الفساد سُنّة كونيّة وليس شمالي الهوى..!
بقلم/ همدان العليي
نشر منذ: 15 سنة و 3 أيام
السبت 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 10:19 م

عندما نقول أن الفساد سُنّة كونية، فهذا لا يعني أننا ننفي وجوبيه وحتمية اجتثاثه ومُحاسبة من أفسد.. وكل مافي الأمر أننا نستنكر استثمار هذه الظاهرة الموجودة في كافة بلدان العالم لصالح مآرب فئوية غير وطنية.

يتذرع كثير من أصحاب مشروع الانفصال بالفساد، ويجعلونه السبب الذي دفع بهم إلى المُطالبة بالانفصال بالرغم أن هذه المطالب بدأت بعد سنتين من عمر الوحدة اليمنية، وبالتحديد بعد اكتشاف آبار النفط والغاز في جنوب اليمن، وليست وليدة الأربع السنوات السابقة كما يُروج لها اليوم.. في المقابل يقولون إن الشطر الجنوبي من اليمن كان قبل الوحدة خالياً من الفساد وإن النظام كان سائد وكانت الحقوق لا تُغمط والأراضي لا تُنهب ..!

والحقيقة تُقال.. كانت هناك دولة مؤسسات بشكل نسبي في ذلك الجزء من الوطن، حيث كان الظرف الاجتماعي والحضاري في ذلك الوقت متفوقاً على ما لدى الجزء الشمالي من الوطن وذلك من حيث "مظهرية" الانتماء إلى روح العصر كما جاء نصاً في كتاب (انفصال يُشعل حرباً- محمد زين).

لكن ثمة سبب رئيسي ساعد على صنع دولة النظام والمؤسسات النسبية في جنوب الوطن، ويمكن تسميته بالثمن الباهظ الذي دفعه أبناء جنوب الوطن مقابل الوصول لتلك المرحلة الغير مُكتملة لدولة المؤسسات.. وقد تجلى عدم الاكتمال في هذه المرحلة عند كل حرب تنشب بين الأخوة وعندما يلجأ رموز الدولة إلى استخدام ورقة القبيلة والاحتماء بها والاعتماد عليها بتنفيذ المُهمات، ضاربين بمبدأ دولة المؤسسات على الحائط كما حدث في يناير1986م..!

لا أحد يُنكر النمط المعيشي الحضاري"النسبي" في تلك الفترة في جنوب الوطن.. بالرغم أن القبائل التي في شمال اليمن لا تختلف قطعياً عن القبائل القاطنة في جنوبه من ناحية العادات والتقاليد والثقافات العامة.. لكن وكما أشرنا آنفاً كان هناك سبباً رئيساً أدى إلى إكساب الناس في بعض المُحافظات الجنوبية صفات -كثيراً منها ظاهري وانتهى بانتهاء السبب- دون المحافظات الشمالية، وهذا السبب يتمثل في تطبيق الحزب للقانون بشكل شديد ومفرط، إضافة إلى سن قوانين لا تتفق مع الشريعة الإسلامية، وترفضها الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي تلتزم بها دولة الوحدة اليوم، مثل قانون العقوبات الخاص بإعدام من ثبتت عليه تهمة اختلاس مبلغ محدد من أموال الدولة، أو قتل وسحل مشايخ القبائل ورجال الدين إذا اعترضوا على بعض سياسات الحزب، فبعضهم كانوا يُرموا من أعالي الجبال..!

ما نعنيه هنا أن أسلوب المواجهة والعنف المُفرط الذي استخدمه الحزب كنهج في التعامل مع الناس في جنوب الوطن الذي لا يختلف عن شماله من ناحية التركيبة الاجتماعية والثقافية؛ كان سبباً في تنميط الناس على النظام بغض النظر عن المدن التي طبّع الاستعمار أهلها -الذي قدم كثير منهم من خارج اليمن- على التمدن.

