التناقضات المسموح بها في اليمن
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 10 سنوات و 5 أشهر و 8 أيام
الأحد 20 يوليو-تموز 2014 04:38 م

ليس هناك اسوأ على الفكر البشري من ان يعيش بين تناقضات يقف عاجزاً عن تفسيرها , وحائراً في الغموض الذي يلف تفاصيل مشاهد تلك المتناقضات.

كعادتي في التصفح للأخبار في فترة مابعد العصر اتفاجىء بسيل من المتناقضات الإخبارية ومعي كل القراء والمتابعين والمهتمين بالشأن السياسي اليمني, إلى درجة أكون فيها كالأطرش في الزفة.

عينة من أخبار يوم واحد فقط تبعث على التشاؤم والقلق في بلد كان يجب عليه بعد إجراء اكبر عملية حوارية في تاريخيه أن يجسد كل قيم الحوار الذي تم الاتفاق عليها, واحترام المبادئ التي توافق عليها الجميع.

قبل اقل من أسبوع تصفحت الاخبار كانت عنوانيها كالتالي ((مسلحو الحوثي يقتلوا جنديان في هجوم على موقع عسكري ويهدموا منزل مواطن في همدان )) وخبر اخر ((بعد يوم واحد من أوامر بانسحاب الجيش منها.. الحوثيون يحتلون مدينة ضروان القريبة من العاصمة )) ثم تعرج على مواقع اخر لتفجائك بنفس الاخبار المقززة ((الحوثي يرفض تسليم الأسلحة والانسحاب من عمران )) و (( تحركات مشبوهة لخلايا الحوثيين النائمة في صنعاء )) و ((محافظ الجوف يناشد وزير الدفاع إرسال كتائب عسكرية لاستلام مواقع محرره بالجوف ومأرب )) و (( امين عام محلي عمران المخلوس: عمران لا تزال في قبضة الحوثيين وتتطلب تدخل عاجل من الرئيس )) و ((عناصر حوثية تابعة لمفتي الجماعة تقطع شارعاً رئيسياً بالعاصمة صنعاء )) وغيرها من الاخبار التي تجعلك تدرك ان البلد أمام إرهاب منظم من قبل ميلشيات انقلبت على كل مخرجات الحوار , وتحدت بقوتها كل الدعوات الدولية لإيقاف الحرب.

وفي الجانب الأخر وخصوصاً الجانب الرسمي تجد أخبار تغرد بعيداً عما يجري, وكان البلد في توافق وسلام بين جميع الأطراف وتجد عناوين بارزة كالتالي (( الرئيس هادي يجدد دعوته لجماعة الحوثي بمغادرة عمران وتسليم الأسلحة )) و (( الرئيس هادي يستقبل محافظ عمران و يوجه الحكومة بتشكيل لجنة لتطبيع الأوضاع في المحافظة )) واخرى توحي بانسحاب الحوثيين وتسليمهم كامل العتاد العسكري الذي استولى عليه بعد مقتل المئات من جنود منتسبي اللواء 310 الذي تعرض لأقذر عملية تآمرية لإسقاطه.

كل شي في البلد هذه لم يعد مفهوماً , ولم يعد مقبولاً ابداً , خيانات تتوالى من اجل تصفيات حسابات سابقة , تخلي عن القيم الوطنية ارضاءاً لرغبات دولية , متاجرة بالدماء من اجل كسب المزيد من المال الحرام والرضاء الخارجي.

في العالم المتحضر يقدم المسؤل اقالته لمجرد خطاء بسيط جداً ففي الولايات المتحدة الامريكية قدم وزير التجارة الامريكي جون برايسون استقالته بعد عشرة أيام من تسببه في حادثي مرور بولاية كاليفورنيا , وفي كوريا قدم رئيس الوزراء الكوري الجنوبي جونج هونج وون استقالته على خلفية غرق عبارة في منطقة سيوال جنوب البلاد أدى إلى مقتل أكثر من 170 شخصاً.

  وقبل حوالي شهرين من الان قدم وزير الدفاع المالي سومايلو بوبي ميغا، استقالته بعد مرور أسبوع على المواجهات الدامية بين الجيش الحكومي والحركات الأزوادية المسلحة بمدينة كيدال، أقصى شمال شرقي مالي , وفي شهر مارس من العام الحالي قدم وزير الدفاع الاوكراني إيغور تينيوخ استقالته بسبب طريقة إدارته الأزمة مع روسيا.

وفي السويد قدم وزير الدفاع السويدي ستين تولجفورز في عام 2012م استقالته اثر تقارير أفادت بأن السويد تعتزم مساعدة السعودية في اقامة مصنع للاسلحة , وفي ليبيا قدم وزير الدفاع الليبي محمد البرغثي استقالته على خلفية استمرار الحصار الذي فرضه مسلحون على وزارتي العدل والخارجية , وفي 2009م قدم قائد الجيش الالماني استقالته من منصبه بسبب الغارة الجوية التي شنتها طائرات حلف شمال الاطلسي (الناتو) والتي تسببت في مقتل العديد من المدنيين.

هنا في اليمن تحدث مئات الكوارث الإنسانية وعشرات المأسي البشرية ولا يحرك المسؤل عن تلك الكوارث اي ساكناً , جنود يقتلون ومعسكرات تسقط ومحافظات تتهاوى بيد مجموعات مسلحة , وانفلات امني يهدد ماتبقى من استقرار جزئي , لكن ماذا لو أن ماحدث في اليمن حدث في أي دولة أخرى ؟ ماذا لو سقطت معسكرات بأكملها في أيدي مجموعات مسلحة ؟ باعتقادي أن ذلك لن يقتصر على استقالة وزير بعينه بل ستستقيل حكومة بأكملها , ان لم تحال الى محاكم متخصصة بتهمة الخيانة العظمى.

ومع الوضع المثير للخوف تنقلب المعادلة في اليمن وتتحول الخطوط الحمراء إلى خضراء , والتواطىء الى شرف مقدس , والتهديد إلى تصريح مرور, والسكوت الى شجاعة نادرة.