ماذا بقي من 22 مايو؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
السبت 19 مايو 2012 03:36 م

ما نزال نحن اليمنيين نمارس طقوسنا الأشبه بالغريزية في الاحتفال بالمناسبات دون أن نسأل أنفسنا: ما هو التغيير الذي أحدثته هذه المناسبة في حياتنا؟ نحتفل بـ 26 سبتمبر دون أن نرى من أهدافها شيئا تحقق طوال نصف القرن المنصرم، ونحتفل بـ 14 أكتوبر رغم علمنا أن كل ما تبنته هذه الثورة قد جرى الانقضاض عليه وسحقه تحت جنازير الدبابات وقذائف المدافع، تماما مثلما نفرح عندما يطلب منا الفرح، ونغضب عندما يدعونا زعماؤنا للغضب، ونحب بعضنا عندما يطلبون منا ذلك ونكره بعضنا عندما ينادوننا للكراهية دون ان نسأل أنفسنا عن أسباب الحب والفرح ودواعي الكراهية والغضب.

. . . كان كاتب هذه السطور قد توجه في شهر يوليو من العام 2005م بالدعوة إلى إيقاف الاحتفاء بيوم 7/7 باعتبار الابتهاج بمناسبة مثل هذه، يثير من الجراح والآلام أكثر مما يقدم من معاني المحبة والوئام وأسباب الفرح والغبطة, ومما قاله الكاتب "إن إيقاف الاحتفال بسبعة يوليو سيمثل رسالة احترام وإعادة اعتبار لمواطني محافظات الجنوب الذين يكتوون بنيران نتائج ذلك اليوم غير السعيد في حياتهم"، يومها شنت وسائل إعلام الأسرة الحاكمة وحزبها حربا شعواء على الكاتب واتهمته باللاوطنية والخيانة والعمالة والانفصالية وغير ذلك من مفردات قاموس السلطة ومعاجمها القميئة التي تلجأ إليها كلما أعيتها الحيلة عن مقارعة الحجة بحجة مثلها أو أقوى منها.

بعد أيام قليلة ستحتفل اليمن بعيد 22 مايو وهو اليوم الذي رفع فيه الشريكان علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، وعلي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني علم الجمهورية اليمنية في عدن معلنين بذلك ميلاد الجمهورية الوليدة، التي من المفروض أن الدولتين السابقتين قد اندمجتا فيها، . . . ويعلم الجميع كيف مضى شهر العسل بأسرع من البرق، فمن ناحية لم يترافق مع الفترة الانتقالية أي اجراءات انتقالية تساعد على قيام الدولة الواحدة، إذ بقي الطرفان ممسكان كل بأدواته الأمنية والعسكرية وبعض المصالح الحكومية والتنفيذية، ومن ناحية أخرىجرى زحف الناهبين وأصحاب المصالح على أراضي وسواحل ومنشآت وثروات الجنوب وتحويلها إلى غنائم لمن كان له السبق في الاستيلاء، ومن ناحية ثالثة لم تتخذ أي إجراءات تسمح بتعويض المتضررين من السياسات السابقة وضحايا الصراعات في الشطرين وعلى الأخص المتضررين من التأميمات التي جرت في عدن وبقية محافظات الجنوب، وهو ما لم يتم حتى اليوم، ومن ناحية رابعة استمر الاختلاف والتباين الذي تحول إلى خلاف وتنازع واتسع إلى صراع أخذ مداه في حملة الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات التي تعرض لها القادة الجنوبيون القادمون من عدن وبلغ الأمر مهاجمة منازل رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب وعضو مجلس الرئاسة، ووزراء ومستشارين عديدين، وبلغ عدد الشهداء أكثر من 56 شهيدا دون أن تفعل السلطة شيئا لكشف خلفيات هذه العمليات والمتورطين فيها، وهو ماحول الاختلاف إلى أزمة سياسية انتهت بحرب 1994م وما تلاها من كوارث مدمرة إلغت مشروع الوحدة وحولت الجنوب إلى غنيمة حرب بيد المنتصرين الذين اعتبروا يوم 7/7 هو نهاية التاريخ، ولا تاريخ بعده بينما أصبح هذا اليوم بالنسبة لغالبية الجنوبيين هو يوم النكبة بما تلته من سياسات وما تبعته من إجراءات ذاق منها وما يزال يذوق بسببها الجنوبيون أمر الكؤوس في تاريخهم.

ليس يوم 22 مايو بذاته مذنبا في ما جرى لمشروع الوحدة ولا ما عاناه الجنوبيون، من ويلات وآلام منها ما يمكن حصره ومنها ما لا حصر له، لكن السياسات التي عومل بها هذا المشروع وطريقة التعامل مع أهداف 22 مايو هي ما جعلت الكثير من الجنوبيين ينظرون إلى يوم 22 مايو وكأنه لا يعنيهم، إن لم تكن الغالبية تنظر إليه على إنه يوم الوقوع في الخديعة ومطب الغدر الذي عانوا من بعده ما عانوا من مرارات.

