|
من كل الأجناس والأديان ـــ بما فيهم اليهودية ـــ والألوان تدافعوا يستبقون على أسطول الحرية بلهفة وفرح حد البكاء ، بينهم من تشاركه زوجته وأطفاله ، وقد ودعوا جميعهم ذويهم ومحبيهم بعيون ترقرق كمن لا يعود ، استعدوا بوصاياهم متمنطقين نحو الشهادة ، ثم انطلقوا بنشيج وحنين وبهتافات الخلود ، عليهم أكفانهم، نحو غزة التاريخ والملحمة والصمود.
إلا العربية السعودية تحديدا رغم موقعها المحوري في الدين والجغرافيا والاقتصاد لم تشأ هذا الحضور عند الله أولا ثم الأمة والإنسانية والتاريخ ، وأبت إلا أن تكون مولية كعادتها في مثل هذه المواقف المفصلية.
اللوم والعتب اليوم لا يتجه للرسمي منها فحسب ، فقد كان بمقدور الشعبي أن يتبلور بحضور فاعل من خلال نخبه ومكوناته المختلفة ، فإن قيل بعدم الاستطاعة ، وقد رفع الله عنهم الحرج كون الربقة على الأعناق.
فإنه كان أمامهم أن يخرجوا كعادتهم في أساطيلهم السياحية إلى تركيا أو حتى الولايات المتحدة ، ومن هناك ينفرون مع الأبيض والأسود ، واليهودي والمسيحي، ولا يفوتهم هذا الشرف.
كم كنت أتمنى لتلك النخب في هذا القطر العزيز والغالي علينا أن تدب فيها الحيوية والحياة ولو بمقدار الربع عن ما هي عند إخوانهم الكويتيين.
هذا الشعب الكويتي العظيم الذي كانت التوقعات بشأنه عقب الاجتياح العراقي له وما تبع ذلك من تداعيات مزلزلة ، أنه سينقلب على هويته ومواقفه العظيمة تجاه أمته ، لكنه رغم قسوة وصلف الأحداث وما لقيه من عنت وبلاء لم يتغير أو يتبدل قيد أنملة.
كم كنت وغيري نتلفت يمنة ويسرة عبر الفضائيات ونمد عيوننا داخل سفن الحرية كي نرى ولو عضوا واحدا لمجلس الشورى في المملكة.
تتلمس عيني مثلا رؤية احدا على وزن غازي القصيبي رحمه الله أو أحدا من أبناء مدرسته وجيله ، أو نرى الشيخ سعيد البريك أو عائض القرني أو صحفي ، أو فنان ،أو حتى احدا من طاش ماطاش ، غير أن البصر ارتد أسيفا.
لكن المروءة تقتضي أن تبحث لأخيك عن سبعين عذرا ، و لهم عندنا فوق السبعين .
ربما القوم لا يتحركون جزافا أو خبط فضابطهم الورع الشديد ، ومعالم الفقه النجدي (نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله ) وفي الحدود الذي تضعه المشيئة العليا ، والتي تقدرها المؤسسة الدينية على لسان المفتي قدس الله سره .
فمن الورع عندهم ـ التزامهم بضابط الشرع ــ على سبيل المثال في مثل هذه القضايا ، تلك الفتوى الشهيرة لمفتي المملكة حفظه الله بحرمة وعدم جواز تلك المظاهرات التي أخطأ وضج بها الشعب السعودي أسوة بغيره من الشعوب احتجاجا على العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وقد بنى المفتى تحريم المظاهرات تجاه تلك القضية وفي مثل هذه الموطن على علة أنها تلهي عن ذكر الله سبحانه وتعالى ، وهكذا أطرهم المفتي وردهم إلى دينهم أطرا ، وألزمهم كلمة التقوى ، حتى لا يفوتهم فضل الذكر وأجره ، بفعل هذا الضجيج والشعارات الفارغة للمظاهرات.
أما في ركوب أسطول الحرية فإن التحريم حسب ظني سيكون أشد والسبب والله أعلم يعود لثلاثة أمور :ــ
الأول : انه لا يجوز ركوب البحر إلا حاجا أو غازيا ، فعلة الجواز هنا منتفية .
الثاني : أن في السفينة حالة لا ترضي الله من الاختلاط بين الرجال والنساء ، مع وجود آلات المعازف ، وربما القيان والمغنين ، زد على وجود آلات التصوير قبحها الله ، وهذه كلها من عظائم الأمور والتي تغضب المولى سبحانه.
الثالث : وهو الأهم هنا هو وجود عدد كبير من الكفار والمشركين في هذا الأسطول ، وهم نجس ، ولا يجوز مؤاكلتهم ولا مشاربتهم ، وفيهم اليهودي والنصراني والتركي العلماني .
وهذه الثلاث تكفي للقطع الجازم بحرمة وعدم جواز المشاركة في أسطول الحرية ..
