حين يكون للتفريط مؤسسة ..!
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الجمعة 20 يوليو-تموز 2012 09:27 م

(وزارة الدفاع \" اليمنية \" تلقي القبض على شبكة تجسس إيرانية تعمل في اليمن منذ سبع سنوات بزعامة قيادي سابق في الحرس الثوري الإيراني وتدير أعمالها من غرفة عمليات بصنعاء ) هذا هو الخبر الذي بثته وسائل الإعلام الرسمية أمس الأول ، فوجود شبكة تجسس أمر طبيعي وإلقاء القبض عليها كذلك أيضا ، لكن الذي يلفت الانتباه وعلامات الاستفهام هو ان وزارة الدفاع !! هي من ألقت القبض وليس جهاز الأمن القومي ، ووجود الشبكة تعمل من غرفة عمليات منذ سبع سنوات !! وهذا هو محور السطور التالية .

الخبر يشكل صدمة للمهتمين بالشأن الداخلي والأمن القومي اليمني ، و يطرح تساؤلات كثيرة عن مدى الإنفلات والتفريط بالأمن القومي اليمني مع وجود أجهزة متخصصة مهمتها حماية الأمن القومي وتحديدا جهازي الأمن القومي والسياسي إضافة إلى وحدة مكافحة الجريمة المنظمة التي تتبع وزارة الداخلية ، لكن الأمن القومي وحمايته مسئول عنها بالدرجة الأولى هو جهاز الأمن القومي الذي يتمتع بإستقلالية مالية ويخضع لرئيس الجمهورية ! هذا الجهاز يضم في قوامه آلاف الأفراد يتم اختيارهم بعناية فائقة ويتوزعون جغرافيا على كل شبر من أرض اليمن ، ويتمتعون بإمتيازات مالية كبيرة ووسائل دعم لوجستية ومعدات وأجهزة تحكم وتراسل تعتمد على التكنولوجيا الجديدة في نقل المعلومات ، إضافة إلى تأهيل وتدريب كوادر هذا الجهاز في عدد من الأكاديميات المتخصصة في مجال المخابرات وتبادل المعلومات ، وحصلوا على دورات وورش عمل تطبيقية في بلدان كثيرة كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وكندا ومصر والسعودية وسوريا وتونس وبلدان أخرى عربية وأجنبية ،

الجهاز يتلقى دعما مباشرا من جهات كثيرة محلية وخارجية والجهاز يسيطر على كل مؤسسات الدولة بدأ من أكبر شخصية قيادية أو مؤسسة وانتهاء بآخر فراشة في حوش مؤسسة الخضار ، وهو المؤسسة الوحيدة التي تطبق على كل تراب اليمن من خلال مقراته وفروعه في كل مدينة وحارة ، ويهيمن على صناعة القرار ويتدخل في شئون كل مؤسسات الدولة ويتحكم بشكل كلي على المؤسسات الهامة والحيوية كالإعلام والجامعات والمؤسسات الايرادية والسيادية كالجمارك والموانئ والمطارات وهو صاحب القول الأول والأخير ، ويشكل رعبا لدى غالبية كبيرة من المواطنين ويشكل إزعاجا ومصدر قلق عند مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الأحزاب السياسية والمنظمات التي تنشط في مجال حقوق الإنسان والإعلام وتتسم علاقة الجهاز بهذه المنظمات بنوع من التصادم في أكثر الأوقات فهي تنشط من اجل مكافحة أعماله ، وبإختصار فالجهاز يشكل رعبا وخوفا لدى الكل نظرا لسلوكه وطبيعة نشاطه وممارساته التي يمارسها بشكل غير أخلاقي ويتجاوز كل حدود المعقول واللامعقول

وجهاز الأمن القومي منذ نشأته نهاية عقد تسعينيات القرن الماضي تقريبا لم تكن هذه النشأة بناء على الحاجة وما تقتضيه ضرورات الأمن القومي وحمايتها وإنما كان بدافع الحاجة والضرورة التي تقتضيها للحفاظ على السلطة ورئيس السلطة وبعبارة أكثر وضوحا الحاجة العائلية والرغبة في خلق أجهزة تتبعها ويتحكم بهذه الأجهزة أفراد من العائلة دون غيرهم ، ومن هنا كانت البداية لتهميش دور جهاز الأمن السياسي الذي كان يمارس نفس اللعبة ولكن لدواعي شخصية !! تم إنشاء جهاز الخوف القومي عفوا الأمن القومي !! فكان الشكل العام للجهاز او كمبرر لضرورة وجوده هو مكافحة الإرهاب وخاصة تنظيم القاعدة والأشخاص والمؤسسات التي ترتبط بهذا التنظيم تمويلا وتنظيما ، وهذا مغاير تماما لطبيعة الدور الذي يقوم به جهاز الخوف القومي ، وطبيعة عمله الأساسية والحقيقية والملموسة هو مواجهة ما يعتبره حينها – ولا وال – الحاكم المخلوع تمردا سياسيا أو إعلاميا ومواجهة الأحزاب والمنظمات الحقوقية التي تكشف وتعري النظام بشكل يومي وكذلك مواجهة الإعلاميين والصحفيين ومتابعتهم وملاحقتهم وتكميم أفواههم بوسائل يعتبرها مشروعة مثل الاختطاف والتعذيب والسجن والترهيب وخلق بؤر صراع في المجتمع بعضها تتنافى مع الأخلاق والسلوك السوي .

فالجهاز خذا يتقن ويتفنن في الإرهاب والمتابعة والملاحقة والترصد ويتجاوز القوانين وينتهك الحرمات الخاصة والعامة ، وتم توظيفه لخدمة الكرسي ومن يجلس عليه وحاشيته دون أن توجد له أي صله بحماية الأمن القومي لليمن .

