دعوة عاجلة..لإنقاذ بقايا حياة في قرية بيريم
بقلم/ جبر صبر
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 3 أيام
الأحد 06 يونيو-حزيران 2010 05:43 م

قرية صغيرة في بلد الإيمان والحكمة مصاب أهلها بمرض خبيث أرتبط بالموت مباشرةً وراح ضحيته من ذات القرية 20 شخصاً خلال فترة زمنية بسيطة ولا يزال عدد منهم مصاباً به يترقب أجله كل صباحه ومساءه.وضع يؤلم النفس،ويقطر القلب دماً لحال هؤلاء المساكين الذين استسلموا لهذا المرض الخبيث،وقطعوا حبل الأمل باليأس، بعد أن صمت الجهات المختصة آذانها وعلى رأسها وزارة الصحة"العليلة".

لا أطيل عليك عزيزي القارئ فتعال معي لتعرف مأساة ذات القرية والتي أغتال المرض الخبيث"السرطان" أرواح أبناءها ولازال شبحاً مخيفاً يطل برأسه على ابناء القرية المكلومة ويجندلهم صرعى الواحد تلو الآخر..ولا مجيب..ولا مغيث..ولا منقذ..ولا نصير..

استطلاع وتصوير / جـبر صـبر

Jaber_saber2000@yahoo.com

هذه القرية المنكوبة والمغلوبة على أمرها تسمى (ماوه) عزلة بني منبه – مديرية يريم – محافظة إب ..يخيم عليها كارثة وشبح مرض السرطان منذ 11 عاماً ..واشتدت ضراوته ووحشيته منذ قرابة 4 سنوات في ظل انعدام تحمل المسؤولية وسياسة اللامبالاة والتطنيش من قبل المسماة"وزارة الصحة"..التي كرست جهودها ووقتها وأموالها وتباهيها فقط بمكافحة" كذبة انلفونزا الخنازير" ودعممت عن مكافحة الأوبئة الموجودة وغضت الطرف عن معاناة ومآسي المواطنين المصابين بمختلف الأمراض القاتلة وعلى رأسها" السرطان".

وكما أن الإحصائية لمصابي مرض السرطان في اليمن وصلت أكثر من 20 ألف حالة فإن قرية "ماوه" قد أخذت النصيب الأكبر من هذه الإصابة..فإصابة 25 شخصاً بالسرطان بذات القرية الصغيرة 20 منهم ماتوا و5 لازالوا يرزحون تحت وطأة معاناته – ليس بالأمر الهين الذي يقابل بالصمت وعدم المبادرة لسرعة كشف اسباب الاصابة ووضع حد لتزايد عدد الحالات.

خلال الأسبوع الماضي وأثناء زيارتي لتلك القرية برفقة الشابين/ سلطان النقيب وموسى العمري اللذان كان لهما دور كبير في البحث معي عن تلك القرية المنكوبة بالسرطان،والتي لاتبعد سوى بضعة كيلوهات عن مدينة يريم ..وقبل الوصول الى ذات القرية كان يخال إلي ان الاصابة قد تكون محدودة ومحصورة..لكن كانت الصدمة أكبر عندما وجدت ان شبح السرطان قد حل بهذه القرية دون غيرها من القرى المجاورة والتي لاتفصلها عنها سوى مئات الأمتار،بل ان المنطقة بأكملها لم يصاب منهم أي شخص بالسرطان..وحتماً ان قرية"ماوه" ستكون هي القرية الوحيدة في اليمن التي نزل عليها هذا الداء الخبيث،وحصد عدداً من ابناءها.

السرطان يحصد أرواح أسر بأكملها:

وما زاد من الفجيعة وهول المصيبة..ان وجدنا أسر بأكملها افترسها السرطان وقضى عليها وجندلهم الواحد تلو الآخر..ويزداد الأمر غرابةً وحيرةً ان إصابة السرطان بهم تركزت في (القولون والمثانة والبروستات).

عند وصولنا ذات القرية التي نسق لنا الزميل الصحفي/مصطفى غليس احد ابناء المنطقة وبتعاون شقيقه مسعد غليس وأحمد القباتلي – التقينا بدايةً بالشاب/فيصل صالح الأبيض والذي أصيب أربعة من افراد اسرته بالسرطان.اثنين منهم قضوا نحبهم"والدته واخيه الأكبر"واثنين منهم "والده وأخ آخر له"لازالوا يصارعون المرض الخبيث،ويعيشوا معاناة آلامه، ويتجرعوا تكاليف جرعه الباهظة،التي لايقدر على تحملها ميسوري الحال،كيف بمن لايملك قوت يومه".

ويقول فيصل: ان والدته اصيبت بالسرطان في القولون،وتوفت بذات السبب قبل ست سنوات،عقب ذلك اصيب أخيه الأكبر وما لبث ان لحق بوالدته،ومنذ عام أصيب والده وأخيه الآخر بذات السرطان ولازالوا يخضعون للعلاج وتعاطي جرع كيماوية في المركز الوطني للأورام بصنعاء".