كما أن المملكة مستنفرة هذه الأيام في حدها الأقصى ، وتعد العدة والنفير لجهاد مقدس ضد العدو الإيراني الذي يهدد الإسلام والمسلمين والتي لم تكن تحسب له هذه الخطورة إلا بعد أن حصل التنبيه والتوجيه من الولايات المتحدة بخطورة المد الشيعي على مذهب أهل السنة والجماعة في الخليج والمنطقة ، وضرورة التصدي له , وهو نفسه ذك النفير والإعداد لنموذج تلك الحملة الجهادية التي أعدتها وحشدت لها المملكة حفظها الله ضد الشيوعية الملحدة في أفغانستان التي استهدفت الإسلام بفعل التنبيه والتوجيه الأمريكي نفسه .
والذي أتوقعه في هذا السياق وعلى هذا النحو أن العبء على العربية السعودية سيزداد وتزداد كلفته أكثر في مضمار الجهاد لحفظ بيضة الإسلام والمسلمين وذلك مع ظهور تحد جديد وعدو من نوع اخطر وليس بالهين ، والذي يتمثل بأردوغان تركيا ، والدور التركي القادم .
فتركيا على ما يبدو ارتدت تغالب وتعاود دورها من جديد بعدما طُردت من المنطقة بفعل تلك الثورة الجهادية والتي اصطف لها الآباء والأجداد بقيادة لورانس العرب رحمه الله ، وهي اليوم وعليها أن تعلم ــ أي تركيا ــ لن تجد سوى تلك الصرخة الجهادية والاصطفاف نفسه من هذا الشبل الذي هو من ذك الأسد.
وهي في كل الأحوال موجهات شرعية دينية فانه لا يجوز لاردوغان أن يؤم المسلمين ويمثلهم فضلا عن أن يكون خليفة ، فإن الإمامة لا تكون إلا لقريش ، وقد اختص الله بها سبحانه وتعالى هذه البلدة دون غيرها وفي أشخاص هذا النفر المستخلص من مضر .
والاعتقاد عندي جازم أن المملكة قد بدأت تعد العدة من الآن إن لم يكن من قبل لمواجهة اردوغان تركيا هذا الخطر القادم في إطار رؤية استراتيجية تتجه للمستقبل تتلقى موجهاتها ومعالمها من الأجهزة الاستخباراتية ومراكز الدراسات التي تتبعها طبعا.
بعد هذا القدر الضئيل من المراجعة وجدتني أرد على نفسي وارد على غيري بشأن عتب السؤال الساذج حول مشاركة السعودية في أسطول الحرية .
وإنما أردت تحديدا إقناع غيري الذي يفتقد هذا النوع من القراءة ويكتفي بالسطحي دائما .
أما العبدلله فيعلم أن هذا النفر في هذه البقعة من الخليقة هم قدر الله في أرضه ، وحراس دينه ، وذروة سنام الإسلام .
لا يضرهم من خذلهم ولا ما قاله الناس عنهم ولو اجتمعوا على صعيد واحد ، فإنهم دائما منتصرون لأنهم مأمورون ، فلا يتقدمون أو يتأخرون قيد أنملة عن أوامر وتوجيهات مولاهم الرب منشئهم وحاميهم ومسير أمرهم.
وإن مواقف المملكة بشان فلسطين أبلغ من المظاهرات ، والجعجعات والاعتصامات وأساطيل الحرية ، هي فحسب تكتفي بالأفعال ، ولعلكم تتذكرون مكرمتها بعد احتراق وتدمير غزة ، فقد تبرع مليكها حفظه الله وحرس الإسلام به بمبلغ خرافي كبير مقداره ألف ألف مليون لأبناء وإعادة تعمير غزة ، فأن زعموا بأنه لم ييصل غزة فالسبب في أمرين :
الأول : انه لا يوجد في غزة بنك خزانته كبيرة بقادر على استيعاب المبلغ .
أما الثاني فمعبر رفح مغلق ..
ومن المؤكد انه سيسلم إلى شخص عباس مع مبلغ آخر سيعلن عنه قريبا ..
فعباس في كل الأحوال ولي أمر الفلسطينين ، والخروج عن طاعته كبيرة من الكبائر لا تغتفر ــ على حد فقهاء الوهابية ــ وهذه ما ارتكبتها حماس ، فكان هذا عقابها من الله ، جزاء وفاقا ..
جنبية الحزمي والسيف السعودي
رغم أنها جنبية من عادتها الزينة فحسب ، الا أنها كألف سيف يماني شعت وتألقت وضجت باللهب حينما امتشقها الحزمي أكرمه الله ، وهي له عندالله ،ثم ليحفظها له التاريخ ، وشرف يمتد لكل من يتصل به ، وإلى عقب عقب العقب .
ولا يُعاب هنا السيف السعودي كونه لا يُستل إلا أمام بوش أو احد أقرانه ، ثم ليغمد ويقدم هدية له بدماثة عربية ليس مثلها ، وفي ظني أن ذلك فألا حسنا ، وواحدة من المكيدة لا يقدر عليها إلا الملوك ، ولا يقرؤها الا المستقبل .
Alhager2007@yahoo.com
في الخميس 03 يونيو-حزيران 2010 07:06:47 م