القلم والورود بوصفها أسلحة قتال!
بقلم/ سامي الكاف
نشر منذ: 17 سنة و أسبوع و يومين
السبت 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 06:26 م

مارب برس – خاص

ذات يوم قبل نحو أكثر من 20 أسبوعًا، كانت توكل كرمان، في ساحة الحرية بصنعاء، تقود اعتصامًا سلميًا، بمعية رفيقاتها ورفاقها، لكنها لم تجد التج اوب المأمول المتوافق مع عدد من مطالبها، وبدلاً من ذلك وجدت من هب الى التعرض لها ولمن معها، سبًا وقذفًا وتشهيرًا، لعلها تتراجع عن مطالبها، أو تعمل على رفع الاعتصام السلمي الذي وضع السلطة والحكومة في موقف حرج، وقد بدت هذه المطالب - أول الأمر- بسيطة للغاية، ومنطقية أيضًا بحسب تصريح لتوكل في مقابلة أجرتها معها قبل فترة صحيفة (الناس)؛ الحصول على تصريح لاصدار صحيفة باسم منظمة (صحفيات بلا قيود) التي ترأسها، ولديها موقع الكتروني على شبكة الانترنت باسم (بلا قيود نت)، على الرغم من أن الرد الرسمي يسمح باصدار نشرة لا غير.

في أحايين كثيرة درجت سياسة النظام القائم - منذ زمن بعيد- بفعل رموز فاسدة أكل عليها الدهر وشرب، على اتباع أسلوب (غير شريف)، بل إن شئت قُل (قذر)، و(وضيع)، مع الذين يطالبون بحقوقهم بحسب القانون، يقوم على التعرض بهم، سبًا وقذفًا وتشهيرًا مع سبق الاصرار والترصد، لعل هؤلاء الذين يطالبون بحقوقهم يتراجعون، أو ينكسرون.

هيهات.. كان رد فعل توكل كرمان، ومن معها، من الرجال والنساء.

كان الاعتصام الذي تقوده توكل - في نظر المؤيدين- يزداد كل أسبوع عددًا، وقوة؛ على الرغم من أساليب التهميش واللامبالاة، ومن ثم الترهيب بعد الترغيب، وأساليب ضغط مختلفة مورست ضد المعتصمين، لعل من يطالبون بحقوقهم يتراجعون، أو ينكسرون.

هيهات.. معادن الناس تختلف. ثمة من تطرق عليه، يلين مستجيبًا لك، وثمة من تطرق عليه يزداد صلابة وقوة.

توكل، ومن معها غير قليل، ظهروا من النوع الأخير.

كانت أساليب التهميش واللامبالاة، ومن ثم الترهيب بعد الترغيب، وأساليب الضغط المختلفة التي مورست ضدهم، لا تزيدهم صلابة وقوة وحسب، بل ولمعانًا أيضًا؛ يمكن في هذا السياق اللافت للانتباه ملاحظة كيف أصبحت مقالات توكل الأخيرة، ترفع من مبيعات الصحف، بل وتتصدر أكثر المقالات قراءة في كثير من المواقع الالكترونية، حدًا لم يسبق له مثيل، موقع (مأرب برس الالكتروني مثالاً).

من ضمن هذه المقالات الأكثر قراءة في كثير من وسائل الإعلام كان ذلك المقال الذي كتبته توكل كرمان في صحيفة الثوري بتاريخ 27/9/200م، بعنوان: (إذا لم يسـالمـك الزمـان فحـارب!).

كان واضحًا أن المقال جاء رد فعل نتيجة تعبير مباشر عن الحياة الصعبة التي باتت تعيشها امرأة (محترمة) في جو (غير محترم) أضحى يعاني منه قطاع كبير وواسع من المواطنين، من النساء والرجال، من الأطفال والشباب، والكبار في السن، والطاعنين أيضًا، في وطن يئن من اختلال موازين الحق والعدل والمساواة، ومن بين هؤلاء المواطنين كانت بالتأكيد توكل كرمان بصفتها مواطنة قبل أن تكون صحفية (سلاحها) مجرد قلم...!

وهل ثمة من لا يبحث عن وطن حق وعدل ومساواة...؟!