هذا هو الأمن القومي الذي لم يستطيع أن يكتشف خلية أو شبكة مثل شبكة التجسس الإيرانية التي كشفت عنها وزارة الدفاع التي لا ترتبط هذه المهمة بها ولا تتوافق مع طبيعة عملها وإنما دواعي الحاجة والفراغ الذي يسببه جهاز الأمن القومي في ترك الساحة مفتوحة ومغرية أمام أجهزة أجنبية وشبكات وعصابات منظمة تستهدف امن اليمن ودول المنطقة وبعض هذه الشبكات استخبارية وبعضها إجرامية والشواهد ماثلة أمامنا بشكل متواصل فاليمن في ظل جهاز الأمن القومي أصبح ساحة مفتوحة للصراع الاستخباري وساحة للعصابات وشبكات الجريمة بكل أنواعها ، واجزم ان جهاز الأمن القومي لا توجد لديه سجلات وبيانات عن هذه الجماعات وأفرادها وجنسيتها وطبيعة أعمالها مساواة بما لديه من سجلات وبيانات وخرائط وتفاصيل دقيقة الى حد الملل عن الأحزاب ومنتسبيها وكل ما يتعلق بهذه الأحزاب ومثلها الصحفيين والإعلاميين ومؤسساتهم فهو يعرفهم فردا فردا ويعرف تفاصيلهم اليومية ، وعمله ينحصر في هذا الاتجاه وجميعنا يعرف باقي الأعمال .

تم الكشف عن هذه الشبكة التجسسية التي تتبع دولة تستهدف امن اليمن منذ فترة طويلة وتم معرفة أشخاصها وفترة عملها وعرف أيضا غرفة عملياتها التي تدير برامجها من هذه الغرفة ، ولا يساوركم الشك حين قال المخلوع مع بداية انطلاق الثورة العظيمة ضد نظامه وضده هو شخصيا ان توصل الى معلومة أكيدة وخطيرة ان هذه الثورات هي مؤامرة خارجية وأنها تدار من غرفة في إسرائيل وتحديدا في تل أبيب ، هذه واحدة من المعلومات الكونية التي قدمها له جهاز الخوف القومي دون ان يعرفوا وهو على اي خط طول وعرض تقع إسرائيل وتل أبيب !

وما يدفعني وغيري للاستغراب من عدم إقالة او حتى مسائلة قيادة الأمن القومي والمسئولين عن مكافحة التجسس الاستخباري ، فنحن أمام امتداد للنظام السابق بكل صوره وبكل مخلفاته وكأن الوضع لم يتغير وهو كذلك ! ولو كانت هذه القضية في دولة من دول المنطقة لا يمكن ان تمر دون حساب او عقاب لو كانت في مصر مثلا ما الذي كان سيحدث كرد فعل طبيعي على هذا التساهل والتسيب بالتأكيد كنا نرى استقالات وإقالات ومحاكمات لان هذا تفريط بالأمن القومي ويعرض البلد ومصالحه الى الخطر ، هذا ما يفهمه المحترمون المؤمنين بواجبهم الملتزمين بالقوانين ، الذين يعملون للوطن دون الأشخاص .

قضية اكتشاف شبكة التجسس الإيرانية كان يفترض ان تهز أركان الحكم وتهز الرئيس هادي شخصيا لكنه لم يهتز ولم يعيرها أي اهتمام وهو يعالج القضايا كما كان سلفه المخلوع ، وكل ما قدر عليه هو تحذير إيران من تدخلها في شئون اليمن الداخلية ، وكأن إيران قد استنفرت – مجازا- كل أجهزتها لمواجهة هذا التحذير ،

جريمة السكوت على بقاء جهاز الآمن القومي على الوضع الذي هو عليه الآن يعد جريمة تتساوى بالجرم الذي كانت تقوم شبكة التجسس وأكثر لان ما تم اكتشافه هو شبكة واحدة قد تكون ضمن عدة شبكات وجماعات وعصابات ،

وسيظل الوضع على ما هو عليه لأنه لا يوجد اي حساب ولا تتوفر اي نوايا للعقاب والمسائلة والمحاسبة وسيظل اليمن متأثرا بإسلوب المخلوع في إدارة الدولة ومنهجيته العائلية فهذا استمرار لذلك النهج حتى تأتي الأقدار برجل يفهم معنى التغيير لا التدوير وما حصل هو تدوير الكرسي بين المخلوع وهادي ، هذه هي الحقيقة ولا يجب ان نتجاهلها وان نجامل أنفسنا ونحتكم للعاطفة بسذاجة كاملة .

الأمن القومي في خطر والخطر مستمر بل يزداد يوما بعد يوم والعصابات تتشكل وتظهر علينا بأشكال وألوان وأساليب مختلفة ، كل هذا يحدث وجهاز الأمن القومي \" يبتلع \" اكبر قدر من الميزانية العامة للبلد ويبلعها المتنفذون داخله الذي لا هم لهم إلا حماية الأفراد دون الوطن ، انه الخروج الفاضح على القوانين واللوائح فالأمن القومي لم نسمع ان كشف عن عصابة سرق \" حمير\" ناهيك عن سرق البشر والأطفال التي تحدث بشكل يومي وتزداد بشكل جنوني ،

ارحموا الناس وارحموا اليمن من هذا \"العبئ\" الثقيل فلا أمن لليمن مع وجود هذا الجهاز وعجبا حين يكون للتفريط مؤسسة وميزانية وصولة وجولة !! شكرا لوزارة الدفاع التي استلهمت واجبها الوطني وشكرا لكل وطني .. وشهر مبارك على الجميع