ويطالب فيصل وزارة الصحة بنزول ميداني "فعال" وانقاذ القرية من هذا المرض الخبيث،لافتاً الى ان مرض الكلى هو الآخر مستشري بين ابناء القرية".

فيصل وحده لم يكن وحده من حلت به كارثة اصابة السرطان باربعة افراد من اسرته،فهذا محمد حزام الأبيض من ذات الأسرة هو الآخر أصيب 4 من افراد اسرته بالسرطان(والدته واثنين من اشقاءه وشقيقته)إلا انه يختلف عن فيصل بن عمه من حيث أن الأربعة المصابين قضى عليهم سرطان القولون والمثانة ورحلوا عن الدنيا".

وحسب محمد" فان والدته أصيبت بالسرطان وتوفت قبل 5 سنوات ثم لحقها الثلاثة الآخرين بسنه واحده.

محمد وان كان الحزن يملئ قلبه لفراق 4 من افراد اسرته بالسرطان إلا انه يتمنى ان لايفتك هذا المرض الخبيث بأي شخص آخر سواء من أسرته او من ابناء قريته".

ويطالب وزارة الصحة بالنزل الى القرية ووضع حد جاد ومعالجة جذرية لهذه الظاهرة المرعبة".

والدته أصيبت وتوفت وهو لازال يصارع المرض:

وفي ذات القرية وجدنا الشاب / أكرم محمود الأبيض – 27 عاماً وسط جمع كبير من ابناء القرية التفوا حولنا كلاً منهم يطرح الكارثة وهو يتأسى على وضعهم دون سواهم من القرى المجاورة..وفي ذات الأثناء أشاروا علينا الى الشاب أكرم انه مصاب بالسرطان..وقد بدت على وجهه معالم الحزن والألم إلا ان الطمأنينة والرضا تملئ قلبه بما قدر له ..فيقول أكرم: انه مصاب بورم في المعدة منذ عام ،ويتعاطى لذلك جرع كيماوية".ويضيف: قمت بإجراء عملية استئصال للمعدة".وعن ماهية سبب مرضه قال: ان الطبيب الذي استأصل له المعدة اخبره ان السبب قد يكون بوجود اشعاع ويورانيوم في القرية".

أكرم وهو يعاني من مرضه الذي ألم به ..فقد سبق وأن عاش معاناة أشد عندما أصيبت والدته بذات المرض قبل عامين ورحلت عن حياته بعد معاناة طويلة تنتقل الآن الى نجلها أكرم.

خوف وذعر حتى من الصداع".

أهالي قرية ماوه كانوا يتحدثون إلينا والخوف والذعر مخيم عليهم من أن يأتي الدور على أي فرد منهم ..يقولون:"انهم اصبحوا مذعورين لدرجة أن اذا اصيب أي شخص منهم ولو بصداع يخشوا ان يكون السرطان قد وصل إليه".ويؤ كدوا في حديثهم لنا : ان هناك عدة اشخاص يصابوا بامراض بسيطة كالصداع وغيره لكنهم يخافوا ان يجروا فحوصات فيظهر "سرطان".

يالله..وصل بهم الخوف والذعر وسيطر عليهم الشك والرعب من هذا المرض الخبيث من ان يمتنعوا عن علاج انفسهم من امراض بسيطة ولو صداع !! حتى لايصبح حالهم"كالمستجير من الرمضاء بالنار".

وهم يحدثوننا عن معاناتهم ومآسيهم بحزن يطالبون" وزارة الصحة بانزال لجنة طبية لكشف المنطقة واخذ عينات من التراب والمياه لمعرفة الاسباب ومعالجتها "إذا ارادوا انقاذ الناس" كما يقولون".

لجنة الصحة وتقريرها حبراً على ورق:

ابناء قرية ماوه وهم يطالبون بنزول لجنة طبية فعالة من وزارة الصحة لكنهم يشددوا ان تكون جادة وتعمل على حل المشكلة حتى لاتتفاقم..ويؤكدوا بذات الوقت ان لجنة من مكتب الصحة كانت قد نزلت الى القريبة قبل اكثر من سنه وأخذت عينات ورفعت تقريرها الى وزارة الصحة،إلا ان التقرير كما قالوا:بقي حبراً على ورق ولم يلتفت الى المشكلة ويحس بعظم وكارثة الظاهرة".

كما يؤكدوا ان لجنة كشف طبية أخرى برئاسة د.نديم مدير مركز الأورام بصنعاء نزلت الى القرية ورفعت تقريراً خاصاً بذلك الا ان د.نديم حسب قولهم" لم يسلمهم التقرير لمعرفة النتيجة، واخبرهم ان ذلك على وزارة الصحة".