وعندما نقول إن صفة النزاهة والالتزام كثيراً ما كانت عند "البعض" ظاهرية أو كانوا يطبقونها مُجبرين وليست عن قناعة وأنها انتهت عند إنتهاء السبب؛ فنحن نعني أن جنوب الوطن كان يعج بالمفسدين قبل الوحدة مثله مثل أي مُجتمع في العالم، ولكنهم إما كانوا يفسدون بدهاء دون مُجاهرة كما يحدث اليوم، أو أنهم نهشوا في الوطن بمجرد ما وجدوا فرصة للإفساد في ظِل وضع سياسي مُضطرب كما حدث في الأعوام الأولى من الوحدة..!

ودليلاً على قولنا.. في يدي وثيقة قدمتها مُنظمة تُسمي نفسها بـ((مُنظمة أنصار الحزب الاشتراكي اليمني وأنصار المشروع الحضاري) في تاريخ30يناير1994م إلى المدعو "علي سالم البيض" بصفته أمين عام اللجنة المركزية بالحزب الاشتراكي اليمني، إضافة إلى من أسمتهم بالإخوة الشرفاء بصفوف وقيادة الحزب الاشتراكي.. كان مفاد هذه الوثيقة: مناشدة الشرفاء في الحزب الاشتراكي بتطهير الحزب المذكور من الفساد والمفسدين حيث جاء في معرض المذكرة((حرصاً منا على مكانة الحزب الطليعية على الساحة اليمنية عموماً وحفاظاً على تاريخه المجيد و وفاءا وإجلالاً لدماء الشهداء الأبرار وعلى طريق انجاز وتحقيق المشروع الحضاري وبناء اليمن الحديث المزدهر نناشدكم بتطهير صفوف الحزب من رموز الفساد ومافيا الأراضي والنهيب والثرى غير المشروع وهم-أي رموز الفساد ونهب الأراضي حينها- كالتالي: عدنان البيض، محمد أحمد سلمان، صالح عبيد أحمد، محمد سعيد مُقبل، حسين قحطان، حسان حسين علي، محمد الحبيشي، سالم صالح محمد، عبد الرحمن شكري، محمد هيثم، المهندس البلدي، ناجي عثمان، ومحمد محسن.. وللأسماء بقية))

ومثال آخر على عمليات الفساد، فقد جاء في كتاب الكاتب محمد زين (انفصال يُشعل حرباً) الصفحة 42 ))ان القيادات الاشتراكية في المحافظات الجنوبية بعد الوحدة مُباشرةً كانت تستنكف عن إنفاق الأموال المُخصصة لتنمية الشطر الجنوبي من الموازنة العامة، فخلال عام واحد لم ينفق سوى 108 ملايين ريال يمني على الالتزامات الفعلية في حين كانت بقية النفقات الأخرى تنحصر في بدلات السفر بين الشطرين والخارج والسيارات وغيرها من الأمور الشخصية، وفي مرة من المرات تم صرف نحو خمسة ملايين ريال لشراء مولد كهربائي في مُحافظة المهرة، ليظهر في الأخير عدم وجود مولد تم شراؤه أساساً))

الأمثلة كثيرة.. ونحن هنا لا نتغيا سردها من باب التنكيل أو التقبيح، وهذا ما نُشير إليه دائماً نهاية كل مقال نكتبه، لأننا نتحدث عن وطننا اليمني، ولكننا تعمدنا الإشارة إلى بعضها بهدف إسكات بعض الأصوات التي استخدمت الفساد كذريعة لتأجيج الفتنة في اليمن.. عندما جعلوا الفساد ثقافة شمالية بينما جنوب الوطن خالي من الفساد والمُفسدين، وهذا منطق لا يقبله عاقل وينكره الواقع تماماً، وكان من الأولى أن يقوموا بواجبهم تجاه وطنهم الواحد في مُكافحة الفساد، وليس استثماره..!! .