رونالدو: البرتغال تعيش لحظة توتر قبل مواجهة الدنمرك بدوري الأمم
وفاة أسطورة الملاكمة الأميركية
بيان عاجل من حركة حماس للمجتمع الدولي والأمم المتحدة بخصوص الجرائم الإسرائيلية في القطاع
عاجل: غارات امريكية تستهدف مواقع الحوثيين في مأرب والجوف
السفارة الأمريكية بإسرائيل توجه تحذيرا خاصا لرعاياها
تقرير: الحوثيون يرتكبون 1900 انتهاك بحق الصحفيين في اليمن وحجبوا مئات المواقع الإلكترونية
تعرف على نوعية الأسلحة التي يستخدمها الجيش الأميركي في ضرباته ضد الحوثيين في اليمن؟
عاجل: غارات عنيفة على مطار الحديدة
العميد طارق صالح: ''محافظة البيضاء على موعد قريب من التحرير وستكون أول من تلفظ المشروع الحوثي''
الإدارة الأميركية توافق على بيع أسلحة متطورة وفتاكة للسعودية لمواجهة المسيرات المفخخة
ما إن وضعت إصبعي على أول حرف لأكتب عن الصحفي والمفكر عبد الله عبد الرزاق باذيب، حتى شاغلتني عبارة (الإنسان موقف)، وهي عبارة ارتبطت بالمفكر التقدمي محمود أمين العالم، وعنوان كتاب شهير وقيِّم له.
يقول محمود أمين العالم في كتابه «إن الإنسان في جوهره موقف، وإن حياتنا الإنسانية يصنعها الفرد الذي يحمل عبقرية الجماعة، وبحسن الإنصات إلى نبضاتها، يحسن اكتشاف إرهاصاتها الخلاقة، ويحسن التعبير عن حكمتها العملية، والتبشير الجديد المتخلق فيها، والنضال من أجله باسم الناس جميعا!».
وعبد الله عبد الرزاق باذيب، جسد في نشاطه الثقافي والوطني ومنجزه الفكري، موقفاً واعياً ومتقدماً، منحازاً إلى الوطن وحريته وتقدمه الاجتماعي وإلى بسطاء الناس.
إن المتتبع لمسيرة عبد الله عبد الرزاق باذيب ونشاطه السياسي وكتاباته الصحفية والفكرية منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي 1949م، عندما أصدر مع مجموعة من زملائه مجلة (المستقبل)، وهو ما زال في عمرٍ فتي (18 عاماً)، سيجد نفسه أمام عبقرية حقة، ولا غلو في ذلك.
إذ أنَّ مجرد التفكير في إصدار مجلة في فترة مثل تلك الفترة وفي ظروف كتلك، وإن عُدَّ مغامرة، إلاَّ أنَّها تعكس وعياً بالضرورة؛ الضرورة المتمثلة بنشدان ثقافة وطنية مناهضة للاستعمار، ووعي بالواقع الاجتماعي والثقافي المتخلف على طريق تغييره، فكانت الصادحة بضرورة تطوير الواقع والعقل المستلب، المسيج بالخنوع والتواكل والخوف، جريئة في موضوعاتها، متشيعة للجيد والجديد من فنون الأدب، ولهذا سُنَّت عليها الحراب، وطالت الفتى باذيب، الذي لم يخنع، بل أظهر براعة وقدرة في المجادلة والمحاججة، مستخدماً الأسلوب الهادئ أحياناً والحاد الجارح حيناً، ولم تخلوا كتابته من الأسلوب التهكمي الساخر، الذي يخدم رأيه ويعزز من موقفه، ويبرز فكرته. كتب في عدد نوفمبر 1949م، مقالاً افتتاحياً (فلنسجل)، بعنوان "دعاة الانحطاط" «تثير المجلة كُلَّما صدرت زوبعة من النقاش والمجادلات، وتحرك في النفوس مظان التفكير ومآخذ التوهم، ما من سببٍ لتلك الإثارة إلاَّ أنها أغارت على محارم المتزمتين وأقداس التقاليد الموروثة، بمعاول اشتقتها من صبوات الروح، وقذائف استخرجتها من اندفاعات الشباب، وألقت رسالتها إلقاءً في إطارات من الثورة وسياج من الحماس. ولم تدفعها على عكازٍ فانٍ مسلوخ، أو تخنقها في قالبٍ مأفونٍ من المداجاة واستدراج العواطف».
واصل عبد الله باذيب نشاطه الصحفي بعد توقف (المستقبل)، إذ عمل محرراً في صحيفة "النهضة"، ثم سكرتيراً لتحريرها، فبزغ نجمه كواحد من أهم الكُتَّاب في الصحافة العدنية آنذاك، وبدأت تتضح أكثر فأكثر ميوله التقدمية ذات الصبغة اليسارية، وكان أن نشر مقاله الشهير "المسيح الجديد الذي يتكلم اللغة الإنجليزية"، الذي دفع بالسلطات البريطانية إلى اعتقاله وتقديمه للمحاكمة بتهمة «إثارة الكراهية والعداء ضد الحكومة وبين طوائف وطبقات السكان»، فخرجت الجماهير في مسيرات إلى المحكمة تندد باعتقال كاتبها ومحاكمته، وعقدت الشخصيات الاجتماعية والهيئات والمنظمات اللقاءات التضامنية مع عبد الله عبد الرزاق باذيب.
كتب باذيب في أكثر من صحيفة (النهضة، البعث، الفجر، الجنوب العربي والفكر)، وما إن ضيقت السلطات الاستعمارية الخناق عليه، حتى هرب أواخر عام 1958م إلى تعز عاصمة الإمام أحمد بن حميد الدين، ومن هناك أصدر صحيفة "الطليعة"، لكن سرعان ما ضاق الإمام ذرعاً بـ"الطليعة" وصاحبها، لخطها الوطني والتقدمي الواضح، ففرَّ من قبضة الإمام عائداً إلى عدن، ليواصل عمله الصحفي والوطني، فأسس في أكتوبر 1962م "اتحاد الشعب الديمقراطي"، رابطاً بذلك ربطاً عضوياً بين المثقف اليساري التقدمي وتعبيره التنظيمي/ السياسي، واستحق بذلك أن يكون رائد الفكر الاشتراكي العلمي في اليمن، وأصدر في يونيو 1965م صحيفة "الأمل" كمنبر لليسار، وكداعم لثورة 14 أكتوبر ما أدَّى إلى إحراق مطبعة "الأمل" من قبل بعض القوى المناوئة، فتوقفت على إثر ذلك.
وواصل باذيب نضاله بعد نيل الجنوب لاستقلاله، وعمل على تحديد الخط السياسي للنظام الوليد، وتحمل مناصب حكومية وحزبية رفيعة إلى أن وافاه الأجل في 16 أغسطس 1976م.
إن التراث الصحفي والأدبي والفكري والنضالي الذي خلفه المفكر والقائد والمناضل الأستاذ عبد الله عبد الرزاق باذيب، من السعة والعمق، يصعب الإحاطة به.