ويشير الأهالي الى ان لجنة من قبل مكتب الصحة كانت قد سبقت لجنة د.نديم بالنزول الى القرية للإطلاع على ذلك واوصوا في تقريرهم بانشاء مركز صحي وايصال مياه نقيه الى القرية،وأكد تقرير اللجنة ان السبب قد يكون في المياه او في الصخور او اشعاع في المنطقة. 

الأهالي يرجعون السبب الى مشكلة المياه:

وعند سؤالي لأكثر من شخص من أهالي القرية عن اسباب هذا المرض بوجهة نظرهم"أجمعوا صغيرهم وكبيرهم ان السبب"تلوث المياه" والمشكلة تكمن بعدم وجود مياه نقية صالحة للشرب،وعدم وجود آبار ارتوازيه تكون مياهها نقيه أسوةً بالقرى المجاورة..السبب وان كان وجيهاً وهو الأرجح ويؤكده ما شاهدناه والتقطنا ذلك بالصور،فأماكن المياه التي يستخدمها ابناء القرية وجدناها عبارة عن عيون مبنية على الطريقة القديمة ويظهر عليها التلوث،كما ان الأهالي لازالوا يعانون من نقلها با لطريقة البدائية بواسطة الحمير.

فالقرية دون سائر القرى المجاورة لازال أهلها يشربون من مياه العيون التي لاتخلو من التلوث،فيما بقية القرى المجاورة لديهم مشاريع آبار ارتوازية،وقد يجعل هذا هو السبب الراجح..يقول محمد عبده الوقية احد أعيان القرية" لو كان السبب اشعاع لأصيبت القرى المجاورة التي لاتبعد سوى مئات الامتار عنهم".لكنه يطالب بذات الوقت باستكمال مشروع المياه من خلال البئر الذي تم حفره قبل 28 عاماً ".الوقية هو الآخر أصيب نجل اخيه بورم في الامعاء لمدة عام ثم توفي بعد ذلك.

ويذهب المقدم/احمد محمد طاهر شداد – أحد أعيان القرية – الى ان ظاهرة انتشار السرطان بالقرية قد يكون بسبب المياه،مشيراً الى انهم قاموا بالمراجعة لدى الدولة وبدءوا بإنشاء خزان،وقد خسروا اكثر مما تقدمه الدولة".حد قوله.

ظهور أول حالة إصابة:

عاقل قرية ماوه – منصور أحمد الابيض هو الآخر لم يسلم أفراد اسرته من الاصابة بالسرطان فقد أصيب شقيقه وزوجته،وكذا عمته ونجل شقيقه"وبذات المرض رحل عنهم شقيقه وزوجته ,ويعتبر أول مصاب بالسرطان بذات القرية في عام 1998م.

وحول ظهور وتزايد حالات الاصابة في الآونة رغم ان المياه هي ذاتها التي كان يستخدمها ابناء القرية منذ عشرات السنين ؟؟ يقول عاقل القرية: نعم الماء هو نفس الماء..لكن ربما الذين كانوا يموتوا من قبل يكون بسبب تلوث المياه ولم يكن هناك أي اكتشافات وتشخيص وفحوص ات للأمراض".حد قوله.

ويأمل منصور الابيض "ان يكون افتتاح مشروع المياه قاضياً على الظاهرة ومعالجتها "كوننا نرى ان المشكلة في المياه"يقول.

ذات القرية لم تقتصر معاناتها على الاصابة بالسرطان وحسب فكما يؤكد عاقل القرية – منصور الابيض" ان القرية محرومة من المشاريع الاساسية،وأهمها مشروع المياه السبب الرئيس في انتشار ظاهرة السرطان بالقرية،رغم ان مشكلة ذلك لم يتبقى سواء شبكة المياة فقط لايصالها نقية من البئر الذي تم حفره قبل 28 عاما ،شاكراً بذات الوقت لطف الابيض الذي سعى جاهداً منذ5 سنوات وهو "يتابع" لاخراج مشروع الشبكة الى النور".

كما يقول الابيض" ان معاناة ابناء القرية أيضاً لعدم وجود مدرسة لتعليم ابناءهم ،حيث يعاني طلاب القرية من ذلك،ويومياً يقطع الاطفال كيلوهات مشياً على الأقدام للتعليم في مدرسة بقرية أخرى".

ومع ان القرية لاتبعد عن خط الإسفلت سوى أقل من 7كيلوا الا ان الطريق وعره ولم يتم استكمالها ويطالب بذلك".ويشدد مطالبته بانشاء مركز صحي يقدم مختلف الخدمات الصحية اللازمة لابناء القرية".

ويشير الى ان الدولة لم تقدم للقرية أي مشروع سوى الكهرباء هي الأخرى من المشروع الاسباني".

*صحيفة الناس