التغيير مستمر..
تلقى المقترح ردود فعل إيجابية، وفتح مجموعة من الصحفيين نقاشاً حوله، عبر قوائمهم البريدية الالكترونية. وكما رغب الكثيرون بالفكرة ورحبوا بها، ظهر البعض معترضاً عليها. ويؤسفني هنا أن أقول أن رأس هذه القائمة هم من المجلس القديم، الذين أعادوا ترشيح أنفسهم، أو ممن استفادوا منهم.
الأمر لا يتعلق بخلافات شخصية، أو فرض وجهة نظر على أخرى، "إنها البداية" كما أكد الزميل أحمد الشلفي في إحدى ردوده النقاشية، عبر البريد الالكتروني.
"يا للروعة.. نحن نجادل برقي، ونهتم لحال النقابة..إنها البداية. فلتكن. ذلك أهم من الجدل حول قضايا هامشية واختلاف شخصي. هدفنا تكريس مبدأ التداول كنموذج" هكذا مزج الشلفي، اندهاشه برقي النقاش، مع الرغبة في أن يحقق الصحفيون الهدف بتكريس نموذج التداول، عن قناعة خالصة.
* ضرورة التغيير:
السبت القادم، واليومين التاليين له، سيكون أمام الصحفيين اليمنيين، خيارات عدة. فإما التغيير للمجلس الحالي واستبداله بالجديد الأفضل، مع تقديم كلمة شكر لأعضائه. وإما الإبقاء على الأعضاء الذين وضعوا لهم بصمات واضحة في العمل النقابي، والاستغناء عمن لم يضعوا العمل النقابي في الدرجة الأولى من سلم أولوياتهم، وجعلوا من المجلس سلماً لتحقيق مآربهم الشخصية على حساب مصالح الأعضاء.
هناك أكثر من 100 مرشح لمجلس النقابة (وصلوا 132 مرشحاً في اليوم الأخير من فتح باب الترشح[السبت]، ولم يسعفني الوقت – حتى مساء أمس الاثنين - للحصول على الرقم النهائي لمن تبقوا في المنافسة، بعد فتح باب الانسحاب خلال يومي الأحد والاثنين الماضيين).
إن الرقم بحد ذاته، يجسد الرغبة في التغيير. فلو كان المجلس السابق قد حقق شيئاً يعتد به، لما بلغ المرشحون هذا الرقم. إذ لكان من المعيب – أخلاقياً - منافستهم. وبغض النظر عن النوعية الرديئة لبعض المرشحين، فإن هذا الرقم، يشير أيضاً إلى وجود الكثير من الصحفيين ممن يقدمون أنفسهم على أنهم الأفضل.
وفي الحقيقة، ليس هناك من هو أفضل من الآخر. ومن يعتقدون - في المجلس السابق - أنهم أفضل من غيرهم ليعيدوا ترشيح أنفسهم على أنهم قدموا للنقابة شيئاً، فإن الحقيقة تقول: لو أن غيرهم كان في موقعهم لربما قدم أكثر مما قدموه. فعلى أي أساس أمكنهم الحكم على أنفسهم أنهم الأفضل؟
سبعة من المجلس السابق أعادوا ترشيح أنفسهم للمجلس. بينما أن خمسة آخرين ربما أدركوا حقيقة: أن التغيير هو الأفضل وليسوا هم. وفي الحقيقة أن من بين هؤلاء الخمسة من هم أفضل بكثير ممن رغبوا بالعودة إلى مجلس ظلوا على مدى خمس سنوات، يقولون إن بقاءهم يكلفهم من الوقت والجهد والأعصاب والمواجهة والصراع، أكثر مما يقدمه المجلس لهم من وجاهة، وسفريات، وعلاقات، وإشباع حاجاتهم النفسية، وحب القيادة..!!
إن كان الأمر كذلك، فلم قرروا البقاء والترشح إذن؟!
* استثنائية النقيب :
في النقاش البريدي عبر الانترنت، ظهر الأستاذ نصر طه مصطفى – نقيبنا – كزعيم حقيقي للصحفيين. فهو على الرغم من تبوءه الموقع النقابي الأول في وقت متأخر – الانتخابات الاستثنائية للنقيب يوليو 2006 – ونجاحه في تحقيق ما عجز المجلس عنه خلال الفترة قبل وصوله 2004 – 2006 (في فترة توليه منصب النقيب التي لم تبلغ الثلاث سنوات، تم تمليك النقابة مقراً خاصاً، كما تم الانتهاء من إعداد وصياغة مشروعي تعديل النظام الداخلي، وميثاق الشرف، اللذين ظلا مطلباً ملحاً للصحفيين خلال مؤتمراتهم السابقة)على الرغم من ذلك، فقد قرر التخلي عن موقعه في الوقت الذي كان فيه الأقدر في العودة إليه بسهولة، لو قرر ذلك.