راحة المواطنين لا تكمن إلاّ في العيش الكريم في وطن حق وعدل ومساواة.

كانت توكل كرمان كلما عبّرت - بجرأة وشجاعة نادرتين- عن معتقداتها، وآرائها، وأفكارها، تجاه ما حدث ويحدث لها في محيط عملها، وما يعتري وطنها من أحداث جسام، لبها انتهاك الحقوق واغتصابها في وضح النهار قبل الليل، ازداد سعير الحملة الشعواء ضدها سبًا وقذفًا وتشهيرًا من ذئاب السلطة وكلابها، ومن منافقيها، والزمّارين، والطبّالين وطبالهم.

من يعتقد أن السلطة ليس لديها مثقفون واعون، أو صحفيون محترمون، فهو مخطئ بل ويغالط نفسه، لكن هؤلاء على الرغم من وعيهم وثقافتهم،لزموا الصمت، وبدوا - بفعلهم الصامت هذا- أقرب إلى ذئاب السلطة وكلابها، ومنافقيها، والزمّارين، والطبّالين وطبالهم.

رد فعل توكل كرمان في المقال، المُشار إليه بعاليه، يبدو جليًا في خاتمته، إذ كتبت تقول: ((سيدي ومولاي صاحب الفخامة .. كرد على ما اعتبره الأمنيون وقوعي في خطيئة البوح وفاحشة إبداء الرأي تجاه قضية عامة قدرتُ أن من الواجب أن أقول شيئًا حيالها.. راحت كلابك البوليسية في منشوري "الدستور" و"البلاد" وكالعادة ترد على ما كتبته في صحيفة الثوري بطريقتها الخاصة والمحببة ظنًا منها أن القذف والنيل من العرض وسيلة فعالة لشطب أي امرأة من خارطة الحياة العامة! لمَ لا تقل لهم سيدي أن الإيغال في أعراض المؤمنات خطيئة لطالما كانت عواقبها وخيمة؟! لمَ لا تنصحهم بالقول.. بيوتكم من زجاج فلا ترموا بالحجارة من كانت بيوتهم من فولاذ؟! يا رئيس "البلاد" ويا حامي "الدستور".. قل لهم (عد شي قبيَـلة؟، ما يسبرش كلنا عندنا أعراض!!) أما أنا فسأقول.. اللعنة على "دستور" تقذف فيه المحصنات بحجة الدفاع عنه، وتبًا لـ"بلاد" يُنتهك فيها عرض الطاهرات بدعوى الدفاع عنها)).

يؤخذ على توكل كرمان، في مقالها الجريء، سواء اعتبره بعضنا رد فعل أو غير ذلك، أنها دعت صراحة إلى الاطاحة بالنظام القائم عبر ثورة سلمية تبدأ بانتفاضة سلمية تحت شعار "الاصلاح أو الموت"، وهو ما قد يجعل رفع قضية ضدها بحسب قانون الصحافة والمطبوعات الصادر العام 1990م أمر وارد، لكن هذا القانون ما زال يتم التعامل معه بحسب (أهواء) السلطة ومصالحها ومصالح بعض المتنفذين رغم ما في هذا القانون من (تقييد) لحرية نشر أفكار وآراء جميع مواطني الجمهورية اليمنية بحسب ما جاء في الدستور في هذا الشأن.

تقول توكل في مقالها: (فليبدأ العصيان إذًا.. ولتكن هذه المهرجانات والاعتصامات بداية كرة الثلج فحسب والخطوة التي سيليها التظاهر الشامل بكل مدينة وقرية لإسقاط النظام الفاسد الذي أضاع الثروة والموارد وغدا يشكل خطرًا على الأرض والإنسان. دعوا رغيف الخبز يرتاح حينًا من الدهر.. فقد أعلن الحاكم عجزه عن إعادته إلى حجمه قبل أشهر فحسب، وتحت شعار(الإصلاح أو الموت) فلتبدأ الانتفاضة السلمية ولنتجه نحو العصيان المدني الشامل من اجل السلم الاجتماعي الذي بدا أنه على وشك الانهيار.. ومن أجل الوطن الديمقراطي الموحد الذي حوله الرئيس إلى ضيعة له ولمعاونيه، ولا مانع أن تمتلئ السجون بالمناضلين.. ولا مانع أيضًا أن نشبع لدى الحاكم رغبة الأخذ.. فليأخذ ما طاب له من الأرواح والدماء، وعلى لوحة الشرف أن تستعد وتتزين لاستقبال أسماء شهداء انتفاضتنا الباسلة وثورتنا السلمية).

