نعم لوفاق وطني لكن بشروط التغيير
بقلم/ محمد مطهر العشبي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 20 يوماً
الثلاثاء 20 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:44 م

في عام 1970م توصّل وارثو جمهورية سبتمبر مع محاربي الملكية إلى وفاق وطني يحقن دماء اليمنيين ويضع حداً لتعاسة الشعب اليمني وُيرضي الأطراف الإقليمية والدولية التي مولت أطراف الحرب الأهلية بأن مصالحها في اليمن السعيد مضمونة. لكنه كان اتفاقاً مشوهاً وضع الأطراف المتحاربة من مشايخ وعسكريين وحزبيين قبليين ومصالح الأطراف الخارجية في قلب الدولة الجديدة المزمع بناءها في الجزء الشمالي من الوطن .. فتأسست جمهورية قيلية عسكرية معولة تدار من الخارج عبر الأطراف الداخلية.. فيما تتحدث دوماً باستفاضة عن استقلالية قرارها السياسي.

لقد افتقد المتفقون ومنظرو الخروج من الأزمات لرؤية إستراتيجية مستقبلية تضع اليمن في مسار تطوري جديد. ولم يكن الوضع في الشق الجنوبي للوطن بأفضل حال من الشق الشمالي. ومرت ثلاثة عقود والشعب اليمني في شطري الوطن ينتظر يوم التئام شمله للخروج من محنه وبناء يمنه الجديد واستعادة أمجاد حضارته.. واستقبل الـ22 من مايو1990 بدموع الفرح ونشوة النصر على التشرذم وشموخ الطموح.

لكن أطراف اتفاق مايو لم يحملوا معهم مشروعاً استراتيجياً لليمن وإنما مشروعاً تقاسمياً..وأن دستور اليمن الجديد يحمل في دفاته كل ما يحتاجه الوطن، وكان في الدستور الكثير إن لم يُعّل جوهره السياسي وتُفرغ ديمقراطيته من محتواها. وحصلت الانتكاسة الأولى للوطن في 1994م ، وخرج اليمن مهزوماً مقزماً وكان بالإمكان أن تضعه وثيقة العهد والاتفاق على بداية الطريق ، حتى بعد الحرب التي تركت جراحات وشروخ داخلية عميقة ، ولم يسأل حاسم الحرب ، التي فُجّرت تحت شعار الدفاع عن الوحدة، لما ذا حصلت هذه الكارثة في داري .. إن كان مسئولاً.

فمضى في مشروعه الفردي ، والملتفين حوله يصفقون بحرارة ، معمقاً فداحة الجراح بتركه استباحة بقية أراضي وممتلكات وقدرات الوطن لكسب الو لاءات بمختلف الطرق.

وفرصة أخرى لإنقاذ الوطن وإحداث التغيير مررنا بها في انتخابات 1997م البرلمانية ، ثم فرصة ثالثة في الانتخابات الرئاسية عام 2000م ، ورابعة في الانتخابات البرلمانية عام2003م ، وفرصة أخيرة في انتخابات2006م. ومن وصف اليمن حينها بأننا نتجه نحو نفق مظلم ، بغض النظر عن المقاصد، كان بحق وصفاً دقيقاً. وقد شخصت مجموعة أصدقاء اليمن جزء كبير من الحالة اليمنية ، وكانت تصر حتى يناير2011 م ، على الإصلاح السياسي وسيادة القانون والعدالة ومحاربة الفساد ، ثم الإصلاح الاقتصادي والإداري.. كشروط لدعم برامج التنمية في البلاد.

لم يسمع المتربع على السلطة أنين الشعب ومعانات شبابه ، وعوضاً عن ذلك استحسن المنظرون المقربون خلع العداد والتبشير التوريث ـ الذي انتشر تقليده في كل مفاصل الدولة وفي المحافظات والمديريات.. في محاولة للإجهاز على ما تبقى من مواد دستور دولة الوحدة التي لا يُنفذ منها إلاً ما يناسب الحكم الجمهوري المطلق ـ حسب تشخيص أحد الدبلوماسيين الغربيين. واعتقد دهات السياسة أنهم بمنأى عن الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من تونس الأبية طالبة الكرامة ، وأن اليمن تتمتع بالديمقراطية ، وهي التي لن تُحدث التغيير والتداول السلمي للسلطة.

لقد تشجع شباب اليمن بالتحول السياسي العربي وأعادوا إيقاد شعلتي ثورتي سبتمبر وأكتوبر ورفعوا علم الـ22 من مايو عالياً منطلقين في أرجاء اليمن بشعارات الثورة السلمية ..ليقولوا العالم نحن لسنا بأحسن حالاً من شعب تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا.. موقنين بأن التغيير حتمي وأنه المشروع الإنقاذي الأخير لهذا الوطن غير السعيد.

لم يرفض الشباب المخارج السلمية في ثوب الوفاق الوطني وإنما يرفضون الالتفاف على أهداف ثورتهم السلمية التي سقوها بدمائهم ، ومازالوا في الساحات رغم مكابدتهم لقسوة الطقس وشظف العيش وقلة المدد ، طالما مازال خصمهم يُنكر ثورتهم ويقزمها في أزمة مع المعارضة السياسية ، تم حلها باتفاق المبادرة، فيما قبلت المعارضة المسايرة.. كما يرى الكثير.

إن الوفاق الوطني والتغيير أمران متلازمان للخروج من النفق المظلم والصراعات المتتالية على اليمن. فالتغيير مطلب شعبي لدى كل شرائح المجتمع . لكنه بالنسبة للشباب الثوريون مشروع استراتيجي للتحول الجذري إلى يمن جديد.

فشكل ونتائج وفاق 1970 الوطني ووثيقة العهد والاتفاق ومثيلاتها يجب ألاّ تتكرر فليس هناك فرصة أخرى أمام اليمن واليمنيين للتغير سوى اليوم، وعلينا أن نُسلِّم بهذه الحتمية ونعمل سوياً لها.

إن أمامنا نماذج يُحتذى بها في التغيير والتحول. فشعب كالشعب الألماني ، الذي زاملنا في إعادة الوحدة عام 1990م ولا يُعتقد أن أحداً من ساسة ذلك العام في سلطتة اليوم، دمرته كلياً الحرب العالمية الثانية وشطرته، لكن إرادته الحديدية لم تستسلم أوتستكين ، فاستفاق ونهض وبنى ونافس وارتقى.