|
لا يزال الأستاذ محمد غالب أحمد - عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني - رهن الاعتقال في إدارة البحث الجنائي بصنعاء منذ عدة أيام بتهمة "دعم الحراك ماليا لتخريب خليجي 20", وهي بالمناسبة تهمة لا تخلو من الضحك والسخرية من بدايتها وحتى نهايتها؛ ليس لأن أساسها عبارة عن تصريح لأحد الخارجين عن القانون ومن المطالبين بعودة "الجنوب العربي", ولكن لأنها أيضا وجهت لشخص معروف بوطنيته ووحدويته وثبات موقفه, وبالتالي فإن السلطة ظهرت على حقيقتها عارية أمام الجميع ومن الأفضل لها الآن مدارات الفضيحة بإطلاق سراح الأستاذ غالب والاعتذار له والاعتراف بأن الخارجين عن القانون وقطاع الطرق في الحراك من أمثال (طاهر طماح) إنما هم من صنيعتها وأدواتها التي ما برحت تشوه بها نضال أبناء (الجنوب) الذين كشفت السلطة من حيث لا تدري أنهم أصحاب حق..!!
فهنيئا للحراك المناضل غالب, وأعتقد أن دعمه بالرأي والموقف للشرفاء الصامدين في المطالبة بحقوقهم المشروعة هو ما جعله يدفع هذا الثمن, مع أيماني بأن ما حدث سيجعله سعيدا ومبتهجا وأكثر صلابة على عكس من أراد أن يكسرها.
من هذه الواقعة يمكننا أن نخلص إلى عدة استنتاجات.
أولا: أن الظلم والأخطاء التي وقعت ولا تزال تقع فيها السلطة في الجنوب هي سبب خوفها وقلقها وشعورها بالذنب, وبالتالي فهي تعيش هاجس المؤامرة والتخبط غير قادرة على تحديد المشكلة وإنجاز الحل وكلما حاولت أن تقدم حلا اكتشفت فيما بعد أنه تحول إلى عبء إضافي وهكذا.
ثانيا: توجيه التهمة لشخص مثل محمد غالب أحمد يدل دلالة كبيرة على الإفلاس, فهذا الرجل لا يمكن أن يكون جزءا من المشكلة التي صنعتها السلطة وإنما جزء من الحل, وهكذا هو الحال بأبناء الجنوب الشرفاء الذين يتطلعون إلى وطن آمن ومستقر من صعدة إلى المهرة يسوده العدل والوئام, غير أن حماسهم سرعان ما يتلاشى ويذهب سدى, والمقصود بجزء من الحل هو أن الحل أساسا بيد السلطة ثم عليها أن تستثمر طاقات وتطلعات الآخرين من أبناء الجنوب وغيرهم لتكتمل الحلقة إن كانت فعلا جادة في إيجاد حل يرضي الجميع وليس مراضاة على طريقة سيارات وملايين المشايخ وغيرهم من المتطفلين..!!
ثالثا: الاعتماد على قطاع الطرق في اعتقال أو الإضرار بأناس مثل محمد غالب أمر مخجل ومعيب ويظهر السلطة بأنها تقف بالمرصاد لأبناء الجنوب الوحدويين وتشجع القتلة وأصحاب المشاريع الصغيرة من أمثال طماح الذي يمتلك سيارة تحمل لوحة مكتوب عليها "الجنوب العربي" يتنقل بها في مناطق عدة أمام سمع وبصر الجنود المجندة ناهيك عن رصيده الوافر من التقطعات والنهب والسلب الذي يتعرض له أخواننا من أبناء المحافظات الشمالية.
رابعا: للسلطة خطابان متناقضان, خطاب يصف الحراك والمعارضة بقطاع الطرق والمتآمرين مع أن قطاع الطرق هي من أوجدتهم لضرب الحراك من داخله وتشويه نضاله السلمي والحد من تأثير المعارضة وخطاب وحدوي يدعو للسلم ويصفهم بالشركاء ويرحب بهم على طاولة الحوار, وعلى المتابع والقارئ أن يختار ما يريد (والذي ما يشتريش يتفرج)..!!
خامسا: السلطة تغذي الكراهية بين أبناء الجنوب, وما حدث لـ(غالب) صورة ناصعة البياض, فـ(غالب) اشتراكي وحدوي وطماح (عسقبلي) من دعاة الجنوب العربي وهناك صراع واضح بين المشروعين, فقد أستطاع مشروع الجبهة القومية وتاليا الاشتراكي من القضاء على مشروع الجنوب العربي وتجفيف منابعه وتوحيد وإعادة الهوية اليمنية للجنوب والتي كانت ثمرة حقيقية لتحقيق الوحدة اليمنية المباركة, لكن السلطة تستخدم هذه الأدوات هروبا من الأصوات والمشاريع الوحدوية في الجنوب والتي تطالب بالعدل ودولة القانون في محاولة لتكريس صراع عبثي لا هدف منه سواء الفوضى وصوملة البلاد.
كما أنها تعمل أيضا على تغذية الكراهية بين أبناء الجنوب والشمال من خلال القتل بالهوية والتقطعات عبر تشجيع قطاع الطرق وأصحاب السوابق وإتاحة المجال لهم وغض الطرف عنهم وبث الرعب والخوف في نفوس الناس واختلاق الوهم لشحن النفوس بالعداء والكراهية, وكل ذلك يحدث باسم الحفاظ على الوحدة والهدف الخفي هو إعطاء المشروعية لها في البقاء والاستمرار باعتبارها المنقذ والمخلص العظيم..!!
في تقديري أنه لا مجال أمام السلطة إلا بالعودة إلى رشدها, والحاكم إلا بالنزول من برجه العاجي لتلمس هموم وقضايا الناس والتخلص من الوهم وطي ملفات الماضي التي تحض على الكراهية وإذكاء المناطقية والانفتاح على الآخرين والاستماع لوجهات النظر المختلفة والتخلي عن الخطاب الحربي والصراعي وفتح نافذة حقيقية للتسامح والتصالح وليس لمجرد الاستهلاك الإعلامي؛ لأنه لا يصلح البتة الحديث عن "ملف 13 يناير للتشهير والتشفي ومن ثم الحديث عن التسامح والتصالح", فهذه معادلة مغلوطة من أساسها, والمطلوب هو إغلاق الملفات في الجنوب والشمال وفتح صفحة للمستقبل الجديد أو اليمن الجديد.
ما لم, فإن الاستمرار في انكماش السلطة حول نفسها خوفا من الآخر وعدم الثقة فيه, سواء أكان في المعارضة أو الحراك أو الشخصيات المستقلة أو من داخلها, قد يقود البلد إلى المجهول وربما يفقد ذلك السلطة الكثير من رصيدها بين الناس, كما يفقدها أدوات أو شخصيات مهمة ربما تصبح رهانها الحقيقي في المستقبل, ومن ذلك فإنه عليها تقييم الأمور بحكمة ودراسة الواقع بوعي وإدراك, انطلاقا من حساسية المرحلة ودقتها بعيدا عن التعالي والغرور, ودون ذلك أيضا فإنه ما من بد من أن نعجل لها بالتهنئة بمكسبها (طماح) وللحراك مثلها بمكسبه (غالب) وهناك فرق..!!
b.shabi10@gmail.com
في الثلاثاء 28 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:39:45 م