إنه بذلك، يكون أول من قرر إرساء مبدأ التغيير بالتنازل، وإتاحة الفرصة لغيره. ومثله صنع خمسة آخرون في المجلس المنتهية ولايته. تحت أي ظروف كانت قراراتهم، فهي تحسب لهم وتحفظ لهم وقارهم وريادتهم.
إننا نتذكر جيداً رغبة التغيير الجامحة التي اجتاحت الصحفيين في مؤتمرهم العام الثالث، حين أسقطوا من المجلس قيادات نقابية كان لها وزنها.. واليوم قد يتكرر المشهد، وليس ببعيد أن يتكرر، طالما وأن الصحفيين مازالوا متمسكين برفضهم التوجيهات الحزبية العليا، ولا يمتثلون سوى لحاجتهم في إنقاذ مهنتهم، والوصول إلى حقوقهم التي ترفض الحكومة والأحزاب منحهم إياها في ظل مجلس – سابق – لم يتحرك لنصرتهم سوى ما كان الصحفيون يجبرونهم عليه من تحرك.
هناك الكثير من الصحفيين يدركون تماماً أن صفقة ما، صيغت في الكواليس، على إعادة بعض أعضاء المجلس السابق (سلطة ومعارضة) على أساس، مواقفهم المتخاذلة في الفترة الماضية. هي كذلك عند قياسها بما كان بمقدورهم فعله من التحرك والعمل أكثر مما تحركوا وعملوا.
* ما يحتاجه الصحفيون في المرحلة القادمة:
إننا جميعاً: الصحفيين العاملين في الجهات الحكومية الرسمية، والصحفيين العاملين في الصحافة الحزبية، ومثلهم العاملون في الصحافة المستقلة، بحاجة إلى الاستفادة منا. من أنفسنا وأصواتنا، لنستودعها من نثق أنهم سيكونون قادرين على انتزاع حقوقنا دون وضع إي اعتبار لفقد منصب إداري حكومي أو حزبي أو خاص. نهبها لمن سيكونون قادرين على تقديم الخدمات لنا كأعضاء في النقابة، ولمن سيكونون قادرين على نسج علاقات دولية ومحلية لمناصرتنا والدفاع عن حقنا في التعبير، دون انصياع لاتصالات الليل. ولمن سيكون لديهم القدرة على رفض المساومات في الترقيات الوظيفية. لمن يفترض أن يصلوا بالنقابة إلى مرحلة الاستكفاء والتحرر من التبعية. وسواء كان هؤلاء من السلطة أو المعارضة أو المستقلين، فإن المعرفة بطبائعهم ستكون هي الأقرب لاتخاذ قرار الاختيار الأخير.
فيما عدى الحصول على المقر كهبة رئاسية، إننا بحاجة ماسة لتنشيط أداء المجلس من الركود الذي أصابه خلال العامين الأخيرين بالنسبة للدفاع عن حقوقنا في التعبير والحصول على المعلومة، وحقنا في الحصول على تراخيص الصحف، واستبدال قانون الصحافة المعتق، وتغير الكثير من بنود مشروع القانون الحكومي البديل. كما أننا بحاجة إلى توصيف وظيفي يرفع من شأن الصحفي، ولا يحقره ويجعله في أدنى سلم الأجور.
إن ذلك كله، هو ما كنا نأمله من مجلسنا السابق، وإن ذلك كله هو ما عجز المجلس عن تحقيقه.
وفي الأخير، يكفي الإشارة إلى ذلك العجز الواضح، في تحقيق مطلب ملح للصحفيين، وهو الحق في الحصول على مسكن صغير يأويه وأسرته. وهو عجز اتسم بالسلبية في التخطيط والعمل أو حتى استغلال ظروف القوة التي مرت بها النقابة أمام المجتمع الدولي عقب الانتخابات الأخيرة للمجلس الحالي. ولعل ذلك يتضح جلياً بالمقارنة مع نقابات واتحادات أخرى مثل نقابة المحامين واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، الذين حصلوا على قطع أرض، فيما أن أعدادهم أضعاف عدد الصحفيين المنتسبين للنقابة.
في الأربعاء 11 مارس - آذار 2009 08:02:59 م