سيكون للاحتفال بـ 22 مايو معنى عند الجنوبيين إذا ما ترافق الاحتفال مع قرارات رئاسية جريئة، تدعو إلى:

1.إعادة المبعدين قسرا من المدنيين العسكريين إلى أعمالهم وتعويضهم عن الحرمان من الترقيات والحقوق التي سلبت منهم على مدى السنوات التي أبعدوا فيها من عملهم ليتساووا مع نظرائهم الذين لم يتضرروا من الإبعاد.

2.اعتبار شهداء الحراك السلمي شهداء للوطن ومنح أسرهم تعويضا عادلا تتحمله الدولة وتبني معالجة الجرحى وتعويضهم عما لحق بهم من ضرر جسدي ومعنوي.

3.تشكيل لجنة حكومية تحصر عمليات النهب التي تعرضت لها الممتلكات الخاصة والعامة، وإعادة أملاك الدولة التي تم الاستيلاء عليها، للدولة وتوزيعها على فقراء الجنوب وإعادة المملتكات الخاصة لأصحابها، ولا أقول تقديم الناهبين للمحاكمة.

4.إلغاء العقوبات السياسية ورد الاعتبار لكل من ألحقت بهم أوصاف الخيانة والتآمر والعمالة والانفصالية ظلما ووقف استخدام هذا القاموس مع أي كان من الخصوم السياسيين.

5.الإعلان عن الاستعداد لإعادة النظر في شكل منظومة الدولة اليمنية على أساس إعادة تركيبة التوازن بين مكوني دولة الوحدة في المنظومة الإدارية والبرلمانية والقضائية ونظام الحكم المحلي، وتركيبة الأجهزة العسكرية والأمنية بما يعيد حضور وفاعلية الجنوب في هذه الهيئات والمؤسسات ومساهمته في الانتفاع من السلطة والثروة وفي صياغة المستقبل.. . وغيرها من الاجراءات التي يمكن أن تعيد لمناسبة 22 مايو ألقها في وجدان وأحاسيس مواطني الجنوب.

سيقول قائل، لقد قامت الثورة الشبابية السلمية وأطاحت برأس النظام والأمور في طريقها إلى معالجة كل مشاكل اليمن؟ ؟ ؟ . . نعم لقد حققت الثورة نصف الهدف الرئيسي وهو إسقاط رأس النظام وإن بقيت أجهزته وجذوره وسياساته دون تغيير، لكن الأهم بالنسبة للجنوبيين أن القضية الجنوبية ما تزال دون تناول وما يزال الكثير من الممسكين بصناعة القرار المعلنين وغير المعلنين ينظرون إلى الجنوب على إنه مصدر للغنائم، وطرف مهزوم لا يجوز معاملته معاملة الشريك الندي في صناعة المستقبل، ولا يرغبون في أن يضحوا بما غنموه من أجل الاحتفاظ بيمن سليم معافى متوازن ومتصالح مع نفسه، وهو ما يجعل الثورة الرائعة والعظيمة بالنسبة لهم بلا معنى.

لن تكون الثورة ولا الوحدة ذات معنى ما لم يكن لهما مكان في وجدان الناس ومشاعرهم وقناعاتهم، ولن تكون كذلك إلا إذا قدمت لهم ما يشعرهم بأنهم أصحاب مصلحة فيها، . . .تستطيع الوحدة القائمة أن تتحول من وحدة للمتنفذين وأصحاب المصالح القائمة على السلب والنهب والاستحواذ إلى وحدة لكل اليمنيين من خلال إعادة توزيع المصالح لتعبر عن كل اليمنيين، وقبل هذا وبعده إنصاف الضحايا الذين دفعوا وحدهم ثمن وحدة الناهبين والمتنفذين وسارقي حلم الوحدة الجميل منهم.

برقيات:

*ينتظر اليمنيون بشغف القرارات العقابية التي قيل أن مجلس الأمن سيتخذها تجاه معرقلي تنفيذ المبادرة الخليجية، هذه القرارات التي تأخرت كثيرا ولن تكون للأمم المتحدة مصداقية عند اليمنيين ما لم تجد هذه القرارات طريقها للتنفيذ.

*لا أدري لماذا لم أسمع حتى الآن عن تعيين أحد من القادة العسكريين والدبلوماسيين الجنوبيين والوكلاء والمدراء الذين أبعدوا بعد حرب 1994م، . . .إعادة الهيكلة تبدأ في العقلية السياسية ومنهج القيادة وليس باستبدال الأفراد بآخرين قد لا يختلفون عنهم كثيرا أو قليلا.

* قال الشاعر أبو الطيب المتنبي:

وكِلْــــــمَةٍ في طَريقٍ خِفْتُ أُعْرِبُها .... فيُهْتَدَى لي فلَمْ أقدِرْ على اللَّحَنِ

قد هَوّنَ الصّبرُ عِـــــندي كلَّ نازِلَةٍ..... ولَيّنَ العَزْمُ حَدَّ المَركَبِ الخشنِ

كم مَخلَصٍ وعُلًى في خوضِ مَهْلَكَةٍ ... وقَتــــْلَةٍ قُرِنَتْ بالذّمّ في الجُبُنِ

لا يُعْجِبَنّ مَضــــــــــيماً حُسْنُ بِزّتِهِ ........وهَلْ تَرُوقُ دَفــيناً جُودَةُ الكفَنِ