لستُ مع ما ذهبت إليه توكل كرمان في مقدمة مقالها حيث الإهداء لاثنين من حزب الاصلاح وثلاثة من الحزب الاشتراكي، لأسباب كثيرة بعضها يتعلق بعوامل وشروط موضوعية وذاتية يجب أن تتوفر في القادة، ومع ذلك تظل هذه رؤيتها، وهذه هي أفكارها، وهذه هي قناعاتها، وهي حرة فيها، ولا يحق لأحد، أيًا كان، أن يفرض عليها قناعاته، أو يمليها عليها.

لكن الناظر الى ما ذهبت إليه توكل كرمان في مقالها التحريضي الصريح، هو أنها لم تذكر قط في مقالها الدعوة الى حرب باستثناء عنوان المقال كقول معروف ومتداول، ولم يأت في سياق المقال ذاته، بل ولم تدعُ كرمان إلى حمل السلاح، أو استخدام العنف تحديدًا.

هي دعت صراحة إلى انتفاضة سلمية، احتجاجات واعتصامات سلمية. ثورة سلمية، ليس أكثر.

تقول توكل كرمان في هذا الصدد بوضوح لا لبس فيه: (هذه السلطة لا تعرف غير لغة القوة فلتروها من أنفسكم قوة، لا تحتاجون إلى استخدام العنف أو الجنوح نحو السلاح.. ليس هناك أقوى من الاحتجاجات السلمية ولا أشد من الاعتصامات والتظاهرات.. وهي حين تشهرها الجماهير المظلومة في وجه حاكم مستبد فإنها بمثابة أسلحة دمار شامل لا سبيل لمواجهتها).

هنا بالذات، تظهر قوة توكل كرمان، كمعدن نفيس، كلما ازداد الطرق عليه، زاد لمعانًا.

تدرك توكل كرمان أن من حقها أن تمارس ما كفله لها الدستور من اعتصامات واحتجاجات وتظاهرات في الاطار السلمي، ولذلك راحت تُعبر عن ذلك بصراحة على الرغم من أنها مجرد (امرأة) في مجتمع (ذكوري) بحت، وذلك من خلال قلمها الذي لا يهادن ولا يتقلب. عبرت عن ذلك دون النظر إلى ما قد تتعرض له - مجددًا- من سب وقذف وتشهير علني من ذئاب السلطة وكلابها، ومنافقيها، والزمّارين، والطبّالين وطبالهم، كما حدث في صحيفتي "الدستور" و"البلاد" وقد اعتادتا على فعل ذلك ليس مع كرمان وحسب، بل مع كثير من الصحفيات والصحفيين دون أن تجد - في النظام والسلطة- من يلوّح لها بعصا قانون الصحافة والمطبوعات إياه. في الواقع لم تقف صحيفتا "الدستور" و"البلاد" عند حد سب وقذف توكل كرمان وأمثالها من الصحفيات والصحفيين المحترمين، بل وراحت تدافع عن ذئاب السلطة وكلابها، ومنافقيها، والزمّارين، والطبّالين وطبالهم، محاولتان إلباسهم ثياب المحترمين.

لم تقف توكل كرمان عند حد الإعلان عن مواقفها وآرائها وحسب، بل والإعلان عن وعدها بالاستمرار في طريقها الذي اختارته، معتمدة في ذلك على صلابة معدنها النفيس وترسانتها المسلحة من الورد والحبر.

بثقة -لافتة للأنظار إعجابًا- تقول توكل كرمان مخاطبة رئيس الجمهورية في ختام مقالها المُشار إليه بعاليه:

(اطمئن سيدي فلن نجاريهم بالبذاءات، وعهدًا لن نخلفه أن نظل شوكة الحنجرة وفي طليعة المفرزة.. في خندق المواجهة الأول نقاتل بورد وحبر وبامتداد غصص خارطة الوطن).